ابحث عن موضوعك في موقعي هنا

||

ترجمة/Translate

السبت، 12 يناير 2013

قصة فتح الأندلس ج2

من هو مُوسَى بن نُصَير
ثبّت الله أقدام الإسلام في بلاد الشمال الإفريقي على يد مُوسَى بن نُصَير القائد المسلم البارع التقي الورع وهو من التابعين، وقد روى عن بعض الصحابة كتميم الداري رضي الله عنه...
قال عنه ابن خلّكان: كان عاقلاً كريماً شجاعاً ورعاً تقياً لله تعالى، لم يُهزم له جيشٌ قطّ.
أما أبوه فهو نُصَير ذلك الغلام النصراني الذي أسره خالد بن الوليد رضي الله عنه في موقعة عين التمر، وكان قبلها يتعلم الإنجيل والدراسات النصرانية في الكنيسة، وفي الأَسْرِ عرف الإسلام وأُعجب به، فأسلم وهو ابن ثلاثة عشر أو أربعة عشر عامًا، وكان معه وعلى شاكلته سيرين أبو محمد بن سيرين التابعي المشهور.
وهنا وقفة لطيفة نشير إليها في معرض هذا الحديث، وهي تلك الثمرة التي هي من ثمار ومن تبعات الفتوحات الإسلامية، ومصداقا لقوله تعالى: [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ]{فصِّلت:33}. تلك الثمرة التي منّ الله بها على نُصَير وعلى ولده من بعده، ومن ثَمّ على المسلمين أجمعين.
فانظر ماذا فعل الإسلام بنُصَير وغيره؟ وماذا كان سيكون مصير نُصير إذا ظل على ما كان عليه؟ وكيف أصبح في حسنات خالد بن الوليد رضي الله عنه وقد توفي بعده بسنوات وسنوات. وإنه لثمرة من ثمرات الجهاد الإسلامي في بلاد فارس (وهي التي أُسر فيها نُصير).
أما نُصير، فلما أسلم ازداد حبه للإسلام، فأخذ ينهل منه ويتعلم حتى أصبح عالِمًا، وفي ذات الوقت من الفرسان الأشداء والمجاهدين الأكفاء، وظل يترقى من حال إلى حال حتى صار في زمن الدولة الأموية قائدًا لجيوش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وظل في هذه القيادة سنوات طويلة...
في هذا الوقت كان مُوسَى بن نصير يتربى في بيت الخلافة مع أولاد معاوية وأولاد الأمراء والخلفاء، فنشأ على حب الجهاد في سبيل الله ونشر الدين، حتى أصبح شابًا يافعًا يتقلد الرتب والمناصب، فتقلد قيادة جيوش الأمويين في مصر في عهد عبد العزيز بن مروان الأموي، ثم بعد ذلك واليًا على إفريقيا وذلك في سنة 85 هـ= 704 م.
كانت الفرصة مواتية لموسى بن نصير أن ينجز ما عجز السابقون عن إنجازه فتوّجه ناحية المغرب وأعاد تنظيم القوات الإسلامية، وحشد جيوشه جميعًا ووقف فيهم خطيبًا وكان مما قال: إنما أنا رجل كأحدكم، فمن رأى مني حسنة فليحمد الله، وليحضّ على مثلها ومن رأى مني سيئة فلينكرها فإني أخطئ كما تخطئون، وأصيب كما تصيبون... ومن كانت له حاجة فليرفعها إلينا وله عندنا قضاؤها على ما عزّ وهان مع المواساة إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان: وكانت البلاد في قحط شديد، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء، ومعه سائر الحيوانات، وفرق بينها وبين أولادها، فوقع البكاء والصراخ والضجيج، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار، ثم صلى وخطب بالناس، ولم يذكر الوليدَ بنَ عبد الملك، فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين فقال: هذا مقام لا يُدعى فيه لغير الله عزوجل، فسقوا حتى رووا.

مُوسَى بن نُصَير وتثبيت دعائم الإسلام في إفريقيا
منذ أصبح موسى بن نصير واليًا على إفريقيا أصبح كلُّ همّه لماذا يرتدّ الناس بين الحين والآخر عن الإسلام بعد أن يكونوا قد دخلوا فيه؟! بل كيف يعودون ويقاتلون المسلمين بعد أن كانوا مسلمين؟! ومن هنا فقد أراد أن يجد حلًا لهذه الأمور، ويعمل على تثبيت دعائم الإسلام في هذا الإقليم الذي كان قد فتحه عقبة بن نافع رحمه الله، والذي اغتيل في القيروان من هذا الإقليم على يد البربر وهو في طريق عودته من المغرب الأقصى.
وفي بحثه عن معرفة أسباب هذه الردّة المتكررة وجد مُوسَى بن نُصَير خطأين وقع فيهما من سبقوه.
الخطأ الأول: هو أن عقبة بن نافع ومن معه كانوا يفتحون البلاد فتحًا سريعًا، ويتوغلون داخلها لفتح أماكن أخرى كثيرة، دون أن تتوفر الحماية لظهورهم في هذه المناطق التي فتحوها، ومن ثم كانت النتيجة أن البربر فَقِهوا هذا الأمر واستغلّوه جيدًا، فانقلبوا على عقبة وأحاطوا به وقتلوه، وحتى يتغلب على هذا الأمر بدأ مُوسَى بن نُصَير يفتح البلاد في أناةٍ شديدة، وفي هدوء وحذرٍ كحذر خالد بن الوليد رضي الله عنه، فبدأ يتقدم خطوة ثم يُأَمِّن ظهره، ثم خطوة فيأمّن ظهره، حتى أتمّ فتح هذا الإقليم في سبع أو في ست سنوات، بينما استغرق عقبة بن نافع في فتحه شهورًا معدودات.
أما الخطأ الثاني فقد وجد أن سكان هذا الإقليم لم يتعلموا الإسلام جيدًا ولم يعرفوه حق المعرفة، فبدأ بتعليمهم الإسلام؛ فكان يأتي بعلماء التابعين من منطقة الشام والحجاز ليعلمونهم الإسلام ويعرفونهم به، فأقبلوا على الإسلام وأحبّوه ودخلوا فيه أفواجًا، حتى أصبح البربر الذين يحاربون المسلمين جند الإسلام وأهله، وهكذا عمل مُوسَى بن نُصَير على تثبيت دعائم الإسلام وتوطيده في الشمال الإفريقي، وأتمّ فتح الإقليم بكامله عدا مدينة واحدة وهي مدينة "سَبْتَة، فقد فتح ميناء طنجة ولم يفتح ميناء "سَبْتَة" المماثل له في الأهمية، وللموقع الاستراتيجي لمدينة "سَبْتَة" ولّى موسى بن نصير على ميناء طنجة أمهر قواده طارق بن زياد رحمه الله، وطارق بن زياد لم يكن عربيًا، بل كان من قبائل البربر التي استوطنت الشمال الإفريقي والتي كان يميزها اللون الأبيض والعيون الزرقاء والشعر الأشقر وقد حمل طارق بن زياد القائد الفذّ هذه الصفات الشكلية، إضافة إلى ضخامته الجسمية ووسامته الشديدة، تلك التي لم تمنعه عن الانشغال بحب الجهاد في سبيل الله، ونشر هذا الدين.


لم تكن فكرة فتح الأندلس وليدة أيام موسى بن نصير، بل إنها فكرة قديمة جدًا، فمنذ أن استعصت القسطنطينية على الفتح زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه - وكانت الحملات الإسلامية قد وصلت إليها - قال قولته: إن القسطنطينية إنما تُفتح من قِبَل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر.

فكان عثمان رضي الله عنه يعني أن المسلمين سيفتحون الأندلس أولًا (غرب أوروبا) ثم يتوجهون منها صوب القسطنطينية (شرق أوروبا) فيفتحونها من قِبَل الغرب لا من قِبَل الشرق، من جهة البحر الأسود في ذلك الوقت، لكن المسلمين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى هذه المنطقة من المغرب العربي إلا في أيام بني أمية وفي فترة حكم موسى بن نصير على الشمال الإفريقي.

مُوسَى بن نُصَير وعقبات فتح الأندلس
بعد أن استتبّ الأمر لموسى بن نصير في شمال إفريقيا، وانطلاقًا من قول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ]{التوبة:123}أخذ موسى بن نصير الفكرة وهيَّأَ نَفْسَهُ لفتح بلاد الأندلس تلك التي تلي الشمال الإفريقي مباشرةً، وفي طريقه إليها كانت هناك عدة عقباتٍ كان أهمها ما يلي:

العقبة الأولى: قلّة السفن
وجد موسى بن نصير أن المسافة المائية التي سيقطعها بين المغرب والأندلس لا تقلّ عن ثلاثة عشر كيلو مترا، ولم يكن لديه سفنًا كافيةً لعبور هذه العقبة المائية، فمعظم فتوحات المسلمين - باستثناء بعض المواقع مثل ذات الصواري وفتح قبرص - كانت برّية، ومن ثَمّ لم يكن هناك حاجة كبيرة إلى سفن ضخمة، أَمَا والحالة هذه فهم بحاجة إليها لتنقل الجنود وَتَعْبر بهم مضيق جبل طارق ليصلوا إلى الأندلس.

العقبة الثانية: وجود جزر البليار النصرانية في ظهره إن دخل الأندلس
كان موسى بن نصير قد تعلّم من أخطاء سابقيه؛ فلم يخطو خطوة حتى يأمن ظهره أولًا، وفي شرق الأندلس كانت تقع جزر تسمى جزر البليار - هي عدة جزر تقع أمام الساحل الشرقي لأسبانيا وأهمها ثلاثة جزر هي: ميورقة ومنورقة ويابسة وتسمى في المصادر العربية بالجزر الشرقية - وهي قريبة جدًا من الأندلس، ومن هنا فإن ظهره لن يكون آمنًا إن هو دخل الأندلس، وكان عليه أولًا أن يحمي ظهره حتى لو كانت هذه الجزر تابعة للرومان.

العقبة الثالثة: وجود ميناء "سَبْتَة" المطل على مضيق جبل طارق في يد نصارى على علاقة بملوك الأندلس
كان ميناء "سَبْتَة" المطل على مضيق جبل طارق والذي لم يُفتح مع بلدان الشمال الإفريقي، وكان يحكمه ملك نصراني يُدعى يُليان أو جريان، وكان لهذا الملك علاقات طيبة بملك الأندلس الأسبق غَيْطَشَة، وغيطشة هذا كان قد انقلب عليه لُذريق أو رودريقو - كما يُنطق في بعض الأحيان - وتولى حكم الأندلس، وكانت العقبة تكمن في خوف موسى بن نصير من أن ينقلب عليه "يُليان" صاحب ميناء "سَبْتَة" والذي سيكون في ظهره ويتحد مع لُذريق صاحب الأندلس، حتى وإن كان على خلاف معه، فمن يضمن ألا يدخل "يُليان" مع لُذريق في حربه ضد موسى بن نصير نظير مقابل مادي أو تحت أي بند آخر؟

العقبة الرابعة: قلة عدد المسلمين
كانت العقبة الرابعة التي واجهت موسى بن نصير هي أن قوات المسلمين الفاتحين التي جاءت من جزيرة العرب ومن الشام واليمن محدودة جدًا، وكانت في نفس الوقت منتشرة في بلاد الشمال الإفريقي، ومن ثَمّ قد لا يستطيع أن يتم فتح الأندلس بهذا العدد القليل من المسلمين.

العقبة الخامسة: كثرة عدد النصارى
في مقابل قوة المسلمين المحدودة كانت قوات النصارى تقف بعدتها وضخامتها عقبة في طريق موسى بن نصير لفتح الأندلس، وكان للنصارى في الأندلس أعدادٌ ضخمةٌ.

العقبة السادسة: طبيعة جغرافية الأندلس وكونها أرض مجهولة بالنسبة للمسلمين
وقف البحر حاجزًا بين المسلمين وبين بلاد الأندلس، فلم تعبر سفنهم هذه المنطقة من قبل فضلًا عن أن يرتادوها أصلا، ومن ثَمّ لم يكن لهم علم بطبيعتها وجغرافيتها، الأمر الذي يجعل من الصعوبة الإقدام على غزو أو فتح هذه البلاد، وفضلًا عن هذا فقد كانت بلاد الأندلس تتميز بكثرة الجبال والأنهار، تلك التي ستقف عقبة كئود أمام حركة أي جيش قادم، خاصةً إذا كانت الخيول والبغال والحمير هي أهمّ وسائل ذلك الجيش في نقل العدة والعتاد.

مُوسَى بن نُصَير ومواجهة العقبات
رغم هذه العقبات التي كانت موجودة بالفعل في طريق فتح الأندلس إلا أن موسى بن نصير لم يكسل ولم يقف مكبّل اليدين، بل أصرّ على الفتح وعلى إتمام الطريق الذي بدأه قبله الفاتحون، فعمل على حلّ المعضلات السابقة على هذا النحو:

أولا: بناء الموانئ وإنشاء السفن
عمد موسى بن نصير إلى إنشاء السفن؛ فبدأ في سنة 87 أو 88 هـ= 706 أو 707 م ببناء الموانئ الضخمة التي يبنى فيها السفن، وإن كان هذا الأمر ربما يطول أمده إلا أنه بدأه بهمة عالية وإرادة صلبة؛ فبنى أكثر من ميناء في الشمال الإفريقي...

ثانيا: تعليم البربر الإسلام
عمد موسى بن نصير إلى تعليم البربر الإسلام في مجالس خاصة لهم كالدورات المكثّفة تمامًا، حتى إنه بدأ في تكوين جيش الإسلام منهم، وهذا الصنيع من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن نجده عند غير المسلمين؛ فلم توجد دولة محاربة أو فاتحة غير الدول الإسلامية تُغيّر من طبائع الناس وحبّهم وولائهم الذي كانوا عليه، حتى يصبحوا هم المدافعين عن دين هذه الدولة المحاربة أو الفاتحة، فهذا أمر عجيب حقًا، ولا يتكرر إلا مع المسلمين وحدهم، فقد ظلّت فرنسا - على سبيل المثال - في الجزائر مائة وثلاثين عامًا ثم خرجت جيوشها بينما ظلّ الجزائريون كما كانوا على الإسلام لم يتغيروا، بل زاد حماسهم له وزادت صحوتهم الإسلامية...
علّم مُوسَى بن نُصَير البربر الإسلام عقيدةً وعملًا، وغرس فيهم حبّ الجهاد وبذل النفس والنفيس لله سبحانه وتعالى، فكان أن صار جُلّ الجيش الإسلامي وعماده من البربر

ثالثا: تولية طارق بن زياد على الجيش
القائد هو قبلة الجيش وعموده، بهذا الفَهْم ولّى مُوسَى بن نُصَير على قيادة جيشه المتجه إلى فتح بلاد الأندلس القائد البربري المحنّك طارق بن زياد (50 - 102 ه، 670 - 720 م ) ذلك القائد الذي جمع بين التقوى والورع والكفاءة الحربية وحبّ الجهاد والرغبة في الاستشهاد في سبيل الله، ورغم أنه كان من البربر وليس من العرب إلا أن مُوسَى بن نُصَير قدّمه على غيره من العرب، وكان ذلك لعدة أسباب منها:
1- الكفاءة:
لم يمنع كون طارق بن زياد غير عربي أن يولّيه مُوسَى بن نُصَير على قيادة الجيش؛ فهو يعلم أنه ليس لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر فضل إلا بالتقوى، فقد وجد فيه الفضل على غيره والكفاءة في القيام بهذه المهمة على أكمل وجه، وقد ذكرنا بعضًا من صفاته قبل قليل، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن دعوة الإسلام ليست دعوة قبلية أو عنصرية تدعو إلى التعصب وتفضل عنصرًا أو طائفةً على طائفة؛ إنما هي دعوة للعالمين: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ] {الأنبياء:107}.
2- قدرته على فَهم وقيادة قومه:
إضافة إلى الكفاءة التي تميّز بها طارقبن زياد كان كونه من البربر أدعى للقضاء على أيٍ من العوامل النفسية التي قد تختلج في نفوس البربريين الذين دخلوا الإسلام حديثًا، ومن ثَمّ يستطيع قيادة البربر جميعًا وتطويعهم للهدف الذي يصبو إليه، ثُمّ ولكونه بربريًا فهو قادر على فهم لغة قومه؛ إذ ليس كل البربر يتقنون الحديث بالعربية، وكان طارق بن زياد يجيد اللغتين العربية والبربرية بطلاقة، ولهذه الأسباب وغيرها رأى مُوسَى بن نُصَير أنه يصلح لقيادة الجيش فولّاه إياه.

رابعا: فتح جزر البليار وضمها إلى أملاك المسلمين
من أهمّ الوسائل التي قام بها مُوسَى بن نُصَير تمهيدًا لفتح الأندلس وتأمينًا لظهره كما عهدناه، قام بفتح جزر البليار التي ذكرناها سابقًا وضمها إلى أملاك المسلمين، وبهذا يكون قد أمّن ظهره من جهة الشرق، وهذا العمل يدل على حنكته وحكمته وبراعته في التخطيط والقيادة ومع هذا كلّه فقد أُغفل دوره في التاريخ الإسلامي كثيرًا.
استطاع مُوسَى بن نُصَير أن يتغلب على قلّة عدد الجيش من خلال البربر أنفسِهم، كذلك تغلب على العقبة المتمثلة في قلة السفن نسبيًا ببناء موانئ وسفن جديدة، وبقيت أرض الأندلس كما هي أرضًا مجهولة له، وكذلك ظلت مشكلة ميناء "سَبْتَة" قائمة لم تُحلّ بعد، وهي -كما ذكرنا - ميناء حصين جدًا يحكمه النصراني "يُليان"، وقد استنفد موسى بن نصير جهده وطاقته وفعل كل ما في وسعه ولم يجد حلًا لهاتين المشكلتين، وهنا فقط كان لا بدّ للأمر الإلهي والتدبير الرباني أن يتدخل: [إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ]{الحج:38}. [وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى]{الأنفال:17}. وهذا ما حدث بالفعل وتجسّد في فعل "يُليان" صاحب "سَبْتَة" وكان على النحو التالي:
- فكّر "يُليان" جدّيًا في الأمر من حوله، وكيف أن الأرض بدأت تضيق عليه وتتآكل من قِبَل المسلمين الذين يزدادون قوة يومًا بعد يوم، وإلى متى سيظل صامدًا أمامهم إن هم أتوا إليه؟
- كان "يُليان" مع ذلك يحمل الحقد الدفين على لُذريق حاكم الأندلس ذلك الذي قتل غَيْطَشة صاحبه الأول، وقد كان بينهما علاقات طيبة، حتى إن أولاد غيطشة من بعده استنجدوا بيُليان هذا ليساعدهم في حرب لُذريق، ولكن هيهات فلا طاقة لـ ( يُليان ) بـ ( لُذريق ) ولا طاقة لأولاد غيطشة أيضًا به، ومن هنا فكان ثمة عداءٍ متأصلٍ بين صاحب "سَبْتَة" وحاكم الأندلس؛ ومن ثَمّ فإلى أين سيفرّ "يُليان" إن استولى المسلمون على ميناء "سَبْتَة"؟
- الأمر الأخير الذي دار في خلد "يُليان" هو أن أولاد غيطشة القريبين منه كان لهم من الضياع الضخمة في الأندلس الكثير والتي صادرها وأخذها منهم لُذريق قاتل أبيهم، وكان "يُليان" يريد أن يستردّها لهم، وكان "لُذريق" أيضًا قد فرض على شعبه الضرائب الباهظة وأذاقهم الأمرّين؛ فعاشوا في فقر وبؤس شديد بينما هو في النعيم والمُلك يتصرف فيه كما يحلو له؛ ومن هنا كان شعبه يكرهه ويتمنى الخلاص منه.
ومن تدبير ربّ العالمين أن اختمرت هذه الأفكار جيدًا في عقل "يُليان" - ومُوسَى بن نُصَير آنذاك كان قد استنفد جهده وتحيّر في أمره - وإذا بيُليان يُرسل إلى طارق بن زياد والي طنجة (على بعد عدة كيلو مترات من ميناء "سَبْتَة") برسل من قِبَله يعرض عليه عرضًا للتفاوض، أما تدبير العناية الإلهية والمفاجأة الحقيقية فكانت في بنود هذا العرض وهذا الطلب العجيب الذي نصّ على ما يلي:
1- نسلّمُك ميناء "سَبْتَة". وكانت تلك معضلة حار المسلمون أعوامًا في الاهتداء إلى حلٍ لها؛ حيث كانت فوق مقدرتهم.
2- نَمدُّك ببعض السفن التي تساعدك في عبور المضيق - والذي سُمي بعد ذلك بمضيق جبل طارق - إلى الأندلس. وكأنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يقول: سأتمّ ما لم يستطع المسلمون إتمامه ووقفتْ عنده قدراتُهم، حتى ولو كان ذلك من قِبَل أعدائهم، وقد علمنا مدى احتياج مُوسَى بن نُصَير لهذه السفن.
3- نمدُّك بالمعلومات الكافية عن أرض الأندلس.
أما المقابل فهو: ضيعات وأملاك غَيْطَشَة التي صادرها لُذريق. وكان لغَيْطَشَة ثلاث آلاف ضيعة (ضيعة تعني عقَارُ وأرضٌ مُغِلَّةُ)، وكانت ملكًا لأولاده من بعده، فأخذها منهم لُذريق وصادرها.
ما أجمل العرض وأحسن الطلب:
وبهذا العرض فقد أراد "يُليان" صاحب "سَبْتَة" أن يتنازل للمسلمين عن "سَبْتَة" ويساعدهم في الوصول إلى الأندلس، ثم حين يحكمها المسلمون يسمع "يُليان" ويطيع، على أن يردّ المسلمون بعد ذلك ضيعات وأملاك غَيْطَشَة، فما أجمل العرض وما أحسن الطلب! وما أعظم السلعة وما أهون الثمن!
إن المسلمين لم يفكروا يومًا في مغنم أو ثروة أو مالٍ حال فتوحاتهم البلاد، ولم يرغبوا يومًا في دنيا يملكها "غيطشة" أو "يُليان" أو "لُذريق" أوغيرهم، فقد كان هدفهم تعليم الناس الإسلام وتعبيدهم لربِّ العباد سبحانه وتعالى، فإذا دخل الناس في الإسلام كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، بل لو لم يدخلوا في الإسلام وأرادوا دفع الجزية فحينئذٍ يُترك لهم كل ما يملكون، وسنتحدث عن الجزية في الإسلام بعد قليل.
ومن هنا كان الثمن هينًا جدًا والعرض غاية الآمال، فبعث طارق بن زياد إلى "مُوسَى بن نُصَير" وكان في القيروان عاصمة الشمال الإفريقي آنذاك (وهي في تونس الآن) يخبره هذا الخبر، فسُرَّ سرورًا عظيمًا، ثم بعث "مُوسَى بن نُصَير" بدوره إلى الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك" يطلعه أيضًا الخبر ويستأذنه في فتح الأندلس.
وهنا أذن له "الوليد بن عبد الملك" إلا أنه شرط عليه شرطًا كان قد فكّر فيه قبل ذلك "مُوسَى بن نُصَير" نفسُه، وهو: ألا تدخل بلاد الأندلس حتى تختبرها بسرية من المسلمين، فما يدريك أن المعلومات التي سيقدّمها لك "يُليان" عن الأندلس ستكون صحيحة؟ ومن يضمن لك ألا يخون "يُليان" عهده معك أو يتفق من ورائك مع لُذريق أو مع غيره؟

سَرِيّةُ طَرِيف بن مَالِك أول سَرِيّةٍ للمسلمين إلى الأندلس

جهّز موسى بن نصير بالفعل سريةً من خمسمائة رجل وجعل على رأسهم طَريف بن مالك- أو ملوك كما جاء في روايات أخرى -وكان طريف أيضا من البربر كما كان القائد طارق بن زياد، وهذه مزيّة تفرد بها الإسلام كما ذكرتُ، خاصّة وأن طريف من البربر حديثي العهد بالإسلام وهو الآن وبعد أن كان يحارب الإسلام صار قائدًا مدافعًا عن الإسلام وينشره في ربوع الأرض، سار طريف بن مالك من المغرب على رأس خمسمائة من المسلمين صوب الأندلس، وقد وصلها في رمضان سنة 91 هـ= يوليو 710 م، وقام بمهمته على أكمل وجه في دراسته لمنطقة الأندلس الجنوبية والتي سينزل بها الجيش الإسلامي بعد ذلك، * وعرفت هذه الجزيرة فيما بعد باسم هذا القائد فسُميّت جزيرة طريف ثم عاد بعد انتهائه منها إلى مُوسَى بن نُصَير وشرح له ما رآه، وفي أناةٍ شديدةٍ وعملٍ دءوبٍ ظلَّ مُوسَى بن نُصَير بعد عودة "طريف بن مالك" عامًا كاملًا يجهّز الجيش ويعدّ العدّة، حتى جهّزَ في هذه السنة سبعةَ آلافِ مقاتلٍ، وبدأ بهم الفتح الإسلامي للأندلس رغم الأعداد الضخمة لقواتِ النصارى هناك.

الصدام الأول وبدايات الفتح الإسلامي للأندلس

في شعبان من سنة 92 هـ= يونية 711 م تحرّك هذا الجيش المكون من سبعة آلاف فقط من جنود الإسلام، وعلى رأسه القائد طارق بن زياد...
يقول ابن الكردبوس: "وكان موسى بن نصير حين أنفذ طارقًا مكبًّا على الدعاء والبكاء والتضرّع لله تعالى والابتهال إليه في أن ينصر جيش المسلمين..."
تحرّك هذا الجيش وعبر مضيق جبل طارق، والذي ما سُمّي بهذا الاسم (مضيق جبل طارق) إلا في هذا الوقت؛ وذلك لأن طارق بن زياد حين عبر المضيق نزل عند هذا الجبل، وقد ظلّ إلى الآن حتى في اللغة الإسبانية يسمى جبل طارق ومضيق جبل طارق، ومن جبل طارق انتقل طارق بن زياد إلى منطقة واسعة تسمى الجزيرة الخضراء، وهناك قابل الجيش الجنوبي للأندلس، وهو حامية جيش النصارى في هذه المنطقة فلم تكن قوة كبيرة، وكعادة الفاتحين المسلمين فقد عرض طارق بن زياد عليهم: الدخول في الإسلام ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ويتركهم وأملاكهم، أو يدفعون الجزية ويترك لهم أيضا ما في أيديهم، أو القتال، ولا يؤخرهم إلا ثلاث، لكن تلك الحامية أخذتها العزة وأبت إلا القتال، فكانت الحرب سجالًا بين الفريقين حتى انتصر عليهم طارق بن زياد، فأرسل زعيم تلك الحامية وكان اسمه ( تُدْمير ) رسالة عاجلة إلى لُذْرِيق وكان في طُلَيْطِلَة عاصمة الأندلس، يقول له فيها: أدركنا يا لُذريق؛ فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء؟!
حقًا فهم أناس غرباء، فقد كان من المعروف عندهم أن الفاتح أو المحتلّ لبلد آخر إنما تقتصر مهمته على السلب والنهب لخيرات البلد، والذبح والقتل في كثير من الأحيان، أما أن يجدوا أناسًا يعرضون عليهم الدخول في دينهم ويتركون لهم كل شيء، أو أن يدفعوا لهم الجزية ويتركون لهم أيضا كل شيء بل ويحمونهم من الأعداء، فهذا ما لم يعهدوه من قبل في حياتهم بل ولا في تاريخهم كله، وفضلًا عن هذا فقد كانوا في قتالهم من المهرة الأكفّاء، وفي ليلهم من الرهبان المصلين، وقد أبدى قائد تلك الحميّة دهشته وعجبه الشديد من أمر هؤلاء المسلمين وتساءل في رسالته إلى لُذريق عن شأنهم: أهُم من أهل الأرض، أم هم من أهل السماء؟! وصدق وهو كذوب؛ فهم من جند الله ومن حزبه [أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ]{المجادلة:22}.

موقعة وادي بَرْبَاط ( 92 هـ= 711 م ) وفتح الأندلس

حين وصلت رسالة قائد الحامية إلى لذريق وقعت عليه كالصاعقة وجن جنونه، وفي غرور وصلف جمّع جيشًا قوامه مائة ألف من الفرسان، وجاء بهم من الشمال إلى الجنوب يقصد جيش المسلمين، كان طارق بن زياد في سبعة آلاف فقط من المسلمين جلهم من الرّجّالة وعدد محدود جدًا من الخيل، فلما أبصر أمرَ لُذريق وجد صعوبة بالغة في هذا القياس، سبعة آلاف أمام مائة ألف، فأرسل إلى موسى بن نصير يطلب منه المدد، فبعث إليه طريف بن مالك على رأس خمسة آلاف آخرين رجّالة أيضًا...
وصل طريف بن مالك إلى طارق بن زياد وأصبح عدد الجيش الإسلامي اثنى عشر ألف مقاتل، وبدأ طارق بن زياد يستعد للمعركة، فكان أول ما صنع أن بحث عن أرض تصلح للقتال حتى وجد منطقة تُسمّى في التاريخ "وادي بَرْبَاط"، وتسمى في بعض المصادر "وادي لُقّة" أو "لِقة" بالكسر، وتسميها بعض المصادر أيضا "وادي لُكّة"، وكان لاختيار طارق بن زياد لهذا المكان أبعاد استراتيجية وعسكرية عظيمة، فقد كان مِن خلفه وعن يمينه جبل شاهق، وبه حمى ظهره وميمنته فلا يستطيع أحد أن يلتفّ حوله، وكان في ميسرته أيضا بحيرة عظيمة فهي ناحية آمنة تمامًا، ثم وضع على المدخل الجنوبي لهذا الوادي (أي في ظهره) فرقة قوية بقيادة طريف بن مالك؛ حتى لا يباغت أحد ظهر المسلمين، ومن ثم يستطيع أن يستدرج قوات النصارى من الناحية الأمامية إلى هذه المنطقة، ولا يستطيع أحد أن يلتفّ من حوله...

ومن بعيد جاء لُذريق في أبهى زينة، يلبس التاج الذهبي والثياب الموشاة بالذهب، وقد جلس على سرير محلّى بالذهب يجرّه بغلان، فهو لم يستطع أن يتخلى عن دنياه حتى وهو في لحظات الحروب والقتال، وقدم على رأس مائة ألف من الفرسان، وجاء معه بحبالٍ محمّلةٍ على بغالٍ!! ولا تتعجب كثيرًا إذا علمت أنه أتى بهذا الحبال ليقيّد بها أيدي المسلمين وأرجلهم بعد هزيمتهم المحققة في زعمه ثم يأخذهم عبيدًا، وهكذا في صلف وغرور ظن أنه حسم المعركة لصالحه؛ ففي منطقه وبقياسه أنّ اثني عشر ألفًا يحتاجون إلى الشفقة والرحمة، وهم أمام مائة ألف من أصحاب الأرض ومصدر الإمداد.
وفي 28 من شهر رمضان سنة 92 هـ= 19 يوليو سنة 711 م يتم اللقاء في "وادي بَرْبَاط"، وتدور معركة هي من أشرس المعارك في تاريخ المسلمين، وإن الناظر العادي إلى طرفي المعركة ليدخل في قلبه الشفقة حقًا على المسلمين الذين لا يتعدى عددهم الاثني عشر ألفًا وهم يواجهون مائة ألف كاملة، فبمنطق العقل كيف يقاتلون فضلًا عن أن يَغلبوا؟!
رغم المفارقة الواضحة جدًا بين الفريقين إلا أن الناظر المحلل يرى أن الشفقة كل الشفقة على المائة ألف، فالطرفان [خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ]{الحج:19}وشتان بين الخصمين، شتان بين فريق خرج طائعًا مختارًا، راغبًا في الجهاد، وبين فريق خرج مُكرهًا مضطرًا مجبورًا على القتال، شتان بين فريق خرج مستعدًا للاستشهاد، مسترخصا الحياة من أجل عقيدته، وبين فريق أسمى أمانيه العودة إلى الأهل والمال والولد، شتان بين فريق يقف فيه الجميع صفًا واحدًا كصفوف الصلاة، الغني بجوار الفقير، والحاكم بجوار المحكوم، وبين فريق يمتلك فيه الناس بعضهم بعضًا ويستعبد بعضهم بعضًا هذا جيش توزع عليه أربعة أخماس الغنائم بعد الانتصار، وذاك جيش لا ينال شيئًا، وإنما يذهب كله إلى الحاكم المتسلط المغرور وكأنما حارب وحده، هذا فريق ينصره الله ويؤيده ربه خالق الكون ومالك الملك سبحانه وتعالى، وذاك فريق يحارب الله ربه ويتطاول على قانونه وعلى شرعه سبحانه وتعالى، وبإيجاز فهذا فريق الآخرة وذاك فريق الدنيا، فعلى من تكون الشفقة إذن؟! على من تكون الشفقة وقد قال سبحانه وتعالى: [كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ]{المجادلة:21}. على من تكون الشفقة وقد قال سبحانه وتعالى: [وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا]{النساء:141}. فالمعركة إذن باتت وكأنها محسومة قبلًا.

وادي بَرْبَاط وشهر رمضان

هكذا وفي شهر رمضان بدأت معركة وادي بَرْبَاط الغير متكافئة ظاهريًا والمحسومة بالمنطق الرباني، بدأت في شهر الصيام والقرآن، الشهر الذي ارتبط اسمه بالمعارك والفتوحات والانتصارات، ولكن وللأسف تحوّل هذا الشهر الآن إلى سباقٍ مع الزمن لإنتاج أحدث المسلسلات والأفلام وغيرها، تحوّل إلى نوم بالنهار وسهر بالليل لا للقرآن أو للقيام، ولكن لمتابعة أو ملاحقة المعروضات الجديدة على الفضائيات وغير الفضائيات، تحول إلى شهر المراوغة من العمل، وقد كان المسلمون ينتظرونه للقيام بأشق الأعمال وأكدّها، تحول إلى شهر الضيق وافتعال المضايقات، وهو شهر الصبر والجهاد وتهذيب للنفس، ففي هذا الشهر الكريم وقبل العيد بيوم أو يومين - وهكذا كانت أعياد المسلمين - وعلى مدى ثمانية أيام متصلة دارت رحى الحرب، وبدأ القتال الضاري الشرس بين المسلمين والنصارى، أمواج من النصارى تنهمر على المسلمين، والمسلمون صابرون صامدون
[رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً] {الأحزاب:23}.
وعلى هذا الحال ظلّ الوضع طيلة ثمانية أيام متصلة انتهت بنصر مؤزّر للمسلمين بعد أن علم الله صبرهم وصدق إيمانهم، وقُتل لُذريق وفي رواية أنه فرّ إلى الشمال، لكنه اختفى ذكره إلى الأبد، وقد تمخّضَ عن هذه المعركة عدّة نتائج كان أهمها:
1- طوت الأندلس صفحة من صفحات الظلم والجهل والاستبداد، وبدأت صفحة جديدة من صفحات الرقيّ والتحضرِ من تاريخ الفتح الإسلامي.
2- غنم المسلمون غنائم عظيمة كان أهمها الخيول، فأصبحوا خيّالة بعد أن كانوا رجّالة.
3- بدأ المسلمون المعركة وعددهم اثنا عشر ألفا، وانتهت المعركة وعددهم تسعة آلاف، فكانت الحصيلة ثلاثة آلاف من الشهداء رَوَواْ بدمائهم الغالية أرض الأندلس، فأوصلوا هذا الدين إلى الناس، فجزاهم الله عن الإسلام خيرًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن الأبار : التكملة لكتاب الصلة ، ط 1 ، تحقيق : ابراهيم الابياري ، دار الكتاب المصري اللبناني 1989 م 
البكري : المسالك والممالك، (الجزء الخاص بالأندلس وأوروبا)، تحقيق: عبد الرحمن الحجي، (بيروت، دار الإرشاد، ط1، 1968م). 
ابن خلدون: المقدمة ، تحقيق حامد احمد الطاهر ط1، دار الفجر ، القاهرة 2004
- ابن عذاري : البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب". تحقيق : إحسان عباس ، ج4 ، دار الثقافة بيروت ، 1983م .
مجهول : ذكر بلاد الأندلس ، تحقيق لويس مولينا ، المجلس الأعلى للأبحاث العلمية ، مدريد ، 1983م
 
 

0 التعليقات:

أرسل أسئلتك في رسالة الآن هنا

http://abdenour-hadji.blogspot.com/

قناتي على اليوتوب

أعلن معنا... إعلانات الآن هنا ...


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More