ابحث عن موضوعك في موقعي هنا

||

ترجمة/Translate

الجمعة، 1 نوفمبر 2013

بحث حول الكتابة و الطباعة

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الفصل الأول: ماهية الكتابة
1- مدخـــل​
2- الكتابة وعاء حضاري​
3- ظهور الكتابة والمكتبات​
الفصل الثاني: نشأة الكتابة وتطورها
1- مرحلة ما قبل الأبجدية​
1-1- الخط المسماري
1-2- الخط الهيروغليفي
* الحجر الراشد
2- مرحلة الأبجدية​
الفصل الثالث : تاريخ الورق
1- ورق البردي​
2- صناعة الورق​
3- انتشار صناعة الورق​
الفصل الرابع : تاريخ الطباعة
1- الطباعة​
2- قصة ظهور الطباعة في أوروبا
3- الطباعة العربية في أوروبا
4- الطباعة البلاد العربية
الخاتمة
المراجـــــع
مقدمة
إن المرء وهو يدلف عبر بوابة القرن الواحد والعشرين ، حين يتأمل مسيرة الخط وتاريخ الكتابة منذ بداياتها الأولى وحتى وقتنا المعاصر يكاد يجزم بأنها بلغت شأناً عظيماً ، وأنها واكبت متغيرات الزمن، ورافقت حياة الإنسان وحركة تطوره في مجالات شؤونه المادية والمعنوية . ليس ذلك فحسب بل إن إطلاله على نشأة الكتابة وسيرة تطورها في العصور المتلاحقة تتيح فرصة للتعرف على التقاء الثقافات العالمية وتأثرها ببعضها البعض من خلال نهلها من معين حضاري مشترك ، كان موطنه الأصلي منطقة الشرق الأوسط ثم أنتشر منها ليضيء بنوره المشرق أرجاء المعمورة. ​
وعلى الرغم من أن الاهتمام بالكتابة على اعتبارها ركيزة أساسية في مسيرة التطور الحضاري للإنسانية لا يزال على أشده، فإنها أساس ظهور علم الكتاب : دراسة الكتاب وخصائصه وتوابعه وعلى أساس ذلك ثمة أسئلة تتبادر إلى الذهن مثل : متى بدأت الكتابة ، وأين ، وكيف كانت ، وكيف أضحت(1) ؟ . ​
ولا ريب في أن الإجابة على مثل هذه التساؤلات تقودنا إلى البحث في الجذور التي تتطلب العودة إلى أعماق التاريخ ، حيث البدايات الأولى لتطور الحضارة البشرية في التاريخ الإنساني .​

(1) موقع حضارة الكتاب بتصرف
الفصل الأول

ماهية الكتـــــــابة
1- مدخــــل​
2- الكتابة وعاء الحضارة​
3- ظهور الكتابة والمكتبات​
1- مدخل
قبل ما يزيد على خمسة آلاف سنة خلت تبلورت في الشرق الأوسط نتائج تجارب طويلة من محاولات الإنسان الأولى للكتابة، ومن هنا واعترافاً بعظيم شأن هذا الاختراع في مسير الحضارة الإنسانية أضحى الدارسون يفرقون بين حقبتين من حقب التاريخ البشري، الأولى مرحلة ما قبل الكتابة، أو بعبارة أخرى مرحلة الحضارة الشفوية، وهي ما يطلق عليها أيضا فترة ما قبل التاريخ. والثانية هي مرحلة الكتابة، أو حضارة الكتابة، وتسمى أيضا مرحلة التاريخ . ​
ظهرت في بلاد ما بين النهرين فيما بين أعوام 3500-3000قبل الميلاد البدايات الأولى للكتابة، وبعد ذلك بقليل تجلت سمات واضحة للتدوين في وادي النيل، ثم ما لبث عقب ذلك أن تطورت أساليب الكتابة في بلاد الشام والجزيرة العربية، وتبلورت أسسها التي أضحت أصلا لأغلب اللغات العالمية المعروفة في حاضرنا المعاصر. وفي غضون ذلك تجري الآن مناقشات مطردة حول ما إذا كانت الكتابة بدأت في مراكز الشرق القديم الحضارية بمعزل عن بعضها البعض، أم نشأت في مصر وبلاد الشام والجزيرة العربية تأثرا بأسلوب الكتابة في بلاد الرافدين . ومهما يكن من أمر فإن أساليب الكتابة في المراكز الحضارية آنفة الذكر إن هي استفادت من تجربة الكتابة في بلاد الرافدين فإنها - تمتلك مقومات مميزة تجعلها سباقة إلى الإبداع وتطوير أسلوب الكتابة والسير بها إلى الاختزال والسهولة التي كانت تفرضها متطلبات تلك الأزمة السحيقة. ​

2- الكتابة وعاء الحضارة

الكتابة من أعظم تجليات الوعيالبشري ، الذي عبر عن تفوق الإنسان على المخلوقات الأخرى الكثيرة التي تعيش معه علىالأرض .
من خلال الكتابة تفرد الإنسان بحفظ تأريخه ، ونقل تراثه الممتد منتجاربه الأولى إلى حاضره ، واحتضانه وحراسته وحمله إلى مستقبله وأجياله الآتية ،فلولا الكتابة لما وصلنا خبر الحضارات القديمة ، ولا إنجازاتها وآدابها وفنونها ،وهكذا لولا الكتابة لاندثر تأريخ النبوات وباد تراثها المقدس ، وتوارى دورهاوعطاؤها في تأريخ البشرية .
كما أن التشويهات والتحريفات التي تعرض لهاتراث النبوات ، هو أحد نتائج عدم مراعاة ضوابط وأصول الكتابة الصحيحة ، لأن الحركاتالتحريفية تعمد دائما إلى تعطيل الدور الحضاري الذي تضطلع به الكتابة في التوثيق ،وتحولها إلى أداة للتزييف والتضليل والتجهيل .
ويمكن القول بأن الحركةالتكاملية في المعرفة البشرية ، والتطور المتواصل في البحث العلمي ، وتراكماكتشافات الإنسان للطبيعة والقوانين - التي تتحكم بها - والفضاء من حولها ، لم يكنأن يتحقق شئ من ذلك ، لو لم يبتكر الإنسان الكتابة ، ويسجل بواسطتها المعارفوالخبرات والقوانين التي يكتشفها ، فيحفظها ويصنفها ويبقى على صلة مستمرة بها ،ينقحها ويصححها ويضيف إليها ، ومن ثم يسلمها لمن يخلفه من الأجيال اللاحقة ، لكيتستلهم منها ، وتتكئ عليها في كل خطوة تخطوها نحو التكامل .
ولذلك أضحتالكتابة منذ أن اعتمدها الإنسان القناة الأساسية لنقل المعرفة وحفظها ، والجسر الذيعبرت منه الحضارات ونتاجاتها نحو الزمن الآتي ، حيث يجري هضمها واستيعاب معطياتهاوإعادة تركيبها وتكييفها في ضوء متطلبات الواقع المتجدد .
قد كانت الكتابة رمزاللتفكير ، وشفرة للحضارة ، فالشعوب التي لم تكتشف الكتابة حتى وقت متأخر من حياتها، انخفض إسهامها في حركة التطور والاكتشاف ، لأن التطور يقوم على التراكم المعرفي ،ولا سبيل لتجميع وحفظ وتراكم المعارف من دون كتابة . من هنا اتفق الباحثون فيالتأريخ القديم على أن " ظهور الكتابة هو الحد الذي يعين بداية التأريخ ، تلكالبداية التي يتراجع عهدها كلما اتسعت معارف الإنسان بآثار الأولين " (1) .

(1) عبد الجبار الرفاعي ، تأريخ ظهور الكتابة والورق والطباعة ، ص 118
ويظل الشعب الذي احتضن التجربة الأولى للكتابة ، هوالشعب الشاهد على بداية التأريخ ، والمحقق لأعظم إنجاز عرفته البشرية في وقت مبكرمن عصورها التاريخية . ولئن كان أول من ترك لنا تراثا مهما مكتوبا هم السومريون ،كما يذهب معظم الباحثين في تأريخ ظهور الكتابة أو غيرهم ، فإننا يمكن أن نقول بوضوح : بأن أول من كتب هو أول من وعى الحياة وعيا آخر لم يشهده من سبقه ، وبتعبير آخر :
إن الوعي الحقيقي بالتأريخ تشكل مع اكتشاف الإنسان للكتابة، بينما كان الإنسان قبل ذلك يعيش انقطاعا عن أمسه ، لكن الكتابة استدعت التاريخفجعلته حاضرا بين يديه ، ولم يعد الماضي غائبا عن الذاكرة ، وإنما صار الزمان بساطاواحدا ممتدا ، بعد أن حولت الكتابة ماضيه إلى حاضر .
3- ظهور الكتابة والمكتبات

ذهب الكثير من الباحثين إلى أنالسومريين هم أول من ترك لنا تراثا واسعا مكتوبا ، بل انتهى معظم الباحثين إلى أنالكتابة ظهرت في الحضارة السومرية ، واستعملت على نطاق واسع ، فقد " عرفت الحضارةالعراقية الوركاء (أوروك تقع في جنوب شرقي السماوة) ، وقبل أية منطقة في العالمأصول التدوين ، وذلك قبل أكثر من خمسة آلاف سنة ، حيث عثر في الطبقة الرابعة " ب " من المدينة المذكورة وفي أحد معابدها على أكثر من ألف رقيم طيني ، تتضمن وثائقاقتصادية بأقدم أنواع الكتابة وبأبسط أشكالها ، وهي الكتابة الصورية Pictographic وذلك في حدود 3500 ق . م في العصر المسمى (الشبيه بالكتابي protoliterate) ، ويشملهذا الدور النصف الثاني من عصر الوركاء وعصر جمدة نصر"(1) .
وقد بدأت الكتابة عند السومريين باستخدام الإشارات التصويرية ، " ففي ذلك الوقت كانالسومريون يستعملون نحو 2000 إشارة تصويرية ،إلا أن هذا العدد أخذ يقل تدريجيانتيجة لتزايد ارتباط الإشارات بالأصوات حتى وصل عددها إلى 500 - 600 إشارة خلالالألف الثانية قبل الميلاد " (2) .
(1)عبد الجبار الرفاعي ، نفس المرجع ، ص 119
(2) د . الكندر . تأريخ الكتاب . ترجمة : د . محمد الأرناؤوط . الكويت : مجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 1993 م ، ق 1 : ص 13 .
ثم تطورت هذه الكتابة إلى الكتابة المسماريةالمعروفة لدى السومريين ، حيث " ظلت الكتابة المسمارية مستعملة في التدوين حتى بعدانتهاء آخر الأدوار الحضارية في العراق وسقوط بابل في عام 539 ق . م ، وقد وصلتإلينا رقم طينية من الفترات المتأخرة . ..
ويظهر أن الخط بقي مستخدما من قبلالكهنة في تدوين ملاحظاتهم حول الفلك إلى سنة 50 ميلادية ، إذ حصلنا على نص فلكي منهذا التأريخ معروض حاليا في المتحف العراقي : وبهذا فإن الكتابة المسمارية بقيتمستعملة في التدوين عبر مسيرة من الزمن تنوف على ثلاثة آلاف سنة " (1) .
ولم يقتصر استخدام الخط المسماري على اللغة السومرية ، وإنما استخدم أيضافي اللغة الأكادية ، التي تفرعت إلى لهجتين هما اللهجة البابلية التي تفرعت بدورهاإلى لهجات ، واللهجة الآشورية التي تفرعت إلى لهجات أيضا(2) .
لقد انتشرت المكتبات في وادي الرافدين القديم ، بفضل ظهور الكتابة وازدهارها هناك " فلم يحل عام 2700 ق . م حتى كان عدد كبير من دور الكتب العظيمة قد أنشئ في المدنالسومرية ، فقد كشف (ده سرزاك) في مدينة (تلو) مثلا وفي أنقاض عمائر معاصرة لعهدجوديا ، مجموعة مؤلفة من ثلاثين ألف لوح ، موضوعة بعضها فوق بعض في نظام أنيق منطقيدقيق " (3) .
وفي فترة لاحقة ورث البابليون عن السومريين ظاهرةالكتابة والاهتمام بالتدوين ، حيث تركوا إنتاجا كتابيا ضخما ، وقد أكد بعض الباحثين " أن عدد الرقم الطينية البابلية التي تم اكتشافها حتى الآن يتجاوز 600 ألف رقم تتضمن مختلف الموضوعات " (4) .
وحين نتابعالمكتشفات الأثرية في بلدان الشرق القديم ، في بلاد فارس وبلاد الشام ووادي النيلوالجزيرة العربية ،نجد أن الحضارات القديمة التي توطنت في هذه البلاد ،في الفترة الموازية لازدهار الكتابة وشيوعها في وادي الرافدين ، كانت قد اهتمتبالكتابة ، وحاولت تدوين فنونها وآدابها وعقائدها الدينية ، كما تؤكد ذلك الألواحوالرقم القديمة المكتشفة في مدنها الأثرية .

(1)إسماعيل ، د . بهيجة خليل . الكتابة . في حضارة العراق 1 / 228 . بغداد : 1985 م.
(2) نفس المرجع . ص 229 .
(3) عبد الجبار الرفاعي. مصدر سابق ص 118.
(4) عبد الجبار الرفاعي . مصدر سابق . ص 119 .

وبذلك أصبحت الكتابة من أبرز الفنونالتي توارثها الإنسان ، وسعى إلى تطويرها وتيسيرها ، وتهيئة مستلزماتها الأساسية ،حتى أسهمت الإنسانية جميعا في المشاركة بهذا الإرث الحضاري الكبير ، ففي حين تولدالكتابة بين يدي أمة من الأمم ، ومن ثم ينتشر ويعمم استخدامها لدى الأمم الأخرى ،تكتشف أمة أخرى تعيش في أقصى الأرض (الصين) صناعة الورق ، الذي هو أهم عنصر فيالكتابة ، فيكون اكتشافها هذا منعطفا جديدا في تأريخ الكتابة وتقدم وسائلها ، ثمبعد عدة قرون أخرى تكتشف الطباعة ، تلك الوسيلة الأهم التي مثلت أحد أبرز المنعطفاتالكبرى ، بعد اكتشاف الكتابة ، وصناعة الورق ، في تأريخ الكتابة والكتاب ، حيث أضحتأهم وسيلة للتواصل الفكري ، والتنمية الثقافية والتقدم العلمي . فبعد أن كانت عمليةنقل المعارف زمانيا ومكانيا تتم من خلال الكتابة والنسخ باليد ، استبدلت اليدبالآلة وصار تكثير الكتاب واستنساخه من أيسر الأعمال ، وتم الاستغناء عن أعدادغفيرة من النساخ ، وتعويضهم بآلة طباعة واحدة ، تتدفق منها آلاف الصفحات في وقتمحدود .
إن الكتابة إرث حضاري إنساني ، اشتركت كل الأمم في تطويرها وتقنين أساليبها، وتبسيط عملية الاستفادة منها ، وإن كان السومريون هم مكتشفوهاالأوائل بصورتها التي استخدمت في التدوين الواسع،والصينيون هم مكتشفو صناعة أهم وسائلها (الورق) ، والألمان أو غيرهم - كما سيأتي - هم مكتشفو أسهل طريقة لنشرها وتعميمها )الطباعة (
من هنا لا يصح أن يختزلأحد هذا التأريخ الطويل لتطور الكتابة ووسائلها عبر آلاف السنين ، ويتجاهل الإسهامالأعظم للشرق في اكتشاف الكتابة وابتكار أدواتها ، وكيف أن هذه الاكتشافات أصبحتمفتاحا بل شرطا أساسيا للتراكم المعرفي ، والتقدم الإنساني الذي حققته ، أو ماتحققه البشرية في ماضيها وحاضرها كما يزعم بعض الباحثين الغربيين ، حين يتناسونالإنجازات الكبرى في تاريخ الحضارة ، التي اضطلع بها الشرق ، فيحسبون التأريخ بدأباليونان وانتهى بأوروبا الحديثة ، فيما تنفي أبرز الإنجازات التي تراكمت منذ آلافالسنين خارج التأريخ .
وهكذا فإن نشأة الكتابة وابتكار رموزها لم تكن وليدة لحظة محدودة ، بل سبق إلى ذلك تجارب وتمارين عديدة أملتها ظروف الحياة ومتطلباتها آنذاك ، وسعياً من الإنسان في سبيل إيجاد وسيلة تعينه على تنظيم حياته اليومية وتعاملاته الاقتصادية المتزايدة، فإنه لم يجد بداً من ابتكار تلك الوسيلة، فكان أن تفتق ذهنه عن فكرة ذكية تمثلت باستخدام رموز صورية عديدة يدل رسمها على أشياء محدودة ومعلومة في لغاتهم ويستطيع من أوتي إلى ذلك سبيلان قراءتها والعودة إليها حينما يشاء .

الفصل الثاني :
1- مرحلة ما قبل الأبجدية:
هي مرحلة البدايات الأولى للكتابة، ومن أهم خصائص الكتابة خلال هذه المرحلة أنها كتابة بدأت تصويرية، أي تصوير الأشياء المادية لتدل على المعاني المعنوية، وفي فترة لاحقة من تاريخ هذا النوع من الكتابة جردت الرموز الكتابية من السمة التصويرية وأصبحت كتابة رمزية، ذات أصوات مقطعية . ويمثل مرحلة ما قبل الأبجدية
1-1- الخط المسماري
في الجزء الجنوبي من بلاد الرافدين ، وتحديداً في مدينة أوروك ، أخترع السومريون في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد نظاماً للكتابة يعتمد في الأساس على الصورة ، أي تصوير الأشياء المادية لتدل على المعاني المعنوية، كأن يرسم الكاتب قرص الخبز للدلالة عليه، أو قرص الخبز وأمامه فم إنسان للدلالة على الأكل ، أو سنبلة القمح للدلالة على القمح والشعير .
وأول هذه المخطوطات اللوحية ترجع لسنة 3000ق.م. وهذه الكتابة تسبق ظهور الأبجدية منذ 1500 سنة. وظلت سائدة حتى القرن الأول ميلادي. و تم اختراع الكتابة التصويرية في بلاد ما بين النهرين قبل العام 3000 قبل الميلاد في العراق وسوريا حيث كانت تدون بالنقش على ألواح من الطين أو المعادن أو الشمع وغيرها من المواد. و تطورت الكتابة من استعمال الصور إلى استعمال الأنماط المنحوتة بالمسامير والتي تعرف بالكتابة المسمارية. وأول كتابة تم التعرف عليها هي الكتابة السومرية والتي لا تمت بصلة إلى أي لغة معاصرة.
وفي حوالي 2700-2800 قبل الميلاد حدث تطور على نظام الكتابة المسمارية فقدت على إثره الرموز سمتها التصويرية إلى سمة تجريدية، فلم تعد الصورة الواقعية هي الأساس في نقل المعاني وتوارثها بل ابتعدت عن شكلها التصويري إلى شكل رمزي مجرد من واقع الأشياء المراد كتابتها، وفي هذه الأثناء أيضا أصبحت الرموز المجردة تدل على أصوات محددة في اللغة السومرية ، وذات سمة مقطعية، أي أن يشترك في الرمز الواحد أكثر من صوت . وهذه المساعي الحثيثة لتطوير أسلوب الكتابة أتاحت في حوالي عام 2000قبل الميلاد اختزال الرموز المعبرة عن أصوات اللغة إلى حوالي 500 رمز، بعد أن كانت قبل ذلك تزيد على ألفي رمز تصويري . ونتيجة لاستخدام السومريون أسافين( مسامير) ذات رؤوس حادة لرسم رموز خطهم على ألواح من الطين الرطب، فقد اتخذت شكلاً يشابه المسامير، وهذا هو السبب في تسميته باسم الخط المسماري.
لم يقتصر استخدام الخط المسماري على السومريين وحدهم، ولكنه سرعان ما انتشر أداةً للتعبير عن لغات متعددة في أرجاء متفرقة من الشرق القديم ، فبحلول عام 2400 قبل الميلاد كتب به اللغة الأكادية بفرعيها البابلي والآشوري، كما كُتبت به اللغة الإيبلاوية، والعيلامية والحثية.
وعلى الرغم من تلاشي الخط المسماري خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد ، إلا أنه ظل يستخدم على نطاق ضيق في جنوب بلاد الرافدين حتى القرن الأول الميلادي .
وتم فك رموز الخط المسماري في القرن التاسع عشر وبذلك تسنى للعلماء قراءة النصوص الإدارية والرياضية والتاريخية والفلكية والمدرسية والطلاسم والملاحم والرسائل والقواميس المسمارية. ويوجد حوالي 130000 لوح طيني من بلاد الرافدين في المتحف البريطاني من الحضارات القديمة ومملكة ماري السورية التي اكتشف فيها أكبر مكتبة في التاريخ القديم وبلاد الرافدين. وكانت الكتابة المسمارية لها قواعدها في سنة 3000 ق.م. إبان العصر السومري حيث انتشر استعمالها. فدون السومريون بها السجلات الرسمية وأعمال وتاريخ الملوك والأمراء والشؤون الحياتية العامة كالمعاملات التجارية والأحوال الشخصية والمراسلات والآداب والأساطير و النصوص المسمارية القديمة و الشؤون الدينية والعبادات . وأيام حكم الملك حمورابي (1728 – 1686ق.م.) وضع شريعة واحدة تسري أحكامها في جميع أنحاء مملكة بابل. وهذه الشريعة عرفت بشريعة حمورابي الذي كان يضم القانون المدني والأحوال الشخصية وقانون العقوبات .وفي عصره دونت العلوم . فانتقلت الحضارة من بلاد الرافدين في العصر البابلي القديم إلى جميع أنحاء المشرق وإلى أطراف العالم القديم. وكان الملك آشوربانيبال (668-626ق.م.) من أكثر ملوك العهد الآشوري ثقافة. فجمع الكتب من أنحاء البلاد وخزنها في دار كتب قومية خاصة شيّدها في عاصمته نينوى بالعراق. و جمع فيها كل الألواح الطينية التي دونت فوقها العلوم والمعارف . وكان البابليون والسومريون والآشوريون في العراق و سوريا يصنعون من عجينة الصلصال Kaolin (مسحوق الكاولين) ألواحهم الطينية الشهيرة التي كانوا يكتبون عليها بآلة مدببة من البوص بلغتهم السومرية. فيخدشون بها اللوح وهو لين. بعدها تحرق هذه الألواح لتتصلب.
و الكتابة في أوروبا بدأت على شكل صور تعبر عن الحياة اليومية ، كبعض النقوش والصور التي عمرها 35000 سنة كما وجدت في كهوف " لاسكو " في فرنسا و " التميرا " في إسبانيا . وكانت لغة مصورة في شكلها البدائي . . وقد كانت الكتابة في بداية عهدها عبارة عن صور توحي تماما بما رسم فيها . ثم تطورت إلى صور رمزية توحي بمعنى معين . وكانت هذه الرموز يصعب فهم العامة لها . فلجئوا إلى استعمال رموز توحي بأصوات معينة ، وهذه الرموز الصوتية كانت خطوة أساسية في نشوء الأبجدية وفي تطوير الكتابة فيما بعد .
2-1-الخط الهيروغليفي تمكن سكان وادي النيل(مصر) في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد( 3100ق.م) من اختراع أسلوب آخر للكتابة يسمى الخط الهيروغليفي ، وهي كلمة يونانية أطلقها الإغريق سنة 300 قبل الميلاد على الكتابة المصرية، وتتكون من مقطعين الأول ( هيرو) ويفيد معنى "مقدس" ، والثاني (غليف) ويعني" حفر ونقش"، وعليه فالكلمة بمقطعيها تعني "النقش المقدس".
والخط الهيروغليفي مثله مثل الخط المسماري منقول عن البيئة، فهو يعتمد على تصوير الأشياء المادية لتعبر عن المعاني، فصورة الإنسان تعبر عن الإنسان، والحيوان عن الحيوان، وموجة الماء تعبر عن الماء نفسه. وتحتوي الكتابة الهيروغليفية على رموز تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
· رمز المعنى: ويعني الأشياء المصورة نفسها، أو شيئاً آخر متعلقاً بها، كأن يرسم الكاتب قرص الشمس ، فإن كان المقصود به الشيء المصور نفسه ، أصبح يفيد معنى الشمس"، وإن قصد به شيء متعلق به، أصبح يعني " اليوم، أو النهار" . وتُميز رموز المعاني برسم خط عمودي أسفلها أو جانبها، وذلك للتفريق بينها وبين رموز الأصوات.
· رمز الصوت: وهي علامة تصويرية، أو رموز هجائية يقصد منها أصواتها لا معانيها .
· مخصص المعنى: وهو علامة تصويرية تضاف في آخر الكلمة ولا تنطق، والغرض من رسمها تحديد المعنى، كأن يرسم قرص الشمس في نهاية الكلمات المتعلقة بالشروق ، والظل، واليوم،...الخ ، لتقريب المعنى وتحديده.
ظهرت اللغة الهيروغليفيةhieroglyphs لأول مرة في مخطوط رسمي مابين عامي 3300 ق.م. و3200 ق.م. وكان يسمي هيروغليفي.
وفي هذا المخطوط استخدمت الرموز فيه لتعبر عن أصوات أولية. وأخذت الهيروغليفية صورها من الصور الشائعة في البيئة المصرية. وكانت تضم الأعداد والأسماء وبعض السلع. وفي عصر الفراعنة استعملت الهيروغليفية لنقش أو زخرفة النصوص الدينية علي جدران القصور والمعابد والمقابر وسطح التماثيل والألواح الحجرية المنقوشة والألواح الخشبية الملونة. وظلت الهيروغليفية ككتابة متداولة حتى القرن الرابع ميلادي. وظهرت الهيراطيقية Hieratic كنوع من الكتابة لدي قدماء المصريين. وهي مشتقة من الهيروغليفية . لكنها مبسطة ومختصرة . وهي مؤهلة للكتابة السريعة للخطابات والوثائق الإدارية والقانونية. وكانت هذه الوثائق تكتب بالحبر علي ورق البردي. وظلت هذه اللغة سائدة بمصر حتى القرن السابع ق.م. بعدما حلت اللغة الديموطقية محلها
1-2-1- الحجر الرشيد :
لم يكن هناك وقبل بدايات القرن الثامن عشر من يعرف الرموز الهيروغليفية المصرية ، وفي عام 1977 في شمال مصر اكتشف الجنود الفرنسيون حجرا كتب عليه نفس النص بثلاثة لغات قديمة هي:الإغريقية ، والرموز الهيروغليفية ، والكتابة المحلية المصرية . واكتشف العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبولين في عام 1824م باستعمال هذا الحجر كيفية ترجمة الهيروغليفية ، فقد كانت الأسماء الملكية في النص الإغريقي مع ما اعتقده بأنها الأسماء الملكية في الهيروغليفية ، وبعدها تمكن من معرفة معاني الرموز الأخرى .
2- مرحلة الأبجدية:
إن طريقة الكتابة التصويرية والمقطعية المتمثلة في الخط المسماري والهيروغليفي التي تتطلب الكتابة بهما إتقان مئات من الرموز لم تكن تواكب متطلبات العصور اللاحقة، لذلك لجأ الإنسان في مناطق متفرقة من الشرق الأوسط مستنيراً بتجارب طويلة إلى اختراع كتابة هجائية( ألفبائية) مختزلة يُمثل فيها كل رمز(حرف) صوتاً محدداً وقائماً بذاته. ويتمثل هذا النوع من الكتابة في الخطوط السامية الشمالية والجنوبية وفروعهما المختلفة، وكذا في الكتابة اليونانية واللاتينية وما تفرع منهما، وهي على النحو التالي :
1-2-الأبجدية السينائية
في حوالي القرن الرابع عشر قبل الميلاد تمكن مجموعة من الكنعانيين العاملين في مناجم الفيروز والنحاس في صحراء سيناء من ابتكار هجائية جديدة تعتمد على رموز(حروف) أغلبها مشتقة من الخط الهيروغليفي ( المصري القديم) ، حيث أضحى كل رمز من رموزها يؤدي صوتاً معيناً فصوت الألف له رمز خاص به، والباء له رمز قائم بذاته، وهكذا مع بقية الحروف حتى اكتملت أصوات لغتهم .
2-2-الأبجدية الأوغاريتية
سميت الأبجدية الأوغاريتية نسبة إلى موطن اكتشافها في مدينة أوغاريت رأس شمرة حالياً) في شمال سوريا، فقد تمكن سكان هذه المدينة في حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد من اختراع نظام جديد للكتابة، يمثل أبجدية هجائية، أي أن يكون لكل صوت من أصوات اللغة رمز واحد فقط. وعلى هذا النحو استعار الأوغاريتيون رموز الخط المسماري، واستطاعوا أن يكتبوا لغتهم بثلاثين حرفاً أبجدياً ، يؤدي فيها كل حرف صوتاً محدداً من أصوات لغتهم.
3-2- الخط الكنعاني
عاش الكنعانيون قديمًا في فلسطين، واستطاعوا أن يبتكروا نظامًا للحروف يحتوي على نحو اثنتين وثلاثين علامة مشتقة من الهيروغليفية، وانتقلت هذه الحروف من الكنعانيين إلى اليونانيين، ثم انتشرت في البلاد المحيطة باليونان.
4-2- الخط الفينيقي
يتألف الخط الفينيقي من اثنين وعشرين حرفاً ساكناً، ويعود تاريخ أقدم شواهده إلى القرن العاشر قبل الميلاد. وقد انتشر في مستوطنات الشعب الفينيقي في لبنان وأجزاء من سوريا وفلسطين.
وتتميز الكتابة الفينيقية بأنها تكتب من اليمين إلى اليسار ،وتطرح حروف المد ( الواو، والياء ، والألف ) من رسم كتابتها، كما يفصل بين كلمات نصوصها المبكرة بخط عمودي ، أو نقطتين مترادفتين.
5-2- الخط الآرامي
الأبجدية الآرامية العتيقة كانت أبجدية من أصل فينيقي كتب بها الآراميون في سورياثم استعملتها الإمبراطورية الفارسية، فأصبحت لغة الإدارة وأخيرا لغة الشعب في كلالشام والعراق.
6-2- الخط العبري
تعود أقدم شواهد الخط العبري إلى حوالي القرن التاسع الميلاد، وملامحه الخطية تنبئ بما لا يدع مجالاً للشك- عن أن العبرانيين تعلموا الخط من الفينيقيين سكان بلاد الشام وفلسطين بعد أن حوروا في رسم بعض أشكال حروفه.
ويتكون الخط العبري من اثنين وعشرين حرفاً ساكناً ، ويكتب من اليمين إلى اليسار.
7-2- الخط البوني
وهو فرع متطور من الخط الفينيقي، انتشر استخدامه في المستوطنات الفينيقية في شمال أفريقيا، وعثر على شواهد من نقوشه في تونس، وإسبانيا، وإيطاليا، ومالطا.
وتعود أقدم كتابة بالخط البوني إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وبقي يستخدم حتى القرن الثالث الميلادي .
8-2- لخط المؤابي
يسمى هذا الخط باسم الخط المؤابي، وذلك نسبة إلى القبائل المؤابية التي استوطنت المنطقة الواقعة شرق البحر الميت ومابين وادي الحسا ووادي الموجب في المملكة الأردنية الهاشمية، وتمكنت منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد من تأسيس مملكة قوية يُعد ملكها ( مِيشَع) من أبرز حكامها .
والخط المؤابي أصله مشتق من الخط الفينيقي، وذلك في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وهو يتكون من اثنين وعشرين حرفاً، ويكتب من اليمين إلى اليسار، ولا أثر لكتابة الحروف المتحركة( الواو، والياء، والألف) في رسمه.
9-2- الخط العموني
هو خط القبائل العمونية التي استوطنت المنطقة الواقعة شمالي الأردن منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وتمكنت في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد من تأسيس مملكة قوية ذات كيان سياسي واجتماعي وديني مستقل، وقد اتخذت من ربة عمون( عمّان حالياً) حاضرة لها.
وكتبت القبائل العمونية موروثها اللغوي بخط يتكون من اثنين وعشرين حرفاً ساكناً، كلها متفرعة عن الخط الفينيقي ومتطورة عنه.
10-2- الخط اليوناني
يقول المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ما نصه:" قدم الفينيقيون بزعامة شخص يدعى ( قادم) إلى بلاد اليونان.....، وجلبوا معهم علوماً وفنوناً كثيرة إلى بلاد اليونان ، من بينها الخط الذي أخذه اليونانيون عنهم ، وتعلموه منهم"، وهذه الرواية التاريخية تتفق أيضا مع نتائج الدراسات العلمية الحديثة التي أثبتت أن الخط اليوناني مشتق من الخط الفينيقي وذلك في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد.
ونظراً لأن اللغة اليونانية القديمة تختلف تماماً عن لغة الخط الفينيقي السامية، فقد أدخل اليونانيون تغييرات على خطهم المنقول من الخط الفينيقي حيث أضافوا إليه حروف المدّ ( الواو ، والألف ، والياء ) وغيروا أصوات الحروف لتتناسب مع أصوات لغتهم اليونانية .
11-2- الخط اللاتيني
يعود أقدم نقش مكتوب بالخط اللاتيني إلى حوالي القرن السادس قبل الميلاد، والخط اللاتيني الذي
تكتب بع شعوب أوروبا الغربية ودولها حتى اليوم متفرع من الخط اليوناني ومتطور عنه.
ويتميز الخط اللاتيني في مراحله المبكرة بأنه يكتب من اليمين إلى اليسار، أما أسلوب كتابته من اليسار إلى اليمين الذي اعتادت الشعوب الأوروبية المعاصرة الكتابة بع فتعود أقدم شواهده إلى القرن الرابع قبل الميلاد
12-2- الخط الثمودي
طوال مدة تربو على ألف ومائتي عام قبل الإسلام كتب سكان شمال الجزيرة العربية لغتهم العربية بخط اصطلح الدارسون على تسميته باسم " الخط الثمودي" وذلك نسبة لقوم ثمود الذي أشارت المصادر إلى استيطانهم في أماكن متفرقة من شمال الجزيرة العربية . ويحتوي قلم الخط الثمودي الذي تعود أقدم شواهده- المعروفة حتى الآن- إلى القرن السادس قبل الميلاد على تسعة وعشرين حرفاً، كل واحد منها يمثل صوتاً ساكناً من أصوات اللغة.
ومما يتضح من خلال رسم حروف الخط الثمودي أن فكرته الأساسية مستمدة من أبجديات نهاية النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد التي انتشرت في بلاد الشام ومصر ( الأوغاريتية، والسينائية، ...الخ )، فعلى ضوء تلك الأبجديات الهجائية تمكن سكان شمال الجزيرة العربية من ابتكار رموز مجردة ( حروف) تتناسب مع أصوات لغتهم العربية وتفي بأغراضها.
ويتركز استخدام الخط الثمودي في شمال الجزيرة العربية، كما عُثر على شواهد نقوشه مكتوبة على صفحات الجبال على امتداد الطريق التجاري القديم الذي يمتد من أقصى جنوب بلاد العرب إلى أقصى شمالها وكذلك في أنحاء متفرقة من مصر . في نهاية الموضوع سيكون هناك في المرفقات صور بأنواع الخطوط




0 التعليقات:

أرسل أسئلتك في رسالة الآن هنا

http://abdenour-hadji.blogspot.com/

قناتي على اليوتوب

أعلن معنا... إعلانات الآن هنا ...


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More