الرجل الذي حكم 166 يوما:
166 يوما من تولي محمد بوضياف رئاسة المجلس الأعلى
للدولة لم تساهم ولو بقسط قليل في حل الأزمات السياسية و الإقتصادية والأمنية
بالجزائر، فالوضع الأمني ازداد تدهورا وتحولت الفوهة الأمنية إلى براكين حقيقية
أقضت مضجع الجزائر، وبات القتل والقتل المضاد هو السمة الغالبة، ولم يقدر رصيد
بوضياف التاريخي أن يطفئ لهب الفتنة الذي امتد إلى محمد بوضياف نفسه ليجهز عليه
بطريقة لا نراها إلا في الأفلام الأمريكية محكمة الإخراج.
حاول محمد بوضياف أن يجند الجزائريين حول مشروع وطني
موحد، فوجد نفسية جزائرية ياسئة من النظام ورجالاته، حاول بعث الإقتصاد فأكتشف أنه
بيد مجموعة من المافيا. وطالب بصلاحيات واسعة من المؤسسة العسكرية فرسمت له الخطوط
الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها، وأقحم في لعبة لم يساهم في رسم معالمها.
166 يوما لم يحقق فيها محمد بوضياف شيئا، وعلى حد تعبير
أحمد بن بلة فإن الرئيس محمد بوضياف تجاوزه الزمن الجزائري. لقد عاد إلى الجزائر
بعقلية ثوار نوفمبر متناسيا أن الثورة الجزائرية قد ذبحت في الصميم، وأصبحت الثورة
الجزائرية تأكل أبناءها أباءها معا.
حاول تذكير الجزائريين بثورة نوفمبر فوجد أن الشعب
الجزائري قد أرقه ما شاهده من تحول رجال الثورة إلى رجال ثروة، لقد أقسم بعض الجزائريين
بأغلظ الإيمان أن لا يثقوا ما تقوله لهم السلطة الجزائرية، لقد أوهمتخم هذه السلطة
أنهم أصبحوا راشدين وبالغين وقادرين على اختيار من يرونه مناسبا وصالحا لتسيير شؤون
الحكم، ولكن قرار الدبابة كان هو الفصل و الحكم.
لقد محت صور الدبابات و دوريات الجيش والمواجهات الدامية
التي كانت تتم بشكل يومي كل ما أتسم في ذاكرة الجزائرييين عن الثورة الجزائرية،
وكيف يثق الشعب الجزائري بمحمد بوضياف ويقررون التفاصيل التفاصيل، وقد صعب على
الشارع الجزائري أن يقبل هذه الصورة المتناقضة صورة بوضياف رمز الثورة الجزائرية،
وأحد مفجريها وصورة الذين قتلوا الشعب الجزائري وسفكوا دمه وأستباحوا حرماته، كيف
يصدق الشعب الجزائري دعوة بوضياف إلى محاربة الفساد، وأرباب الفساد مازالوا في كل
المواقع في قصر الرئاسة والإدارة و الوزارات والمءسسة العسكرية، ومن الصعوبة بمكان
أن يتمكن بوضياف من تغيير الصورة.
وحتي ولو حاول محمد بوضياف البقاء في الساحة وحيدا و
الشروع في عملية التطهير المعقدة و الصعبة، أزيح عن الساحة برصاصة في ظهره
لقد كان محمد بوضياف في آخر أيامه يصف النظام بأنه وسخ
ومعقد وصعب، وحتى لما طرح مشروع محاسبة الشخصيات الكبيرة، تساءل المواطن الجزائري
من يحاسب من في الجزائر؟
والمافيا التي تحدث عنها بوضياف ليست معادلة سهلة يمكن
النيل منها بسهولة إنها تشكلت مع بدايات تشكل النظام الجزائري وأزدادت تعقدا وإلتواءا
مع مرور الزمن.
لقد كان واضحا للجميع أن إلغاء المشروع الديموقراطي
والإنتخابات التشريعية لم يكن الغرض منه حماية الديمقراطية والتعددية، بقدرما كانت
هذه العملية تهدف إلى حماية المافيا وامتيازاتها وخصوصا وأن جبهة الإنقاذ كانت
تهدد بالإقتباص من المختلسين الذين تسببوا في افلاس الجزائر.
وكم تبال هذه المافيا بالإعتبارات الدولية وسمعة الجزائر
عربيا ودوليا، ولما أستشعرت الخطر حاولت الإستنجاد بمحمد بوضياف وتذكروه أخر لحظة،
لم يخطر في بالهم أن يعيدوه إلى وطنه قبل سنوات.
فور عودة محمد بوضياف صرح أنه عاد إلى أرض الجزائر بعد
فراغ الدستوري الذي نجم عن إقالة الشاذلي بن جديد، وبعد فترة من هذا التصريح أدلي
بتصريح لمجلة روز يوسف قال فيه أن السلطة العسكرية هي التي أطاحت بالشاذلي بن
جديد، وأن ما وقع في الجزائر هو انقلاب عسكري. وفي ندوة صحفية عقدها في الجزائر
العاصمة صرح أن بعض القوى السياسية تقول أن ما وقع في الجزائر هو انقلاب عسكري وهي
حرة في اتخاذ هذه المواقف. وهذه التصريحات الخطيرة من رئيس الأعلى للدولة محمد
بوضياف أحرجت كثرا المؤسسة العسكرية كثيرا والتي أعلنت مرارا أن الشاذلي بن جديد
استقال وكم يزح من المنصب....
ومن الخلافات بين بوضياف والمؤسسة العسكرية أن بوضياف
أراد الإتصال بالدكتور عباسي مدني زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في محاولة لإيجاد
تسوية سياسية للأزمة القائمة في الجزائر .
وأقدم محمد بوضياف على ايداع الجنرال مصطفي بلوصيف رهن
السجن العسكري بالبليدة لم يرض أطرافا داخل المؤسسة العسكرية والتي كانت ترى ضرورة
ابقاء رجال المؤسسة خارج المحاكمات والملاحقات القضائية، لئلا تفقد المؤسسة
العسكرية مصدقيتها.
والواقع أن محمد بوضياف كان يعيش في خضم المتناقضات بين
الأجهزة القديمة والجديدة التابعة لهذا الفريق أو الموالية للفريق الآخر، وقد دخل
بعضها على خط الصراع الدموي بين السلطة والإسلاميين ونفذ العديد من عمليات
الإغتيال وحتي التفجيرات، وبلغ الصراع أوجه عندما أعلن العربي بلخير وزير الداخلية
لجريدة صوت الكويت أن تمردا وقع على مستوى بعض القوات الخاصة والتي التحقت بأمير
الحركة الإسلامية المسلحة في ذلك الوقت عبد القادر شبوطي.
وهذا التصريح لم يرض المؤسسة العسكريةالتي أخرجت بلخير
من دوائر الضوء ورغم ذلك ظل على علاقة بمراكز القوة ونسق معها في كثير من القضايا.
بقلم الكاتب الجزائري: يحيا
أبوزكريا
في كتابه: الجزائر من أحمدبن بلة وإلى
عبد العزيز بوتفليقة
0 التعليقات:
إرسال تعليق