الردّ الصائب على الكولونيل الهارب بقلم الجنرال بوشارب
ما كنت أفكر في يوم من الأيام أن أردّ على المقال الذي نُشر من مذكرات العقيد طاهر زبيري بتاريخ 04 أكتوبر2011 بجريدة الشروق اليومية الغرّاء، لولا إلحاح الكثير من رفقاء الكفاح من شرق البلاد وغربها، ومن شمالها وجنوبها ووسطها لاعتقادي أن الكثير ممّا قيل غير صحيح ولا يمتّ للواقع بصلة، لا من قريب ولا من بعيد. وحيث لا أحبّ كذلك أن أقع في شراك ما قاله القائل:
أَهَذَا كَمُغتَابٍ يَرُوحُ ويَغتَدِي **** ويَضحَكُ مُختَالا إذَا مَسَّهُ الضُرُّ
أَهَذَا كَأَفعَى هَمُهَا نَفثُ سُمَّهَا **** ونَهشَ الذِي تَلقَى ولَوأَنَّهُ صَخرُ
ومن هنا، أؤكد أنّني ما كنت أرغب في الردّ على الإطلاق لولا ذكر سيادة العقيد لبعض المفاصل التي يطيب لي أن أميط عنها اللّثام أمام الرأي العام عبر المحطات الأربع الآتية:
المحطة الأولى : جاء في هذا المقال عنوان "رجال بومدين يتعقبونني" وأنا العبد الضعيف لست من رجال بومدين وكلّ من يعرفني عن قرب يعرف أنني من رجال الجزائر البررة ولا فخر:
أنا ما احترفت النفاق يوما ونضالي *** ما اشترته الملوك ولا الرؤساء
حبّي للجزائر حبا عميقا *** وحبّهم لها عواطف وهواء
أنا ما احترفت النفاق يوما ونضالي *** ما اشترته الملوك ولا الرؤساء
حبّي للجزائر حبا عميقا *** وحبّهم لها عواطف وهواء
لقد بدأت النضال مبكرًا سنة 1950م في حزب الشعب بالعاصمة، وكنت ساعتها على اتصال بالدرعان ولاية عنابة مع الإخوة: صالح، قشي، ميزي لعبيدي، العقبي صلوحات، محمد صالح بوهية ومحمد صدّام الذي كنّا نجتمع في محلّه للنجارة - أطال الله في عمره - وهويقطن بمزرعة بوشاوي بالعاصمة (انظر كتابي مقام الشهيد- رمز وتخليد).
المحطة الثانية: إنّ القول بإلقاء القبض عليّ من طرف الجيش الفرنسي سنة 1961م غير صحيح على الإطلاق، حيث سقطت سنة 1958م في ساحة الوغى وميدان الشرف مثخنا بالجراح وكنت في غيبوبة بين الموت والحياة، وحيث أصبت برصاصة في الرئة ومنذ ذلك التاريخ وأنا أعيش بنصف رئة إلى الآن. وبعد مضي تسعة وأربعين يوما، قمت بالفرار، وذلك برفقة كلّ من الشهيدين سعيد ضريف وضيف ضياف، حيث قضينا على أكبر خائن بالمنطقة والذي قتل ما يزيد عن 700 مواطن تحت إمرة السفاح الفرنسي الملازم الأول قيرا، وقضينا في تلك الليلة على 18 جنديا وغنمنا 12 بندقية حربية والتحقنا بكتيبة البطل "بلقاسم خرشوش" المكنّى بالقومي - مازال على قيد الحياة يعيش بمدينة مروانة - وقبل ذلك كنت قد قضيت ثلاث سنوات ونصف قائدا للصائقة (الكوموندو) وكان لا يمرّ أسبوع إلاّ وقمنا فيه بعملية أو عمليتين، فوصل عدد العمليات خلالها إلى 950 عملية بين معركة وكمين وإغارة واختطاف والقضاء على الخونة، وغنائم وتخريب مزارع الكولون (انظر مجلة تكريمي من طرف المنظمة الوطنبة للمجاهدين فرع غين ولمان - سطيف -) وهنا بالذات أقف لأذكر سيادة العقيد بلقائنا الأول سنة 1960م في قمة فورار بكيمل القريب من واد سيدي فتح الله، حيث وجدنا في الاجتماع مع القائد المرحوم علي سوايعي الذي قُتل فيما بعد في ظروف غامضة تاركا وراء موته أكثر من علامة استفهام؟.
وهنا نسجّل فِراره من غارة الجيش الفرنسي الذي صبََّحَنا بالقصف عن طريق الطائرات، وترك القيادة برمتها، وبالتنسيق مع سي علي سوايعي- قبل وفاته - شكلنا فوجا بقيادة الشهيد عبد المجيد بن عبد الصمد الملازم الأول العيش حصروري وهذا بشهادة الأخ العقيد سي محمد الصالح يحياوي وشريف جار الله قائد المنطقة الأولى والجمعي بوقادي والدراجي البيتش أطال الله في عمره، ويبدو لي أنّ سيادته قد أصيب بداء الزهيمر (النسيان).
المحطة الثالثة: محض الافتراء أن يزعم أنه أرسلني إلى قاصدي مرباح - رحمة الله عليه - حيث لم تكن لي علاقة مع هذا الأخير في مجال العمل على الرغم من كونه صديقا حميما لي، وحتى توقيف القتال كنت قائدا للناحية الرابعة - المنطقة الأولى - الولاية الأولى ببريكة المسيلة، حيث طُلب من المثقفين الثوريين وقتها الانضمام إلى صفوف حزب جبهة التحرير الوطني لتأطيرهم فانضممنا إلى الحزب. وبعد المؤتمر الثالث المنعقد في قاعة سينما إفريقيا بالعاصمة سنة 1964م أعيد إدماجنا بعيد المؤتمر في صفوف الجيش الوطني الشعبي مع الأخوين محمد حابا وعبد القادر ناصر دون وساطة، أما الحديث عن الترقية والرتب فهذا تفرضه قوانين ولوائح المنضومة القانونية للجيش الوطني الشعبي.
المحطة الرابعة والأخيرة: أنا من عرّف سيادة العقيد بالطاهر مقلاتي بعدما أصلحت أحواله مع الثورة مع أخي الأستاذ بوضياف الطيب، وأسجل هنا أن سيادته قد ذهب إلى القول بأنني كنت أتعقبه بإصرار وعناد وهذا ما لم يحصل، إذ من الغباء والحمق أن يسأل إنسان عن شخص يستهدفه، وخلاصة الحديث أن ليلة 14 ديسمبر 1967م كنت مع الرائد عمّار ملاّح والشريف مهدي في جسر بورومي عندما فرّ سيادته وتبعه نفره ووجدت الجيش هاملا فمكثت مع كتيبة رفقة سي أحمد سلاّم - رحمة الله - والتحقنا ليلنها بمدرسة أشيال الثورة بالقليعة فوجدنا في استقبالنا سيادة الفريق عباس غزيل صبيحة 15 ديسمبر1967م.
الخاتمة:
بغض النظر عن هذا الرد السريع أحب أن أشير إلى أنَّ بعض الرموز الذين بلغوا من الكبر عتيا ووصلوا إلى أرذل العمر، كان الشعب الجزائري برمته يكن لهم احتراما كبيرا لقاء ما بذلوه إبانّ الثورة التحريرية المجيدة، حيث كان يفترض على الجميع المحافظة على هذه الصورة الناصعة للبذل في سبيل الوطن المفدّى دون الولوغ في الأعراض ونبش القبور، في حين قد علمنا ديننا الحنيف أن نذكر محاسن موتانا والأدهى والأمر أن تبرأ بعضهم من الانتماء إلى الجزائر ولله در القائل:
لاخير فيمن لا يحب بلاده *** ولا في حبيب الحب إن لم يتيم
ومن تأوه دار ويجحد فضلها *** يكن حيوان فوقه كل أعجمي
لاخير فيمن لا يحب بلاده *** ولا في حبيب الحب إن لم يتيم
ومن تأوه دار ويجحد فضلها *** يكن حيوان فوقه كل أعجمي
وأخيرا وليس آخرا وعلى كل حال "من غربل الناس نخلوه".
كاتب: الافادة في اختيار القادة - البغاة - مقام الشهيد
اللواء المتقاعد عبد السلام بوشارب
الناطق الرسمي لوزارة الدفاع الوطني سابقا..
1 التعليقات:
انا هذا الجنرال اقوى جنرال في الجزائر واعظم ومخلص لي وطن
إرسال تعليق