بحث عن النظرية السلطوية
مقدمة
يعتبر الاتصال بين الناس منذ القدم موضوعا مثيرا بالنسبة للباحثين و مع ذلك فإنه لم يصبح مادة للبحث إلا منذ وقت قليل نسبيا حيث أنهم اجتهدوا في جمع و تنظيم المعلومات و البيانات المتوفرة حوله لتكون مبادئ و أسس و افتراضات نظرية و هي تختلف عما يوصف في بعض التراث الإعلامي و الاتصالي بالنظريات الإعلامية أو المذاهب التي ارتبطت أكثر بنظم حكم معينة و بأساليب إدارة أجهزة الاتصال الجماهيرية
و إن هذه النظريات هي عبارة عن أطر فكرية و فلسفية شخصها بعض النماذج و المدارس التي اختلفت في تصنيف هذه الأنظمة فما هي هذه النظم الإعلامية؟وما هو النظام السلطوي و أساليبه المستعملة و مبادئه؟
الفصل الأول:النظم الإعلامية و مفهوم النظرية السلطوية
المبحث الأول:النظم الإعلامية
إن الإعلام يعكس لنا التركيب الاجتماعي و السياسي كما أنه يعبر عن الافتراضات الأساسية التي يتبناها المجتمع فيما يخص الطبيعة البشرية و علاقة الفرد بالدولة و طبيعة المعرفة و فلسفة السلوك السياسي و عليه فإن النظم الاجتماعية و السياسية خاصة التي تقرر القيم و المعايير التي تخدمها وسائل الإعلام و هي التي تضع الضوابط و أساليب الرقابة و أنواعها التي تخضع لها وسائل الإعلام و هي التي تقرر من الذي يملك هذه الوسائل و من له الحق في استخدامها و لقد اختلف الكثيرون في تصنيف النظم الإعلامية الموجودة في العالم و هذا ما يبرر وجود عدة تصانيف للكثير من الباحثين من بينهم رايت سنة 1959 الذي صنفها إل سوفيتية _صينية_بريطانية_كندية_أمريكية ثم أنظمة الدول الغير صناعية كما أن هناك اجتهاد نيمرواس سنة1964الذي رأى أنه توجد هناك أنظمة إعلامية تخضع لإرادة الدولة و أخرى يديرها العموم و ثالثة يمكن وصفها بالمشاركة العامة و رابعة تدار كمشروع خاص أي ملك للخواص وكانت هناك عدة تصانيف أخرى لكن التصنيف الذي حقق نوعا من الاتفاق هو تصنيف الثلاثي سيبارت و بيتوسون وشرام سنة 1956 الذين قاموا بتصنيف الأنظمة الإعلامية إلى أربعة هي: السلطوية, الليبرالية, الشيوعية,والمسؤولية الاجتماعية.....1.
و كان هذا التصنيف ارتكازا على الأنظمة الاجتماعية و السياسية القائمة في المجتمعات و خاصة بحسب نظام الحكم السائد ليكون المرجع للحكم عل نوع النظام الإعلامي الموجود.
1-الاتصال:مفاهيمه,نظرياته ووسائله الدكتور فضيل دليو دار الفجر للنشر و التوزيع القاهرة ص14
المبحث الثاني:مفهوم النظرية السلطوية
إن المقصود بالنظرية السلطوية في العلم الحديث هي تلك المنظور الذي كان سائدا في أوروبا الغربية بين الفترة الممتدة من 1500إلى1700م و هي الفترة التي تعرف في التاريخ الأوربي بالقرون الوسطى
و تقوم هذه النظرية على ثلاثة ركائز أساسية هي:
_مذهب الحق الإلهي و الذي اعتمد عليه الملوك في الحكم و توارثه خلفاؤهم من بعدهم
_ الكنيسة و التي تزايدت قوتها في العصور الوسطى و اعتبرت نفسها مصدرا للتفويض الإلهي و تمكنت بذلك من السيطرة على الرأي العام و حق التعبير.......1
_التاريخ الطويل للفلسفة السياسية لفكرة التسلطية و التي اعتبرت الركيزة الأساسية لهذا المنظور
و قد اعتبرت هذه النظرية السلطوية في الفكر السياسي على أنها الوعاء الفكري للنظام الإعلامي السلطوي و قد سادت في أوربا في الفترة الممتدة بين القرنين16و17 و هي الفترة التي ظهرت خلالها الصحف و عرفت تطورا و كانت تنظر إلى الفرد بوصفه تابعا للدولة و أمور الحكم و مقاليده تكون في يد الحاكم الذي يستمد قوته و نفوذه من الحق الإلهي و بالتالي له الحق في تنظيم كافة أمور الحياة في الدولة و توجيه أفرادها و مؤسسا تهاو خدمتهم و كانت هذه النظرية ممثلة في العهد العثماني و عهد محمد علي و خلافاته و عهد الاحتلال البريطاني الذي حارب بكل الوسائل الشرعية و غير الشرعية انتشارها و خير دليل على ذلك ما نراه واضح من خلال التحليل التاريخي للصحافة المصرية و ما تعرضت له و غيرها صحيفة الوقائع المصرية حيث أنها لم تكن سوى نشرة حكومية تصدرها السلطة و غيرها من الصحافة الأصلية التي ظهر في عهد إسماعيل و هذا يشير في ضوء هذه النظرية أن وسائل الإعلام و الاتصال كانت مهيمنة لخدمة سياسة الدولة.
المبحث الثالث: طبيعة مجتمع الفرد و الجماعة في المنظور السلطوي
ترى النظرية السلطوية بأن المواطنين عليهم طاعة السلطة و خدمتها و أن السلطة تسبق الفرد في ميزان قيام المجتمع و تقود خلفية هذه النظرية و نظرتها لقدسية الدولة إلى مساهمة العديد من الفلاسفة و المفكرين منهم أفلاطون الذي يرى بأنه لا يمكن لكل الأفراد المساهمة في السلطة و يقول إذا كانت هناك مشاركة بالمثل في الدولة الواحدة فإنها ستعرف التفكك لا محالة و على هذا فإن هناك نخبة داخل المجتمع هي التي تملك السلطة و لها الحق في إقرار القوانين وتنفيذها و إن كانت خاطئة.
بالإضافة إلى أفكار أفلاطون التي تمتد إلى العهد اليوناني فإن أفكار ميكيافليي و هوبس قد أعملت الدعائم النظرية لهذا النظام من حيث إعطاء الأولوية في إطار نظام القيم الاجتماعية إلى السلطة و الدولة و أن الفرد عليه أن يخدم هذه الأخيرة لسلامة النظام و استقراره هذا ما يؤكد ه هيغل في قوله أن الدولة هي روح الأخلاق و أصل القيم و هي المشيئة والعقل.
1- نظريات الإعلام و اتجاهات التأثير الدكتور محمد عبد الحميد جامعة حلوان طبعة 3القاهرة.ص33
يعتبر الفكر السياسي لمكيافيللي المرجع الأساسي لنظرية السلطة فهو يرى أن تأسيس الدولة و تشريع القوانين لا بد أن يكون على افتراض أن كل البشر بطبيعتهم سيئين و أن هؤلاء سيظهرون كما سمحت لهم الفرصة بذلك فإذا كانت استعداداتهم الخفية مكبوتة في زمن ما فإنه لا بد من الاعتقاد بأن الفرصة لم تسمح بذلك و لكن مع الوقت لا يلبث أن يعلن عنها فالرغبة في التسلط أو التملك حقيقة طبيعية مشتركة و الإنسان دائم التسلط متى كان قادرا على ذلك......1
إن هذه الطبيعة الإنسانية الشريرة من جهة أخرى لا تمنع من تحويل هذا الإنسان إلى كائن فيه الصلاح و لكن هذا إلا بتطبيق القوة و الحيلة ومن هذا فإن الدولة بالنسبة لمكيافيللي تعني تنظيم القوة من خلال السلطة أما هوبس فيرى بأن الدولة لا تستطيع أداء مهامها إذا كان الحاكم يتمتع بالسلطة الكاملة غير المحدودة فإذا كان الإنسان بطبيعته أنانيا و يبقى دائما كذلك فإن العامل الوحيد الذي يمكن أن يجمع شمله بفاعليه هو السلطة المركزية الممثلة في هيئة الحاكم و أن هذا الأخير هو في نهاية الأمر الذي يؤول القوانين الإلهية و عليه فإنه مصدر للأخلاق و القيم الاجتماعية.
1-الاتصال الجماهيري و المجتمع المعاصر الدكتور أحمد طلعت البشيشي دار المعرفة الجامعية ص 10
الفصل الثاني: العلاقة بين الصحافة و السلطة و قيود و أدوار المنظور السلطوي
المبحث الأول: العلاقة بين الصحافة و السلطة المنظور السلطوي
في أحد أيام 1690 و بوسائل بدائية استظل صاحب مطبعة في مدينة بوسطن أول صحيفة في المستعمرات المركزية و كانت تتكون من أربع صفحات تناولت الأحداث اليومية التي تقع في هذه البلاد إلا أن العدد الأول من هذه الصحيفة أصبح أيضا العدد الأخير أي أن الأخبار التي تنشرها هذه الصحيفة لم تلقى قبولا لدى السلطة العامة و خاصة لما تضمنته من عنف و قسوة القوانين العسكرية للمستعمرين و نتيجة لذلك أصدرت السلطة قرارا يمنع الناشرين من طباعة أي موضوعات قبل الحصول على ترخيص منها ...وقد استند قرار فرض الرقابة الذي يسمح بسيطرة السلطة مع الصحافة تعليمات صادرة من التاج البريطاني التي كانت تستعمر أمريكا في هذا الوقت هذه التعليمات التي تمثل نظرة السلطة نحو الصحافة ووجوب السيطرة عليها حتى تكون في خدمة السلطة الحاكمة و ترجع أهمية المثال السابق للعلاقة بين الصحافة و السلطة في أنه يعطينا تطور المناخ السائد في هذه البلاد كما أنها تمثل مدخلا رئيسيا لفهم التجربة الأمريكية و كيف حاولت إنشاء كيان ودور الصحافة في ظل وجود قوات الاحتلال
و بذلك فإن العلاقة بين السلطة و الإعلام علاقة شائكة و غريبة فنجد أن هناك تجاذبا و تنافرا بين الطرفين في ذات الوقت و هناك درجة شديدة من الحساسية بالتعامل بين هذين القطبين المليئين بالغموض و
الخصوصية
و هناك دائما شعرة معاوية بين الغضب و الرضا لكل طرف من الطرفين السلطة هنا ليست سلطة الحكم فحسب بل أي سلطة كانت الحكم المال المنصب النفوذ و غيرها و هذان القطبان المتناقضان لا يمكن أن يعمل أحدهما دون الحاجة للآخر فعندما تكون الدولة سلطوية فإنها أول ما تسعى إليه هو بسط نفوذها على وسائل الإعلام و الصحافة و مصادرة الحريات و قمع التفكير و تبدأ بإطلاق وسائل إعلامها الخاصة و الصحف المملوكة للدولة و يصح الصحافيين و الإعلاميين موظفين لديها و أبواق لسياسيتها
[B]المطلب الثاني:قيود النظرية السلطوية[/B
*قيود التراخيص: كانت السلطة الحاكمة تسعى إليها بوضع التراخيص لمن يريد من الناس أن يباشر عملا إعلاميا و اتصاليا من نوع معين يشترط أن يؤمن و يؤيد سياسة السلطة و تضمن السلطة ولاءه لها و هذا تدور حوله فكرة الهيمنة و السيطرة كما أن هذا ساعد على توليد نظام الاحتكار في هذا المجال حيث ظهر في انجلترا خلال القرن17 بوضوح
*قيود الرقابة:ظهرت هذه القيود بجانب قيود التراخيص لسد الثغرات التي تعرضت لها القيود السابقة و تقوم الحكومة بتعيين بعض الأشخاص الذين يراجعون كل ما تكتبه و تنشره وسائل و أساليب الاتصال و ما تقوله أيضا بجانب مراقبة المطابع و دور النشر و هذا لم يلق نجاحا و لم يستمر لفترة طويلة مما جعلها تصدر أنواع من القيود الأخرى
*قيود المحاكمات العامة: ظهرت نتيجة فشل القيود السابقة و كانت المحاكمات توجه بتهمة الخيانة وهذا لم ترض عنه السلطة غالبا ما يحكم عليه بالسجن و المصادرة
*قيود الأموال السرية:تقوم السلطة بإمداد بعض المؤسسات الإعلامية و الاتصالية ببعض المال لضمان ولاءها بمعنى أن الدولة تؤثر في وسائل الاتصال و الإعلام لاستخدام الأموال حتى يمكنها فرض سياستها كما أنها كانت تزيد الضرائب على الذين لم ترض عنهم مما يضطر أصحابها لترك العمل نتيجة عجزهم لدفع هذه الضرائب و أحيانا ما كان يطلق عليه البعض قيود الضرائب و في ضوء هذه النظرية......1 كان ينظر الحاكم لوسائل و أساليب الاتصال على أنها أمر من الأمور التي لا ينبغي أن يتصرف فيها فرد أو آخرين غيرهم و هذا من حق أصحاب الخبرة و المعرفة مما جعل هذه الوسائل و الأساليب تحت سيطرتهم
*الضرائب:و القصد منها إرهاق الصحف ماليا حتى تخفف من نقدها للحكومة أو تتوقف عن الصدور كانت توجه أساسا للصحف التي كانت تسعى لكسب الجمهور ليضمن استقلالها المالي و كانت هدف الضريبة تخفيض أرباح الجريدة بدفعها للخروج من سوق النشر و العودة بذلك إلى تمويل و مساعدة السلطة.
المبحث الثالث: وظيفة وسائل الإعلام في إطار المنظور السلطوي
تعتبر وسائل الإعلام في إطار المنظور السلطوي مثلها مثل الوسائل الأخرى التي تعمل في إطار الدولة و مضمون وسائل الإعلام ويقيم على أساس ما كان يساهم به في تحقيق الأهداف المرسومة ووسائل الإعلام تمنع من تقييم أي نقل مباشر إلى القادة السياسيين.....2 تقوم وسائل الإعلام في إطار المنظور السلطوي بتوجيه المناقشة حول المسائل المطروحة في الاتجاه الذي يخدم السلطة المركزية و كانت مضامين ووسائل الإعلام الموجهة إلى الجماهير الواسعة تفرض عليها رقابة خاصة حتى لا تثير لديها اهتمامات و تطلعات خارجة عن نظام إدراكها و منه يتضح أن دور الصحافة ووظائفها في المنظور السلطوي تعمل فقط في خدمة السلطة و المحافظة على استقرار النظام و التأكد على بقاء الوضع على ما هو عليه.
1- الاتصال الجماهيري و المجتمع المعاصر للدكتور أحمد طلعت البشيشي دار المعرفة الجامعية ص58
2-الدسوقي عبده إبراهيم وسائل الاتصال الجماهيرية و الاتجاهات الاجتماعية ص23
خاتمة
و ختاما لما يمكننا القول أن المنظور السلطوي كان متسلطا في مبادئ و حيازي للسلطة حيث أنه كان لا يخدم الأفراد بل يخدم السلطة بالدرجة الأولى و الأخيرة و يعمل على إرضاء الطبقة المالكة و هذا دفع بالأفراد إلى نبذ هذا الموضوع لكثرة تعسفه و ظلمه و نرى بعد تراجع هذا المنظور جاءت عدة أنظمة أخرى عالجت النقائص التي عانى منا الموضوع.
مقدمة
يعتبر الاتصال بين الناس منذ القدم موضوعا مثيرا بالنسبة للباحثين و مع ذلك فإنه لم يصبح مادة للبحث إلا منذ وقت قليل نسبيا حيث أنهم اجتهدوا في جمع و تنظيم المعلومات و البيانات المتوفرة حوله لتكون مبادئ و أسس و افتراضات نظرية و هي تختلف عما يوصف في بعض التراث الإعلامي و الاتصالي بالنظريات الإعلامية أو المذاهب التي ارتبطت أكثر بنظم حكم معينة و بأساليب إدارة أجهزة الاتصال الجماهيرية
و إن هذه النظريات هي عبارة عن أطر فكرية و فلسفية شخصها بعض النماذج و المدارس التي اختلفت في تصنيف هذه الأنظمة فما هي هذه النظم الإعلامية؟وما هو النظام السلطوي و أساليبه المستعملة و مبادئه؟
الفصل الأول:النظم الإعلامية و مفهوم النظرية السلطوية
المبحث الأول:النظم الإعلامية
إن الإعلام يعكس لنا التركيب الاجتماعي و السياسي كما أنه يعبر عن الافتراضات الأساسية التي يتبناها المجتمع فيما يخص الطبيعة البشرية و علاقة الفرد بالدولة و طبيعة المعرفة و فلسفة السلوك السياسي و عليه فإن النظم الاجتماعية و السياسية خاصة التي تقرر القيم و المعايير التي تخدمها وسائل الإعلام و هي التي تضع الضوابط و أساليب الرقابة و أنواعها التي تخضع لها وسائل الإعلام و هي التي تقرر من الذي يملك هذه الوسائل و من له الحق في استخدامها و لقد اختلف الكثيرون في تصنيف النظم الإعلامية الموجودة في العالم و هذا ما يبرر وجود عدة تصانيف للكثير من الباحثين من بينهم رايت سنة 1959 الذي صنفها إل سوفيتية _صينية_بريطانية_كندية_أمريكية ثم أنظمة الدول الغير صناعية كما أن هناك اجتهاد نيمرواس سنة1964الذي رأى أنه توجد هناك أنظمة إعلامية تخضع لإرادة الدولة و أخرى يديرها العموم و ثالثة يمكن وصفها بالمشاركة العامة و رابعة تدار كمشروع خاص أي ملك للخواص وكانت هناك عدة تصانيف أخرى لكن التصنيف الذي حقق نوعا من الاتفاق هو تصنيف الثلاثي سيبارت و بيتوسون وشرام سنة 1956 الذين قاموا بتصنيف الأنظمة الإعلامية إلى أربعة هي: السلطوية, الليبرالية, الشيوعية,والمسؤولية الاجتماعية.....1.
و كان هذا التصنيف ارتكازا على الأنظمة الاجتماعية و السياسية القائمة في المجتمعات و خاصة بحسب نظام الحكم السائد ليكون المرجع للحكم عل نوع النظام الإعلامي الموجود.
1-الاتصال:مفاهيمه,نظرياته ووسائله الدكتور فضيل دليو دار الفجر للنشر و التوزيع القاهرة ص14
المبحث الثاني:مفهوم النظرية السلطوية
إن المقصود بالنظرية السلطوية في العلم الحديث هي تلك المنظور الذي كان سائدا في أوروبا الغربية بين الفترة الممتدة من 1500إلى1700م و هي الفترة التي تعرف في التاريخ الأوربي بالقرون الوسطى
و تقوم هذه النظرية على ثلاثة ركائز أساسية هي:
_مذهب الحق الإلهي و الذي اعتمد عليه الملوك في الحكم و توارثه خلفاؤهم من بعدهم
_ الكنيسة و التي تزايدت قوتها في العصور الوسطى و اعتبرت نفسها مصدرا للتفويض الإلهي و تمكنت بذلك من السيطرة على الرأي العام و حق التعبير.......1
_التاريخ الطويل للفلسفة السياسية لفكرة التسلطية و التي اعتبرت الركيزة الأساسية لهذا المنظور
و قد اعتبرت هذه النظرية السلطوية في الفكر السياسي على أنها الوعاء الفكري للنظام الإعلامي السلطوي و قد سادت في أوربا في الفترة الممتدة بين القرنين16و17 و هي الفترة التي ظهرت خلالها الصحف و عرفت تطورا و كانت تنظر إلى الفرد بوصفه تابعا للدولة و أمور الحكم و مقاليده تكون في يد الحاكم الذي يستمد قوته و نفوذه من الحق الإلهي و بالتالي له الحق في تنظيم كافة أمور الحياة في الدولة و توجيه أفرادها و مؤسسا تهاو خدمتهم و كانت هذه النظرية ممثلة في العهد العثماني و عهد محمد علي و خلافاته و عهد الاحتلال البريطاني الذي حارب بكل الوسائل الشرعية و غير الشرعية انتشارها و خير دليل على ذلك ما نراه واضح من خلال التحليل التاريخي للصحافة المصرية و ما تعرضت له و غيرها صحيفة الوقائع المصرية حيث أنها لم تكن سوى نشرة حكومية تصدرها السلطة و غيرها من الصحافة الأصلية التي ظهر في عهد إسماعيل و هذا يشير في ضوء هذه النظرية أن وسائل الإعلام و الاتصال كانت مهيمنة لخدمة سياسة الدولة.
المبحث الثالث: طبيعة مجتمع الفرد و الجماعة في المنظور السلطوي
ترى النظرية السلطوية بأن المواطنين عليهم طاعة السلطة و خدمتها و أن السلطة تسبق الفرد في ميزان قيام المجتمع و تقود خلفية هذه النظرية و نظرتها لقدسية الدولة إلى مساهمة العديد من الفلاسفة و المفكرين منهم أفلاطون الذي يرى بأنه لا يمكن لكل الأفراد المساهمة في السلطة و يقول إذا كانت هناك مشاركة بالمثل في الدولة الواحدة فإنها ستعرف التفكك لا محالة و على هذا فإن هناك نخبة داخل المجتمع هي التي تملك السلطة و لها الحق في إقرار القوانين وتنفيذها و إن كانت خاطئة.
بالإضافة إلى أفكار أفلاطون التي تمتد إلى العهد اليوناني فإن أفكار ميكيافليي و هوبس قد أعملت الدعائم النظرية لهذا النظام من حيث إعطاء الأولوية في إطار نظام القيم الاجتماعية إلى السلطة و الدولة و أن الفرد عليه أن يخدم هذه الأخيرة لسلامة النظام و استقراره هذا ما يؤكد ه هيغل في قوله أن الدولة هي روح الأخلاق و أصل القيم و هي المشيئة والعقل.
1- نظريات الإعلام و اتجاهات التأثير الدكتور محمد عبد الحميد جامعة حلوان طبعة 3القاهرة.ص33
يعتبر الفكر السياسي لمكيافيللي المرجع الأساسي لنظرية السلطة فهو يرى أن تأسيس الدولة و تشريع القوانين لا بد أن يكون على افتراض أن كل البشر بطبيعتهم سيئين و أن هؤلاء سيظهرون كما سمحت لهم الفرصة بذلك فإذا كانت استعداداتهم الخفية مكبوتة في زمن ما فإنه لا بد من الاعتقاد بأن الفرصة لم تسمح بذلك و لكن مع الوقت لا يلبث أن يعلن عنها فالرغبة في التسلط أو التملك حقيقة طبيعية مشتركة و الإنسان دائم التسلط متى كان قادرا على ذلك......1
إن هذه الطبيعة الإنسانية الشريرة من جهة أخرى لا تمنع من تحويل هذا الإنسان إلى كائن فيه الصلاح و لكن هذا إلا بتطبيق القوة و الحيلة ومن هذا فإن الدولة بالنسبة لمكيافيللي تعني تنظيم القوة من خلال السلطة أما هوبس فيرى بأن الدولة لا تستطيع أداء مهامها إذا كان الحاكم يتمتع بالسلطة الكاملة غير المحدودة فإذا كان الإنسان بطبيعته أنانيا و يبقى دائما كذلك فإن العامل الوحيد الذي يمكن أن يجمع شمله بفاعليه هو السلطة المركزية الممثلة في هيئة الحاكم و أن هذا الأخير هو في نهاية الأمر الذي يؤول القوانين الإلهية و عليه فإنه مصدر للأخلاق و القيم الاجتماعية.
1-الاتصال الجماهيري و المجتمع المعاصر الدكتور أحمد طلعت البشيشي دار المعرفة الجامعية ص 10
الفصل الثاني: العلاقة بين الصحافة و السلطة و قيود و أدوار المنظور السلطوي
المبحث الأول: العلاقة بين الصحافة و السلطة المنظور السلطوي
في أحد أيام 1690 و بوسائل بدائية استظل صاحب مطبعة في مدينة بوسطن أول صحيفة في المستعمرات المركزية و كانت تتكون من أربع صفحات تناولت الأحداث اليومية التي تقع في هذه البلاد إلا أن العدد الأول من هذه الصحيفة أصبح أيضا العدد الأخير أي أن الأخبار التي تنشرها هذه الصحيفة لم تلقى قبولا لدى السلطة العامة و خاصة لما تضمنته من عنف و قسوة القوانين العسكرية للمستعمرين و نتيجة لذلك أصدرت السلطة قرارا يمنع الناشرين من طباعة أي موضوعات قبل الحصول على ترخيص منها ...وقد استند قرار فرض الرقابة الذي يسمح بسيطرة السلطة مع الصحافة تعليمات صادرة من التاج البريطاني التي كانت تستعمر أمريكا في هذا الوقت هذه التعليمات التي تمثل نظرة السلطة نحو الصحافة ووجوب السيطرة عليها حتى تكون في خدمة السلطة الحاكمة و ترجع أهمية المثال السابق للعلاقة بين الصحافة و السلطة في أنه يعطينا تطور المناخ السائد في هذه البلاد كما أنها تمثل مدخلا رئيسيا لفهم التجربة الأمريكية و كيف حاولت إنشاء كيان ودور الصحافة في ظل وجود قوات الاحتلال
و بذلك فإن العلاقة بين السلطة و الإعلام علاقة شائكة و غريبة فنجد أن هناك تجاذبا و تنافرا بين الطرفين في ذات الوقت و هناك درجة شديدة من الحساسية بالتعامل بين هذين القطبين المليئين بالغموض و
الخصوصية
و هناك دائما شعرة معاوية بين الغضب و الرضا لكل طرف من الطرفين السلطة هنا ليست سلطة الحكم فحسب بل أي سلطة كانت الحكم المال المنصب النفوذ و غيرها و هذان القطبان المتناقضان لا يمكن أن يعمل أحدهما دون الحاجة للآخر فعندما تكون الدولة سلطوية فإنها أول ما تسعى إليه هو بسط نفوذها على وسائل الإعلام و الصحافة و مصادرة الحريات و قمع التفكير و تبدأ بإطلاق وسائل إعلامها الخاصة و الصحف المملوكة للدولة و يصح الصحافيين و الإعلاميين موظفين لديها و أبواق لسياسيتها
[B]المطلب الثاني:قيود النظرية السلطوية[/B
*قيود التراخيص: كانت السلطة الحاكمة تسعى إليها بوضع التراخيص لمن يريد من الناس أن يباشر عملا إعلاميا و اتصاليا من نوع معين يشترط أن يؤمن و يؤيد سياسة السلطة و تضمن السلطة ولاءه لها و هذا تدور حوله فكرة الهيمنة و السيطرة كما أن هذا ساعد على توليد نظام الاحتكار في هذا المجال حيث ظهر في انجلترا خلال القرن17 بوضوح
*قيود الرقابة:ظهرت هذه القيود بجانب قيود التراخيص لسد الثغرات التي تعرضت لها القيود السابقة و تقوم الحكومة بتعيين بعض الأشخاص الذين يراجعون كل ما تكتبه و تنشره وسائل و أساليب الاتصال و ما تقوله أيضا بجانب مراقبة المطابع و دور النشر و هذا لم يلق نجاحا و لم يستمر لفترة طويلة مما جعلها تصدر أنواع من القيود الأخرى
*قيود المحاكمات العامة: ظهرت نتيجة فشل القيود السابقة و كانت المحاكمات توجه بتهمة الخيانة وهذا لم ترض عنه السلطة غالبا ما يحكم عليه بالسجن و المصادرة
*قيود الأموال السرية:تقوم السلطة بإمداد بعض المؤسسات الإعلامية و الاتصالية ببعض المال لضمان ولاءها بمعنى أن الدولة تؤثر في وسائل الاتصال و الإعلام لاستخدام الأموال حتى يمكنها فرض سياستها كما أنها كانت تزيد الضرائب على الذين لم ترض عنهم مما يضطر أصحابها لترك العمل نتيجة عجزهم لدفع هذه الضرائب و أحيانا ما كان يطلق عليه البعض قيود الضرائب و في ضوء هذه النظرية......1 كان ينظر الحاكم لوسائل و أساليب الاتصال على أنها أمر من الأمور التي لا ينبغي أن يتصرف فيها فرد أو آخرين غيرهم و هذا من حق أصحاب الخبرة و المعرفة مما جعل هذه الوسائل و الأساليب تحت سيطرتهم
*الضرائب:و القصد منها إرهاق الصحف ماليا حتى تخفف من نقدها للحكومة أو تتوقف عن الصدور كانت توجه أساسا للصحف التي كانت تسعى لكسب الجمهور ليضمن استقلالها المالي و كانت هدف الضريبة تخفيض أرباح الجريدة بدفعها للخروج من سوق النشر و العودة بذلك إلى تمويل و مساعدة السلطة.
المبحث الثالث: وظيفة وسائل الإعلام في إطار المنظور السلطوي
تعتبر وسائل الإعلام في إطار المنظور السلطوي مثلها مثل الوسائل الأخرى التي تعمل في إطار الدولة و مضمون وسائل الإعلام ويقيم على أساس ما كان يساهم به في تحقيق الأهداف المرسومة ووسائل الإعلام تمنع من تقييم أي نقل مباشر إلى القادة السياسيين.....2 تقوم وسائل الإعلام في إطار المنظور السلطوي بتوجيه المناقشة حول المسائل المطروحة في الاتجاه الذي يخدم السلطة المركزية و كانت مضامين ووسائل الإعلام الموجهة إلى الجماهير الواسعة تفرض عليها رقابة خاصة حتى لا تثير لديها اهتمامات و تطلعات خارجة عن نظام إدراكها و منه يتضح أن دور الصحافة ووظائفها في المنظور السلطوي تعمل فقط في خدمة السلطة و المحافظة على استقرار النظام و التأكد على بقاء الوضع على ما هو عليه.
1- الاتصال الجماهيري و المجتمع المعاصر للدكتور أحمد طلعت البشيشي دار المعرفة الجامعية ص58
2-الدسوقي عبده إبراهيم وسائل الاتصال الجماهيرية و الاتجاهات الاجتماعية ص23
خاتمة
و ختاما لما يمكننا القول أن المنظور السلطوي كان متسلطا في مبادئ و حيازي للسلطة حيث أنه كان لا يخدم الأفراد بل يخدم السلطة بالدرجة الأولى و الأخيرة و يعمل على إرضاء الطبقة المالكة و هذا دفع بالأفراد إلى نبذ هذا الموضوع لكثرة تعسفه و ظلمه و نرى بعد تراجع هذا المنظور جاءت عدة أنظمة أخرى عالجت النقائص التي عانى منا الموضوع.
0 التعليقات:
إرسال تعليق