يكتب التاريخ صفحات صانعيه مثلما يكتب أيضا صفحات خاذليه، هذه هي القاعدة الأولى المتعامل بها في ذاكرة الشعوب التي تعطي
لماضيها حقه فتكرس به هويتها وشخصيتها الجماعية، ثم تستحضر منه الفخر والاعتزاز ليس فقط بالأسماء لكن بالقيم التي تحملها، قبل أن تمضي وتترك "شفرتها" لجيل بعده جيل، فيبحث بدوره ويمحص وينقد ليستخلص النتائج ومعها العبر....
في أحضان جرجرة، بعرش عمراوة السفلى على حافة وادي عمراوة، الذي يحمل اليوم تسمية وادي سيباو، تتربع قرية "تالة" مقر في صدر جبل أفحام بعينه الدافئة، تحتضن صفحات "ثورية" من تاريخ الجزائر الذي لطالما دوى به سجل العالم كـ"مرجعية" لتحرر الشعوب، ولم تخذل تالة مقر التاريخ فسجلت نفسها منذ "الوميض" الأول للحركة الوطنية وقدمت أبناءها في أولى المعارك ضد الاستعمار الفرنسي بداية من تلك التي دارت في ضواحي ذراع بن خدة، التي كانت تسمى في ذلك الوقت "سوق السبت" أو "سبت الخوجة" نسبة إلى علي الخوجة، الذي تولى حكم الأتراك في المنطقة بعد تشييده لبرج سيباو سنة 1710 وأصبحت حصن الأتراك في المنطقة، ويعد هو المؤسس الفعلي لنفوذ الأتراك في منطقة القبائل، ولعل أبرز إنجازاته، إنهاء نفوذ أسرة بختوش التي تعد امتدادا لإمارة آل القاضي الشهيرة بمنطقة الزواوة إثر انتصاره على حند واعلي أوبختوش أيضا في ذراع بن خدة. وحسبما هو مدون في التاريخ، فقد ظل حوض وادي سيباو غير آهل بالسكان تستغله الأعراش المحيطة به كآث جناد وآث واقنون وآث يراثن وباقي قبائل عمراوة، وتفيد عديد المعطيات الواقعية بأن تالة مقر لم تخل من السكان منذ قرون بدليل تواجد عدد كبير من المقابر القديمة فيها وأيضا استنادا إلى الأسماء التي أطلقت على بعض المناطق والتي تشير إلى أسماء مرابطين من قبيل سيدي شعيب، سيدي سليمان وسيدي يحيى، الذي يعتقد أنه الولي الصالح الذي حدثت من أجله خلافات بين سكان المنطقة العليا بتالة مقر "شريط" نسبة إلى عائلة شريط ـ حسب إحدى الروايات ـ وسكان تالة مقر المحاذين للعين، حين ألح كل فريق على دفنه في مسجده، وفي آخر المطاف تذكر الرواية الأقرب ما تكون إلى الأسطورة أنهم وجدوا الولي الصالح في كلا المسجدين وقام كل فريق بدفنه بناحيته وانتهى بذلك النزاع. وتشير آثار الروايات إلى مقبرة في نواحي تالة نجلا (الجهة الغربية للقرية) تسمى بوفاطمين وكانت هناك أخرى في سيدي شعيب ويرجح أن ناحية سيدي شعيب كانت مأهولة بل وتذكر بعض الشهادات الناقلة أنها كانت تجمع أقرب ما تكون لقرية (سكان مقهى..)، وأيضا في الخلوة، وتيمضلين (يعني المدفن بالقبائلية)، كما ارتبطت أسماء عدة بمكان في تالة مقر بالأعين المتواجدة بها، أو بأصحابها فمثلا نذكر تالة نجلاّ، ثالة تسكرين (عين الحجل)، ثالة أوعَمَّر (عين للملء)، تسمية "برنوسة واعلي" (والد أرزقي بن علي أوراجح) أو "زبوج عمر" منسوبة إلى صاحبيها من دار "أوراجح وبستاني". وظلت بعض الشهادات الناقلة تؤكد أنه عندما كان الناس يحفرون في بدايات القرن 20 وجدوا القرميد وآجر طيني، وكانت هذه مقبرة في مكان فوق المقبرة الحالية (سيدي سليمان) تدعى "الخلوة" وتعد هذه الأخيرة مقبرة العائلات الأولى بستاني ووانوغي ودار عثمان. وباستثناء مقبرة سيدي شعيب التي تروي فيها الشهادات الناقلة عن وباء قاتل مر بالمنطقة أتى على العديد من سكانها، فإن باقي المقابر يجهل حقيقتها ما إذا كانت مقابر عادية بمعنى طبيعية لموتى الذين استقروا بالمنطقة أم أنها نتيجة معارك مع الجيش الفرنسي عند دخوله كون المعروف أن معركة تاورقة 1871 كانت آخر حلقات المقاومة الشعبية المسلحة بالمنطقة، أو حتى مع الأتراك كون المنطقة كانت تفصل بين عروش القبائل وقبائل الزواف الموالية للأتراك وكذا على مقربة من برج سيباو العسكري الذي يتحصن به الأتراك.
في إحدى المرات قدم إليه "الشانبيط" من قرية زيمولا (يقال إنه كان مناضلا حقيقيا ومات في السجن) رفقة القايد أوصديق (ابحباح) الكائن مقره في ليتاما وأصله من ميشلي (عين الحمام)، في نهاية السنة، لينجز لهم التقرير السنوي كونه يتمتع بخط وتعبير لا تجده حتى عند الفرنسيين أنفسهم.. وعندما قرأ المسؤول الإداري بتيقزيرت (البلدية المختلطة بميزرانة) التقرير الذي أرسله قايد دوار سيدي نعمان، انبهر وسأل القايد: "أنت من كتب الرسالة؟" وأجابه :"لا سيدي"، .."إذن الشانبيط (الحارس البلدي)؟ " وأجابه الآخر إنه ليس هو أيضا فأخبراه بأن هناك شخصا معاقا من كتب هذه التقارير، فقام الإداري بزيارة تالة مقر وطلب رؤية اعمر بن علي حداد، فوضعوه على ظهر بغل وأحضروه إلى مقهى وسط القرية (مقهى دار الواضح)، لم يصدق الإداري لما رآه، وقال له "إذن ستعمل معي في تيقزيرت وسأمنحك فيلا ومكتب وسأكلف من يجلبك بسيارة إلى العمل ويعيدك إلى البيت"، لكن الرجل كان مفعما بالوطنية وأجابه رافضا العرض "لا، لا أستطيع"، وقام الإداري بعدها بتخصيص معاش "رمزيا" له احتراما لكفاءته.
لماضيها حقه فتكرس به هويتها وشخصيتها الجماعية، ثم تستحضر منه الفخر والاعتزاز ليس فقط بالأسماء لكن بالقيم التي تحملها، قبل أن تمضي وتترك "شفرتها" لجيل بعده جيل، فيبحث بدوره ويمحص وينقد ليستخلص النتائج ومعها العبر....
في أحضان جرجرة، بعرش عمراوة السفلى على حافة وادي عمراوة، الذي يحمل اليوم تسمية وادي سيباو، تتربع قرية "تالة" مقر في صدر جبل أفحام بعينه الدافئة، تحتضن صفحات "ثورية" من تاريخ الجزائر الذي لطالما دوى به سجل العالم كـ"مرجعية" لتحرر الشعوب، ولم تخذل تالة مقر التاريخ فسجلت نفسها منذ "الوميض" الأول للحركة الوطنية وقدمت أبناءها في أولى المعارك ضد الاستعمار الفرنسي بداية من تلك التي دارت في ضواحي ذراع بن خدة، التي كانت تسمى في ذلك الوقت "سوق السبت" أو "سبت الخوجة" نسبة إلى علي الخوجة، الذي تولى حكم الأتراك في المنطقة بعد تشييده لبرج سيباو سنة 1710 وأصبحت حصن الأتراك في المنطقة، ويعد هو المؤسس الفعلي لنفوذ الأتراك في منطقة القبائل، ولعل أبرز إنجازاته، إنهاء نفوذ أسرة بختوش التي تعد امتدادا لإمارة آل القاضي الشهيرة بمنطقة الزواوة إثر انتصاره على حند واعلي أوبختوش أيضا في ذراع بن خدة. وحسبما هو مدون في التاريخ، فقد ظل حوض وادي سيباو غير آهل بالسكان تستغله الأعراش المحيطة به كآث جناد وآث واقنون وآث يراثن وباقي قبائل عمراوة، وتفيد عديد المعطيات الواقعية بأن تالة مقر لم تخل من السكان منذ قرون بدليل تواجد عدد كبير من المقابر القديمة فيها وأيضا استنادا إلى الأسماء التي أطلقت على بعض المناطق والتي تشير إلى أسماء مرابطين من قبيل سيدي شعيب، سيدي سليمان وسيدي يحيى، الذي يعتقد أنه الولي الصالح الذي حدثت من أجله خلافات بين سكان المنطقة العليا بتالة مقر "شريط" نسبة إلى عائلة شريط ـ حسب إحدى الروايات ـ وسكان تالة مقر المحاذين للعين، حين ألح كل فريق على دفنه في مسجده، وفي آخر المطاف تذكر الرواية الأقرب ما تكون إلى الأسطورة أنهم وجدوا الولي الصالح في كلا المسجدين وقام كل فريق بدفنه بناحيته وانتهى بذلك النزاع. وتشير آثار الروايات إلى مقبرة في نواحي تالة نجلا (الجهة الغربية للقرية) تسمى بوفاطمين وكانت هناك أخرى في سيدي شعيب ويرجح أن ناحية سيدي شعيب كانت مأهولة بل وتذكر بعض الشهادات الناقلة أنها كانت تجمع أقرب ما تكون لقرية (سكان مقهى..)، وأيضا في الخلوة، وتيمضلين (يعني المدفن بالقبائلية)، كما ارتبطت أسماء عدة بمكان في تالة مقر بالأعين المتواجدة بها، أو بأصحابها فمثلا نذكر تالة نجلاّ، ثالة تسكرين (عين الحجل)، ثالة أوعَمَّر (عين للملء)، تسمية "برنوسة واعلي" (والد أرزقي بن علي أوراجح) أو "زبوج عمر" منسوبة إلى صاحبيها من دار "أوراجح وبستاني". وظلت بعض الشهادات الناقلة تؤكد أنه عندما كان الناس يحفرون في بدايات القرن 20 وجدوا القرميد وآجر طيني، وكانت هذه مقبرة في مكان فوق المقبرة الحالية (سيدي سليمان) تدعى "الخلوة" وتعد هذه الأخيرة مقبرة العائلات الأولى بستاني ووانوغي ودار عثمان. وباستثناء مقبرة سيدي شعيب التي تروي فيها الشهادات الناقلة عن وباء قاتل مر بالمنطقة أتى على العديد من سكانها، فإن باقي المقابر يجهل حقيقتها ما إذا كانت مقابر عادية بمعنى طبيعية لموتى الذين استقروا بالمنطقة أم أنها نتيجة معارك مع الجيش الفرنسي عند دخوله كون المعروف أن معركة تاورقة 1871 كانت آخر حلقات المقاومة الشعبية المسلحة بالمنطقة، أو حتى مع الأتراك كون المنطقة كانت تفصل بين عروش القبائل وقبائل الزواف الموالية للأتراك وكذا على مقربة من برج سيباو العسكري الذي يتحصن به الأتراك.
سكان تالة مقر.. "توليفة" تكاملية
الظاهر من خلال الروايات السائدة حول أصول السكان وانتسابهم وهجراتهم أنهم قدموا من جهات مختلفة وأصول متباينة، وأن القرية عرفت مرور تحولات ديمغرافية وعدم استقرار في السكان لأسباب لا تنفصل عن تاريخ المنطقة وموقعها الحساس كونها تطل على الشريط الاستراتيجي للسهول الفيضية لوادي عمراوة الخصب وكذا على الخط الحدودي الفاصل بين المناطق التي تحصنت بها القبائل آخرها كنفدرالية عروش القبائل البحرية التي تضم عرش آث واقنون، عرش آث جناد وعرش إفليسن البحر (قراصنة البحر) والتي كونت جبهة صد ضد "دويلات المغرب الأوسط" (الموحدين والمرابطين) ثم ضد الأتراك وأخيرا ضد الاستعمار الفرنسي. واستنادا إلى أصول العائلات الأولى من الحقبة الأخيرة، فإن السكان الذين استقروا بالمنطقة من عائلات كراغلة أو مرابطين نظرا لسيطرة الأتراك على المنطقة، علما أن تالة مقر لا تبعد عن برج سيباو العسكري الذي أسسه علي خوجة في 1710 سوى بحوالي 7 كيلومترات على الأكثر، كما أنها متصلة بقرية بورديم إحدى أقدم قرى القبائل السفلى، حيث تتواجد "بوابة الزواف" التي تنفذ منها قبائل الزواف (المخزن) المتعاونة مع الأتراك لجمع الضرائب من قرى ومداشر القبائل المتخذة قمم الجبال والتلال للاستقرار بها، وتسمى هذه البوابة اليوم ببوابة أعفير، كونها الطريق الذي يتخذها المسافر على الأحصنة نحو بلدة أعفير المتواجدة على طريق دلس مرورا بعين الأربعاء ثم امخلاف (مفترق الطرق). وبعد معركة تاورقة الشهيرة سنة 1871، حيث شارك عدد كبير من سكان المنطقة تحت راية الجهاد ضد الفرنسيين بعدما نقل النساء والأطفال والعجزة من معظم مدائر القبائل السفلى (المنخفضة) إلى الأربعاء ناث إيراثن، أعيد تشكيل الخارطة الديمغرافية بتالة مقر التي كان بها عدد محدود من العائلات تحسب على أصابع اليد. وتذكر المراجع التاريخية حول هذه الفترة، أن أهل المنطقة شاركوا مشاركة فعالة ونجح مجاهدو آث واقنون وبني ثور وبني سليـم، فـي محاصرة المركز العسكري الفرنسي بالمدينة لمدة شهر (17 أفريل ـ 18 ماي)، ولم يفك الفرنسـيون الحصار إلا بعد وصول إمـدادات من مدينة الجزائر بقيادة اللواء"لالمان" Lallemand، ورغم انتصار الفرنسيين فقد ظلت ذروة المقاومة متأججة في شكل تمرد قاده الشيخ محند أمزيان منصور (من بوخالفة، عرش عمراوة)، إلى أن استشهد بناحية دلس يوم 17 ماي 1877م، علما أن سكان هذه المنطقة قد تعرضوا لمصادرة أراضيهم عقب الثورة المذكورة. وحسب تاسعديث حداد زوجة اعمر أومسعود، من مواليد حوالي 1863 بقرية إحدادن بإفليسن البحرية (توفيت في 1947) وابنها الأكبر أكلي أومسعود مولود في 1882 بتالة مقر (توفي في 1917)، والتي نقل حفيدها اعمر أومسعود عنها قولها إنها تتذكر "لما كان في عمرها حوالي 8 سنوات إلى 10 سنوات أنها شهدت ثورة 1971 ضد فرنسا، حيث نقل الشيوخ، النساء والأطفال وغير القادرين على القتال إلى الأربعاء ناث إيراثن، وكانت هي ضمنهم، أما الرجال القادرين على حمل السلاح والقتال فاتجهوا إلى تاورقة للجهاد". وكان أولى القادمين الجدد من عرش إفليسن البحرية وقبيلة آث سعيد بآث واقنون لقربها من المنطقة وذلك عن طريق علاقة المصاهرة أو شراء الأراضي التي كانت معظمها تملكها عائلات بستاني وأوراجح (عائلة واحدة)، خليل، وانوغي وبن عثمان، ناصر باي (يرجح منهم الأصول التركية أو الكراغلة في أغلب الظن)، مزاري، ساحلي (مرابطين) ثم عرفت في المرحلة الثانية وصول عائلات بعضها ممن اشتروا أراضي وعائلات أخرى منحت لها عن طريق المصاهرة والباقي اشتغلت لدى هذه العائلات التي تمتلك شبه إقطاعيات فعمل بعضهم كخماسين قبل أن يتحصلوا على قطع أراضي، وهذه الأخيرة من الأواخر الوافدين إلى القرية مع بداية القرن 20. ومن بين العائلات القادمة إلى تالة مقر بعد ثورة 1871، عائلة شعابني (دار علي علال) من الأصول الأولى في تالة مقر، ويرجح علاقتها بعائلة علال أحد القادة حاملي لواء الجهاد في معركة تاورقة، عائلة مهدي يرجح أنها من الأوائل، عائلة حداد (خمسة أو ستة إخوة) قدموا من إفليسن البحرية، عائلة بوعلي من أبوعليثن (آث سعيد)، عائلة بوغروس كانت تملك قرب المسجد، عائلة نجار من إفليسن منحتهم عائلة بوغروس قطعة أرض قرب العين ليستقروا بها، عائلة مسعودي في حدود 1875 من سمغون، التي تعني بالقبائلية المنبت (آث واقنون)، عائلة لوبشير من عطوش بعد 1880، منهم من حط ببورديم، ومنهم من فضل الاستقرار بتالة مقر، عائلة حداد من جمعة الصهاريج، عائلة أودير جاؤوا من آيت مصباح كفلاحين لدى أحمد فرحات (عائلة بستاني)، عائلة قشطولي من قبيلة إفليسن البرية، إحمادوش (حمداوي) من سمغون عمل لدى أحمد فرحات ثم لدى أحمد أومسعود قبل أن يصاهره (زوَّجهُ ابنته)، عائلة كريم من سمغون (الحاج أعمر كان ثريا)، عائلة واضح (مرابطين) من بني عنان، عائلة قاضي من زاوية سيدي علي موسى (معاتقة) من المرابطين.الوجهة إلى تالة مقر لفض النزاعات
ولم يمض وقت كثير بعد ثورة 1871 حتى أصبحت تالة مقر ذات صيت في المنطقة من حيث سمعتها وعلاقاتها، وكانت في البداية كغيرها من قوى ومداشر المنطقة تعتمد على التنظيم السياسي والإداري المتعارف عليه بمنطقة القبائل، حيث تعتبر القرية الوحدة السياسية المعتمدة، مجلس القرية "ثاجمعت" هو السلطة المحلية المديرة لشؤون العامة، وفي تلك الفترة وخاصة بحلول القرن العشرين أصبحت تالة مقرا تفض النزاعات في المنطقة، حيث كانوا يأتون من عطوش ومن تاورقة وحتى من ميشلي (عين الحمام) ومناطق أخرى بعيدة لطرح مشاكلهم ويتم ذلك في مقهى عائلة "واضح" (عائلة مرابطة). ومن بعض القوانين السائدة في تالة مقر مثلا أن النساء يملكن الحق في الذهاب إلى العين للملء والغسل مرة في الأسبوع وذلك يوم الجمعة صباحا إلى الظهر، وتنصب الحراسة في نقاط محددة من أطراف القرية ولا شخص يملك الحق في الدخول إلى "الدشرة" إلى غاية الظهر، ويتزامن ذلك اليوم مع السوق في تيزي وزو، علما أن القرية في ذلك الوقت لم تكن متجمعة بل كانت منازل متفرقة. أما بخصوص العادات، فقد حافظت كل أسرة على ما ورثته من نسلها تحديدا في الأفراح والأعياد فمن قدم من عرش آث واقنون وإفليسن احتفظوا بعاداتهم ومن قدم من بني ثور وبني سليم أيضا احتفظوا بعاداتهم وهناك من أدمج بعضها مع بعض.عُمر خليل أحد صانعي أرضية "حزب الشعب".. وعمار حداد "حربة" المنظمة الخاصة
ومع بروز النضال المنظم ضد الاستعمار الفرنسي، لم تتأخر تالة مقر في اللحاق بمجريات الأحداث، حيث ركبت الحركة الوطنية من رحمها وشارك عُمر خليل الذي عرف مسقط رأسه وطفولته بالقرية في تحضير الأرضية الأولى لتأسيس حزب الشعب الجزائري سنة 1937 بعدما طلب منه مصالي الحاج، لما كان بفرنسا، النزول إلى الجزائر والمساهمة في تحضير القاعدة النضالية للحزب، حيث كان لهذا الأخير مطعما بالقصبة وكان بمثابة مكتبا سريا للقاءات بين المناضلين وأصبح فيما بعد عضوا مؤثرا في اللجنة المركزية للحزب. ويعد أعمر حداد هو الآخر أحد صقور تالة مقر، حيث انضم مبكرا إلى حزب الشعب الجزائري في صائفة 1943 وبعد عامين من النشاط أصبح عضوا فاعلا وشارك في التحضير للثورة التي كان الحزب قد قرر تفجيرها ليلة 23 فيفري 1945 قبل أن يصل الأمر المضاد، وبعدها بحوالي ثلاثة أشهر شارك أعمر حداد في العملية التي نفذها عناصر حزب الشعب على الباشآغا آيت علي بتيقزيرت ومنذ ذلك الحين أصبح مطلوبا لدى العدالة الفرنسية، كما شارك أيضا في عملية بريد وهران التي أشرف عليها آيت احمد وكان أحد أبرز أبطالها رفقة سويداني بوجمعة كونهما كانا هما من اقتحما المكان وافتكا مبلغ 3.17 مليون فرنك فرنسي قديم، وأصبح يعرف بـالعيون الزرق "زيو بلو"، وتقلد عدة مسؤوليات تنظيمية بالمنطقة قبل أن يتم تسفيره إلى القاهرة رفقة محمد خيضر، ونشط خلال الثورة في التسليح والإمداد مكلفا باللوجيستيك في دائرة العقيد اعمران، وأشرف "الكومندوس" الذي كان مسؤولا على مركز طرابلس في إحدى العمليات على تهريب الذخيرة من قاعدة ويليس الأمريكية بليبيا لمدة سنة كاملة قبل أن يتفطن له الأمريكان، الذين تفاجأوا بالتخطيط والتنفيذ المحكم للعملية في 1958.معاق صدم الإدارة الفرنسية برفضه سخاء "لا يرفض"
وفي مشهد "مشرف" لأحد أبناء تالة مقر، وهو محمد بن اعمر علي حداد، الذي كان معاقا، لكن ما في رأسه كان خارقا للعادة، وكان أيضا مناضلا حقيقيا وجزائريا أصيلا.. يعرف كيف يمشي وكيف يتكلم، مثلما يصفه أحد شاهديه، ويعتبر متمكنا نادرا آنذاك في المستوى الثقافي والدراسي..في إحدى المرات قدم إليه "الشانبيط" من قرية زيمولا (يقال إنه كان مناضلا حقيقيا ومات في السجن) رفقة القايد أوصديق (ابحباح) الكائن مقره في ليتاما وأصله من ميشلي (عين الحمام)، في نهاية السنة، لينجز لهم التقرير السنوي كونه يتمتع بخط وتعبير لا تجده حتى عند الفرنسيين أنفسهم.. وعندما قرأ المسؤول الإداري بتيقزيرت (البلدية المختلطة بميزرانة) التقرير الذي أرسله قايد دوار سيدي نعمان، انبهر وسأل القايد: "أنت من كتب الرسالة؟" وأجابه :"لا سيدي"، .."إذن الشانبيط (الحارس البلدي)؟ " وأجابه الآخر إنه ليس هو أيضا فأخبراه بأن هناك شخصا معاقا من كتب هذه التقارير، فقام الإداري بزيارة تالة مقر وطلب رؤية اعمر بن علي حداد، فوضعوه على ظهر بغل وأحضروه إلى مقهى وسط القرية (مقهى دار الواضح)، لم يصدق الإداري لما رآه، وقال له "إذن ستعمل معي في تيقزيرت وسأمنحك فيلا ومكتب وسأكلف من يجلبك بسيارة إلى العمل ويعيدك إلى البيت"، لكن الرجل كان مفعما بالوطنية وأجابه رافضا العرض "لا، لا أستطيع"، وقام الإداري بعدها بتخصيص معاش "رمزيا" له احتراما لكفاءته.
0 التعليقات:
إرسال تعليق