حقائق عن هجوم 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني
ما إن أشارت عقارب الساعة منتصف النهار من يوم السبت الموافق ل 20 أوت 1955 حتى انطلقت مدوية أكثر من 39 عملية هجوم عبر كامل مناطق الشمال القسنطيني وتحولت مدينة سكيكدة عن آخرها مع مدن سمندو –زيغود يوسف – الحروش –القل – وعين عبيد – وسيدي مزغيش وعزابة..... وغيرها إلى فريسة صيد انقض عليها ثوارنا البواسل بقيادة الشهيد البطل زيغود يوسف بما في نفوسهم من ايمان لا يتزعزع وما في حوزتهم من أسلحة جد تقليدية و أدوات تخريب محدودة تمثلت في القارورات المعدنية و الكبريت والخناجر والفؤوس وكميات قليلة من البنزين .. ساعدت هذه المواد في بساطة تركيبها نسبيا على انجاح استراتيجية الهجومات التي شلت أركان الاستعمار و خططه الجهنمية بفضل إرادة التنفيذ المحكمة للمجاهدين من جهة وفككت تعزيزات القوات الاستعمارية الضخمة المركزة على الولاية الأولى ( أوراس النمامشة) من جهة ثانية ، كما زادت من نفس الكفاح المسلح ووسعت دائرة انتشار العمليات الحربية لجيش التحرير الوطني في كل أرجاء الجزائر ممزقة في ذلك الحلم الاستعماري القاصي باجهاض الثورة الجزائرية في المهد وفصلها بأي حال عن إلتفات الجماهير الشعبية حولها.
وتتضمن هجومات 20 أوت 1955 ، حقائق صارخة من وحي ذلك اليوم المشهود، عهدنا إلى تسجيل وقائعها التي تكاد تتلاشى من ذاكرة أولئك المجاهدين الذين اقتحموا أسوار المدن في عز النهار بسلاح أمضى ما فيه ايمان بعدالة القضية وعزم دافع على تلقين الاستعمار و أذنابه درسا آخر بعد عشرة أشهر من اندلاع الشرارة الأولى لثورة غرة نوفمبر 1954.
وقبل الدخول في تفاصيل الهجوم بودنا الاشارة إلى المكان الذي انطلقت منه عمليات التحضير الكثيفة لأحداث 20 أوت 1955 و هذا المكان يدعى (الحدائق) يبعد بأربعة كيلومترات عن مدينة سكيكدة التي تحده من الناحية الغربية ومدينة القل من الناحية الشرقية ومن الشمال عين زويت ويمتد جنوبا عبر سلسلة وادي بونطاطة.[1]
الثورة التحريرية تفرض نفسها داخليا وخارجيا:
شهدت الثورة التحريرية منذ اندلاعها ليلة أول نوفمبر 1954 تطورات سياسية و عسكرية أذهلت سلطات العدو التي كانت تحشد للمعركة باستمرار قوات صخمة لاجهاض الثورة.
ونجد من بين الأحداث البارزة خلال السنوات الأولى للثورة، حوادث 20 أوت 1955 التي وسعت من رقعة العمليات العسكرية في الشمال القسنطيني بقيادة البطل الشهيد زيغود يوسف و أصبح للقضية الجزائرية صدى واسعا في المحافل الدولية.
ففي منتصف نهار يوم 20 أوت 1955 ، قام المجاهدون بهجومات جماعية على المنشآت الاقتصادية والعسكرية للعدو.
ومن بين الأسلحة المستخدمة في عمليات الهجوم بنادق الصيد و أدوات تخريب جد محدودة متمثلة في الخناجر و لافؤوس و كميات هامة من البنزين ، ساعدت مختلف هذه الأدوات على شل أركان العدو واحداث الهلع و الفزع وسط المعمرين و الأقليات الموجودة في المدن الخاصة.
ومقابل هذا النتصار الرائع لجنود جيش التحرير الوطني اضطرت القيادة العسكرية الفرنسية إلى تغيير خططها وبرامجها لمواجهة المجاهدين ، فراحت ترتكب المجازر الرهيبة في حق أبناء الشعب الجزائري ، من أجل ايقاف المدالثوري وفصل الجماهير الشعبية عن الالتفاف حول جيش التحرير الوطني و بالرغم من الأعمال الاجرامية التي ارتكبها الجيش الاستعماري منها خاصة الابادة الجماعية للسكان على مدى أسبوع كامل فإن الثورة التحريرية من جهتها فقد فرضت في الميدان واقعا معاكسا تماما لأحلام الاستعمار.
تعود الاستعدادات لتحضير هجومات 20 أوت إلى شهر جوان 1955 حيث تمكن القائد زيغود يوسف من الاجتماع بضباط المنطقة و ذلك في جبل الزمان من أجل ضبط قائمة الوسائل المادية التي يمكن استخدامها في تنفيذ عملية الهجوم، و بدأت مرحلة التجنيد و التعبئة في أوساط المدنيين إلى جانب جمع الاسلحة وكل المعدات التي من شأنها التأثير على منشآت العدو وتحصيناته
[2]
انتفاضة 20 أوت 1955 كما وصفها و خطط لها زيغود يوسف :
إن تسليط الضوء على مجريات ووقاءع حوادث 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني (الولاية الثانية) يكشف من حين لآخر جملة من الحقائق التريخية البالغة الأهمية في الزمان والمكان بعد مرور ما يقارب أربعة عقود على مضي هذه الانتفاضة كما كان يسميها البطل الشهيد زيغود يوسف.
وفيمايلي ندرج شهادة المجاهد أحمد هبهوب أحد اطارات الولاية الثانية الذي استطاع أن يحتفظ بما جرى في الجلسة الثلاثية الخاصة وكل ما تعلق بدراسة خطة هجومات 20 أوت 1955 و ذلك بجبل الزمان (الحدائق حاليا).
يقول بعد أن مكثنا بالمكان حوالي أربعة أيام تركنا الجيش تحت قيادة السيد الأخضر بن طبال وغيره من المسؤولين ثم غادرنا المكان نحن الأربعة (زيغود يوسف،وبن عودة،محمد رواية،أحمد هبهوب ).
وبعد ذلك ودعنا الأخ محمد رواية و خرجنا نحن من الجبل و دخلنا إلى منزل أحد المواطنين الذي كان شاغرا و عقدنا الجلسة التي دامت حوالي أربع ساعات . افتتح زيغود يوسف – الذي كان جالسا أناذاك في مكان مرتفع و مستقبلا القبلة فوق حصير يجمعنا – الجلسة باسم جيش وجبهة التحريرالوطني الجزائرية، وذلك لأن الجيش في ذلك الوقت هو الأول في الترتيب القانوني ، ثم شرع في تلاوة خطة 20 أوت السياسية والعسكرية منها ، قائلا :" إن الساسة الفرنسيين وفي مقدمتهم المقيم العام في الجزائر -جاك سوستيل – يقومون الآن بحملة سياسة واسعة النطاق في الخارج، وفي إطار هيئة الأمم المتحدة نفسها أساسها أن الثورة الجزائرية مستوحاة من الخارج وليست نابعة من صميم الشعب الجزائري
".
بمعنى أن الخارجين عن القانون أو العصاة كما تزعم فرنسا انهم أجانب على هذا الشعب وليسوا نابعين من صلبه، أما الهدف الحقيقي من وراء هذه الدعابة الاستراتيجية الخبيثة هي غلق الأبةاب على ثورة شعبنا حتى لا يتسرب شعاعها إلى الخارج ويصبح خطرا عليها ، ثم القضاء على ثورة أمتنا إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
هذا بالنسبة للخارج أما بالنسبة للداخل فالسلطات العسكرية الفرنسية تضرب الآن طوقا محكما على منطقة الأوراس قصد احتلالها ثم القضاء على أكبر قاعدة عسكرية وسياسية للثورة هناك، وذلك لأنها وجدت شبه هدنة في الجهات الأخرى من القطر.
لذلك دعوتكم للحضور لكي أطرح أمامكم هذه الخطة للبحث والإثراء والتي أطلب منكم بعد ذلك الموافقة عليها بعد دراستها دراسة معمقة ، وهي أن شعبنا قد قدم في مدة قرن و خمسة وعشرين سنة خلت الملايين من الشهداء للحصول على استقلاله وسيادته الوطنية ، وهكذا فبعد أن تحطمت تلك الثورات كلها ولم تحقق له أي شيء يذكره ما عدا تسلسل الأحداث التاريخية ، وجاءت ثورتنا هذه كتتويج لما سبقها من الثورات والانتفاضات ، وضمنت له هذا الهدف هو مطالب الآن وفي منطقتنا هذه على الخصوص بتقديم ضريبة الدم التي لا شيء غيرها لانقاذ ثورته من الهلاك المحقق ، وقد حددت هذه الضريبة في عدد لا يتجاوز 5000 شهيد من أبناء المنطقة كما حددت تاريخ تنفيذ هذه الانتفاضة في 20 أوت 1955 على الساعة الثانية عشرة زوالا بالضبط.
أما المبادئ و الأهداف التي نصبو إلى تحقيقها بعد هذه الانتفاضة التاريخية إذا كتب لها النجاح هي:
1 /- فتح أبواب الثورة على مصراعيها أمام جميع المواطنين الجزائريين لدخول المعركة ، وبذلك تصبح ثورتنا ثورة مجموع الشعب كله بدلا من أن تبقى محدودة في مجموعات صغيرة من الرجال يمكن لي أن أقول بأنها لا تمثل إلا نفسها مثلما هي عليه.
2/- الضغط على القوات الفرنسية التي تضرب طوقا محكما على منطقة الأوراس وإجبارها على الانسحاب منها وتشتيت شملها وذلك حتى لا تترك المجال مفتوحا أمامها لتجميع قواها و القضاء على خلايا ثورتنا الحية خلية بعد خلية.
3/- تعبيرا من شعبنا على تضامنه و تكاتفه مع شقيقه الشعب المغربي بعد اعتقال ونفي عاهله ( الملك محمد الخامس) طبقا لمعاهدة التضامن والتنسيق المبرمة بيننا وبين التونسيين.
4/- القضاء المبرم وبصفة نهائية على الدعاية الفرنسية الزاعمة بأن ثورة الجزائر مستوحاة من الخارج وليست نابعة من صميم الشعب الجزائري .
وعن الكيفية التي سوف يتم بواسطتها نقل ضحايا الانتفاضة المقبلة قال العقيد زيغود يوسف ستنقل صور ضحايانا بواسطة الصحافة الأجنبية التي تجوب الآن جميع المدن الجزائرية، ومن بين هذه الصحف ربما حتى بعض الصحف الفرنسية الحرة، وذلك لأن المسألة مسألة ضمير قبل كل شيء ، هذا و أضاف قائلا : " عندما يشاهد العالم على صفحات الجرائد العالمية جثث النساء بردائهن الأسود والصبيان والعجائز ، والشيوخ متناثرة في الشوارع يصدر حكمه النهائي على فرنسا التي قالت و مازالت تقول بأن ما يجري داخل الجزائر هو مجرد تمرد أو عصيان مستوحى من الخارج[3]
أما الهدف الأسمى الذي نصبو إلى تحقيقه بعد هذه الانتفاضة التاريخية إذا كتب لها النجاح هو:
تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة و بذلك ستصبح ثورتنا كقضية دولية تمكن الجمعية المذكورة من مناقشتها في دورتها الخريفية المقبلة ثم اختزال عامين من عمر ثورتنا ، أي سبع سنوات ونصف بدلا من تسع سنوات ونصف عمر كل الثورات الكبيرة ، والتي قطعتها بتمانها و كمالها الثورة الفيتنامية و ذلك لأن هذه الأخيرة لم تسجل أو تطرق أبواب الجمعية العامة المذكورة إلا بعد عامين من اندلاعها.
بعد أن انتهى زيغود يوسف من دراسة الخطة الأولى و الأخيرة الخاصة بانتفاضة 20 أوت 1955 انتقل بعدها مباشرة إلى دراسة الخطة الثانية و الأخيرة في الترتيب ، والتي كانت تتعلق بمستقبل الثورة بعد سنوات من ذلك التاريخ ، وتتمثل هذه الأخيرة في الكيفية التي سيتم من خلالها تنظيم القثاعدة الشرقية التي استشهد قائدها (باجي مختار) بمزرعة دالي الشواف الموجودة بالقرب من قرية امجاز الصفافي شهر نوفمبر سنة1954.
إثر استشهاد هذا الرجل الفذ تفرقت الآراء و تصدعت الصفوف السيء الذي أدى بالمؤتمر إلى دراستها دراسة معمقة هذا وحول تنظيمها لتأمين نجاح الثورة قال زيغود يوسف أن نجاح ثورتنا مبني على أمن القاعدتين ( الشرقية والغربية) وسلامتهما، وهما بالنسبة إلى ثورتنا بمثابة فتحتين تتلقى من خلالهما في المستقبل الامدادات العسكرية من الشرق العربي ، وكما تعلمون أن شعبنا قد وضع تحت تصرفنا كل ما يملك من أموال قصد تسليحه ، وقد عاهدناه على ذلك لكن بعد سنتين ، وان لم نوف بعهدنا هذا في الأجل المحدد فمن حقه أن يستسلم للعدو ويرجع ضدنا.
أما فيما يخص القاعدتين من الجانب الاستراتيجي و التنظيمي و التمويلي قال زيغود يوسف بخصوص القاعدة الغربية أن الخط الرابط بينها وبين المشرق العربي مصدر تميل ثورتنا الرئيسي بواسطة المغرب الأقصى خط بحري و يصعب علينا مستقبال شحن الأسلحة و الذخيرة على طريق البحر لأنه محروس حراسة مشددة من طرف الأسطول الفرنسي و أساطيل الحلف الأطلسي لذلك فكل ما تتحصل عليه القاعدة الغربية من امدادات مستقبلا على طريق الخط المذكور فلا طمع لنا فيه.
أما بخصوص القاعدة الشرقية – قال زيغود يوسف- يتوقف مصير خمسة مناطق بلادنا الستة عليها بعد أن تفتح أبوابها في المستقبل و هي على التوالي:[4]
المنطقة الأولى (أوراس)، و الثانية ( الشمال القسنطيني )، والثالثة (القبائل) والرابعة (البليدة)،والخامسة (القطاع الوهراني)، وذلك لأن طريقها في مأمن لأنه متصل بالمشرق العربي برا.
أما عن تنظيم الجيش بالقاعدة الشرقية أضاف زيغود يوسف قائلا أن القاعدة الشرقية بالنسبة لثورتنا منطقة استراتيجية هامة وقواعد لحرب العصابات تحتم علينا معرفة الأرض ، لذلك قررت أن يكون تكوين الجيش من أبناء المنطقة ، أما إطاراته من جميع المستويات فسوف نختارهم من كل القطر الجزائري ، وذلك حتى نجنبها من الوقوع في الفوضى مستقبلا ، لأنه إذا بقينا مكتوفي الأيدي إزاء ما يجري بها الآن من أعمال تخريبية فستكون الكارثة محدقة بثورتنا مستقبلا.
أما عن الكيفية التي سيتم بواسطتها شحن الأسلحة والذخيرة الحربية إلى الجزائر قال زيغود يوسف بعد تنظيم المنطقة وتكوين الجيش يجب علينا أن نشرع في إقامة المخازن لتخزين الأسلحة والذخيرة داخل القاعدة ، كما استطرد قائلا عن مستقبل المنطقة والدور الذي ستلعبه في تحرير البلاد ، أننا قررنا أن يتم تحرير المنطقة بعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ ثم يأتي بعدها الشروع في وضع الخطة النهائية ، والتي ستكون حتما ألا وهي التحضير لعملية (ديان بيان فو) التي قال عنها بالحرف الواحد أن فرنسا قد تلقتها في حرب فيتنام و لابد أن تتلقى مثلها في الجزائر.
أما بالنسبة للمكان والزمان اللذين ستقع فيهما هذه العملية التاريخية فقد أجل الشهيد زيغود يوسف البحث فيهما والموافقة تكون رهن القيادة العليا للثورة.[5]
الوضع التنظيمي قبيل الهجوم العام:[6]
تزامنت عمليات هجوم 20 أوت 1955 مع حلول عيد الأضحى المبارك ، وفي تلك الأثناء شارك المجاهدون في عدة تجمعات بمشتى بوساطور مابين الحروش و سيدي مزغيش ، ولأول مرة قضى جنود جيش التحرير الوطني أيام العيد بعيدا عن أقاربهم وذويهم ، وهذا شيء لم يتعودوا عليه بسهولة في بداية الأمر ولم يغفل القائد زيغود يوسف هذه النقطة فقد أثارها خلال إشرافه على أحد التجمعات التي شارك فيها 115 ضابط وجندي، وبالمناسبة خطب زيغود يوسف في الجمع بلهجة ذكية معيدا لاذهان المجاهدين بأنه في العام الماضي 1954 قضى كل واحد هذه المناسبة السعيدة في منزله وبين أقاربه وذويه، أما بالنسبة لهذه السنة فان واجب الجهاد يفرض علينا التضحية ونكران الذات، وبهذه المناسبة أيضا بادر البطل زيغود يوسف إلى إهداء لباس عسكري جديد لأفراد جيش التحرير الوطني، وكانت هذه اللفتة الذكية من قبل قائد المنطقة تحمل مغزى كبيرا في نفوس المجاهدين الذين غمرتهم فرحة شديدة لا يضاهيها سوى قضاء مراسيم العيد بين الأهل والأقارب.
وفي الصباح الباكر من يوم الغد فوجئنا بمرور دورية ((للباس)) تضم حوالي 100 شخص يقودها ضابط برتبة ملازم، وفي تلك الاثناء وبمجرد خروج المجاهد بوقادوم (شهيد) كشفته الدورية المذكورة في الوقت الذي كانت فيه قوات جيش التحرير الوطني رابضة ببوساطور وعلى اتم الاستعداد للانقضاض على دورية الاستعمار، ورغم ذلك واصلت دورية الاستعمار طريقها دون ان تدخل معنا في مواجهة، ومن جهتنا اتخدنا جل احتياطاتنا حيث وضعنا في حسابنا احتمال قدوم قوات العدو، وهكذا فضلنا التمركز في موقعنا الى غاية منتصف الليل، وذلك نظرا لطبيعة الموقع المكشوف، وتحت جنح الليل امرنا القائد زيغود يوسف بالتحرك جماعيا وتغير المكان بالتوجه نحو مكان ثان اتضح فيما بعد بأنه جبل الزمان ((ضواحي الحدائق حاليا)) وأثناء سيرنا اتخذنا خطة تتمثل في السير صفا صفا على خط مستقيم متباعد شيئا ما ، ووصلنا بعد مسير مضن إلى جبل الخربة بنواحي سيدي مزغيش مع شروق الشمس وما ان بدأنا في التمركز حتى شعرنا بتحليق طائرات الهيلكوبتر على مرتفعات الجبل وظهور قوات العدو التي أطلقت النيران على قواتنا وتسببت بغتة في إلحاق خسائر بنا تمثلت في استشهاد (3) مجاهدين هم نفير محمود وزيادي عبد القادر وثالث (. . .)، ولم نتفطن لهذه المباغتة إلا بعد مرور أربع سيارات جيب حيث بلغنا الخبر فيها بعد وكم كان تأثر زيغود بالغا لوقع هذه الحادثة. وفي جبل الزمان انعقد الاجتماع التحضيري تحت قيادة زيغود يوسف بحضور إطارات المنطقة الثانية للشمال القسنطيني من بينهم معار بن عودة ولخضر بن طبال وعلي كافي وطلعة عمر (بوركايب) وصالح بوبنيدر (صوت العرب) وغيرهم، وتم في هذا اللقاء ضبط مختلف الترتيبات العملية في مجال التنظيم والتأطير والتموين والتعبئة الجماهيرية، وقد تم التركيز على عنصر التنظيم وعدم إفشاء أسرار الثورة وضرورة اليقظة التامة في مواجهة واقع الاستعمار الفرنسي.
وفي أوائل شهر أوت 1955 شرع في تعيين الأفواج المكلفة بعمليات الهجوم بحيث وزعت على الأماكن المعينة وتم تعيين المسؤول العسكري للفوج وهو وحده على علم ببعض الاجراءات والتوجيهات التي تتعلق بتعزيز جانب التنظيم إذ يقوم بآداء اليمين (القسم) متعهدا بالتزام ما كلف بتنفيذه.
وقبيل موعد الهجوم بأيام قلائل أجرينا آخر اتصال مع القائد زيغود وزيبوش وصالح بوبنيدر وعبد الحميد لساق وبعد أن قدم لنا توجيهات عملية أرفقنا بدليله ليوصلنا إلى مرتفعات جبل الزمان غير أنه نظر لتحركات قوات العدو ومراقبتها باستمرار للمواقع الجبلية فإنه بمجرد عودة دليل القائد زيغود الذي لا أتذكر اسمه سقط في كمين للعدو واستشهد على إثره.
وفي جبل السطيحة بنواحي سيدي مزغيش استقر بنا الحال وقضينا الليلة هناك (19 أوت 1955) رفقة المجاهد تكيلي محمد المدعو (شهيد 20 أوت ) في انتظار الساعة منتصف النهار من يوم الغد العشرين أوت الموعد المحدد لمهاجمة تحصينات العدو ومنشآته بقرية سيدي مزغيش وهذا بمشاركة جمع هام من المناضلين ممن سبق توعيتهم وتجنيدهم للقيام بالعملية.
مرحلة التنظيم ثم الهجوم:
يعود الفضل في تحقيق النتائج المرجوة من عمليات 20 أوت الهجومية بالدرجة الأولى لمدى التخطيط المحكم الذي سبق ساعات التنفيذ.
ذلك أنه شرع في التحضير المادي والبشري على مستوى مدينة سكيكدة مند 17 أوت 55 حسب ما أفاذنا به المجاهد به المجاهد (بوعافية محمد) الذي كان أحد المسؤولين العسكريين بالناحية الثانية من الولاية الثانية ، ومن ذلك أنه تم عقد أول اجتماع تحضيري ليلا في (بولمطامد) تحت اشراف مسؤول القسم عمر بوركايب و أربعة مجاهدين هم:[7]
- بوحجة يوسف (شهيد )/ مسؤول التنظيم.
- خلوط عبد الله(شهيد)/ مسؤول الاتصالات و الأخبار.
- بورغيدة مخاطر/مسؤول التموين.
- الطاهر الديموقراطي/ مسؤول التموين.
وقد عقد اجتماع ثاني طارئ في اليوم التالي(18 أوت) كان تحت إشراف مسؤول القسم في مكان يدعى (القهدي) وقد كنا في ذلك الوقت شبابا كلف كل منا بمهمة خاصة بحيث تكلفت شخصيا بالاشراف على 8 مجاهدين هم: حسن عواد- سعيود عيسى- لطرش عمر-برتك- بوعافية حسن-أوزطوط رابح.
وقد تمكنت من الدخول إلى مدينة سكيكدة مع هؤلاء المجاهدين مساء يوم 18 أوت وبالمدينة تفرق المجاهدون كل واحد قضى الليلة عند أحد أقاربه بينما خرجت بمفردي في منتصف ليلة 19 أوت بعد أن أمرت الجنود بتنفيذ عملية الهجوم على ثكنة (مانجا) ، لكنه لسوء الحظ، فقبل تنفيذ العملية بوقت قصير اكتشفت دورية من الجيش الفرنسي الخظة أثناء مرور (علي مسيمرا) بشاحنته التي كانت على متنها كمية من الأسلحة التقليدية بما فيها الزجاجات المملوءة بالبنزين التي تسبب عند انفجارها لهيبا وخسائر شبيهة بتلك التي تلحقها قنابل (المولوتوف) – وبمجرد معرفة هوية صاحب الشاحنة اطلقت عيارات نارية في مواجهة الشاحنة التي كان يقودها فسقط على الفور المجاهد (علي مسيمرا) شهيدا، وفي تلك الأثناء أصبح ميدان تنفيذ العمليات مكشوفا واستشهد على إثر ذلك المجاهدين: سعيود عيسى – عمر لطرش- حسن عواد-بترك....
ونظرا لما للجانب التنظيمي من أهمية في تحقيق الانتصار الساحق على الأعداء ، خصوصا بالنسبة لحدث يكتسي مغزى سياسيا استراتيجيا و هذا ما حدث بالفعل في هجومات 20 أوت التي اكتسحت المكان والزمان في وقت واحد ونالت الطريقثة التي نفذت بها العمليات المختلفة دهشة الأعداء أولئك الذين كان بيدهم زمام المراقبة و التوجيه !؟
في لقاء مع أحد المخططين والمنظمين لهجوم 20 أوت في مدينة سكيكدة سجلت هذه المعلومات البسيطة التي تسلط الضوء على كثافة الاتصالات والاجتماعات الدورية التي كان يعقدها المسؤولون لبلوغ ساعة تنفيذ العمليات:
فالتحضيرات بدأت حثيثة مند شهر جويلية ووقع فرز في أوساط الأشخاص الذين لهم عائلات و أولاد و كذا الشأن بالنسبة للقادرين صحيا على القيام بالعمل الموكل إليهم وبين العجزة غير القادرين على تحمل أي مسؤولية كالشيوخ و الأطفال وغيرهم . وكان لوصيف بوقرة (شهيد) الموجه الأول الذي أمر كل الناس القادرين على التجنيد بالاقامة في بيوتهم حتى تسهل مناداتهم ساعة التجمع و طلب بإلحاح بأن يتم كل شيء في سرية تامة . وقد كنا نلتقي مع بعضنا في مشتة لحضاير و بالتحديد في دار بلقاسم بن عبد الله حجاص التي كانت شاغرة والتي لم تنجح من انتقام السلطات الاستعمارية التي تعمدت إلى احراقها مباشرة عقب هجومات 20 أوت 1955.[8]
وفي ليلة الجمعة 19 أةت 1955 وصل الخبر إلى كل الشباب القادر على الصعود إلى الجبل بالالتحاق فورا وتلبية النداء وهكذا دعمت كل مشتة صف الثورة وقد التقى الجمع بمركز الفخارة حيث تكلف الأخ (عبد الله بالراسي) بإطعام جمع المجاهدين بالكسكسي واللحم...
وفي حدود منتصف الليل عينت كل فرقة على المواقع التي تدخل منها للمدينة:
- فكان أن دخل (الشبل صالح) على الطريق الرابط بين ليمو(كرومة) وطريق السكة الحديدية.
- دخل كل من : بوعوكل محمد، علقمي علاوة ، وبوزغاية صالح على طريق المطار الشرقي.
- دخل بوكرمة أحمد على ملعب كونداس (20 أوت حاليا).[9]
- دخل سلطان بشير (شهيد) على دار بلحداد.
- دخل ديبون...على القبية ( البشير بوقادوم حاليا).
- دخل الحضري بولوداني على (جبانة الفرنسيس).
- دخل بوشطاط رجم على (سبع ابيار).
- دخل حفص أحمد على المسلخ.
- دخل كل من : بوروبة موسى – سعدون دحمان (شهيد) على الطريق الرابطة بين العالية – فالي سابقا- وسكيكدة.
والجدير بالذكر أن هذه الهجومات قد دامت قليلا في مجموعها ، لكنها امتدت مع ذلك أكثر من نصف ساعةى في بعض الجهات ، غير أن الهجوم الذي وقع من (مقبرة الفرنسيس) قد اكتشف قبل قيامه، بيد أ، المجاهدين الذين قادوه كانوا قلة.
أما المداخل الهجومية التي كانت ناجحة مئة بالمئة هي تلك التي وقعت من (القبية) و(سبع ابيار) ويعود الفضل في نجاحها إلى شن من هذين الموقعين هجوما أتى على تحطيم كل التجهيزات المادية والبشرية للعدو.[10]
وقد أصيب بجروح خلال عملية الهجوم،المجاهدان ( الشبل صالح) و (بن عمار المدعو بشير) ليتم انسحاب أفراد الهجوم في حدود الساعة الواحدة والنصف زوالا من القبية(البشير بوقادوم) و (سبع ابيار) ، وقد تم اتخاذ الاحتياطات الضرورية بحيث أنه وضعت في كل مكان خطير حراسة لضمان العودة إلى مكان التجمع.
هجوم العاليا – فالي سابقا-
سبق هذا الهجوم المظفر الذي اقتحم فيه المجاهدون قلب المدينة تجمعا أقيم يوم الثلاثاء (16 أوت) بالعالية المعروفة بالبومبات وخرجت الأفواج المجتمعة من المجاهدين متجهة إلى كل مشتة (دوار) بهدف عقد اجتماعات قصد التوعية و تجنيد المواطنين صفا واحدا لخوض غنار يوم (20 أوت) الذي لم يكن على علم بميقاته أي أحد خارج نطاق المسؤولين العسكريين.
وفي هذا السياق يحدد لنا المجاهد الشبل عمر أبعاد الهجوم ونتائجه بقوله:
توجه الشهيد حميد ديلنجار إلى واد قصبة.
- ليبتي مسعود بن غرسالة (شهيد) توجه إلى مشونة.
- عبد الرحمان شطاح (شهيد) توجه إلى عين مكناسة.
- خالدي محمد وليبتي مسعود توجها إلى مشتة لغواط بواد محقن.
- بولوداني حمادي (شهيد) ومموح... (شهيد) توجها إلى جهة لحفاير .
وقد أدار مسؤولو الأفواج اجتماعات مع أفراد الشعب للمزيد من التوعية وبث الحماس في النفوس.[11]
أما مسؤولو التنظيم وهم طلعة عمر المدعو بوركايب- بوقرة لوصيف(شهيد) سلجا حسين-الشبل عمر، ساكر حسين، فقد عملوا على تجنيد أفراد الشعب في عين المكان لجمع كل الذخائر التي كانت متمثلة في المذارى والفؤوس و المعاول وقارورات معدنية ، قبل الانطلاقة التي بدأت صبيحة الخميس حيث قام أربعة أفواج بقيادة ليبتي مسعود بن غرسالة وحميد ديلنجار وليبتي مسعود لكحل وخالدي محمد ودخلوا قبل الهجوم أي يوم الجمعة على الساعة الرابعة والنصف مساء بعد التمهيد إلى التنظيم الداخلي والتعرف أكثر على النقاط الاستراتيجية للمكان وكيفية القيام بالهجوم.
عاد الشهيد حميد ديلنجار للمسؤولينمكلفا بالتنظيم داخل المدينة رفقة القائد ليبتي مسعود و عندما رجعا إلى المكان المعروف ب ( البومبات) لاطلاع المجاهدين هناك على الوضعية السائدة في مدينة سكيكدة.
وفي ليلة الجمعة (19 أوت) انطلق مسؤولو الأفواج نحو تنفيذ مخطط الهجوم.
وفي حدود منتصف النهار من يوم السبت 20 أوت دخلت ثلاثة أفةاج إلى مدينة سكيكدة عن طريق حي جندارك (العربي بن مهيدي حاليا)، بينما دخل الفوج الرابع الذي يشرف عليه حمودي حمروش(شهيد) للمدينة عن طريق جندارك (ليلو) ، ووجدنا في مواجهتنا حشودا عسكرية ضخمة قدرت بآلاف من جنود العدو بالضافة إلى قوات أخرى وجدناها رابضة تترصد كل تحركاتنا ب (دوزيام فونتان) تقدر بحوالي 600 عسكري و أمام هذه القوات الضخمة أخذنا جل احتياطاتنا، وكنا شديدي الحذر بحيث أن قواتنا كانت غير متكافئة مع حشود العدو وهكذا بقينا محاصرين حتى الساعة السادسة والنصف مساءا.
وفي الوقت الذي كنا فيه مقبلون على الهجوم تناهت إلى أسماعنا طلقات نارية أتية من كل جهة منها الضخمة و البسيطة القرقعة وذلك في حدود الحادية عشرة وخمسين دقيقة.
وقد انسحب جنودنا بعد أن استشهد في فوج حمودي حمروش المجاهد بولوداني حمادي وثلاثة آخرين هم: حسين- قداح بوغابة- تيشتيش محمود.
وعن تفاصيل الهجوم من العالية الذي اشترك فيه الأخ المجاهد (بوربة موسى) يحدده لنا بالوقت الذي قدم فيه المجاهد عمر بوالركايب من ناحية القل إلى سكيكدة بحيث اتصل هذا الأخير به وبالمجاهد بودلاعة أحمد وقد مكثا في بيت أحمد بوروبة (الأب) و أثناء الحديث طلب بوركايب من محمد بوروبة موسى كونه يملك شاحنة ضرورة احضار 600 لتر بنزين ( وتم تحضير ذلك قبل أسبوعين من موعد انطلاق الهجوم) ، وعند احضاره للبنزين أمر السكان بتعبئته داخل زجاجات تسع الواحدة لترا واحدا كما عمل كذلك على شراء الفؤوس و المناشير و المذاري و الخناجر..وغيرها.[12]
ووزعت كل الأسلحة التقليدية المذكورة على الرجال المدنيين يوم الجمعة 19 أوت في واد عطية الذي يبعد شرق العالية بحوالي أربعة كيلومترات ونصف.
وقد قام بتوزيع المهام أثناء عملية الهجوم هؤلاء المجاهدين:
-عمر بوركايب- لوصيف محمد المدعو بوقرة (شهيد) – سلجا حسن.
كما توجه أحد الأفواج إلى المطار وهو يتكون من : بوعوكل محمد – الواهم مخطار- علاوة علقمي- الواهم عزيز-قشيش محمد- بوزغاية صالح- سعدون دحمان.
وتمكن قادة الأفواج يوم الجمعة 19 أوت من ضم مشاتي الفخار مع واد عطية و مسونة مع لحفاير وعين مكناسة بالحجرة البيضاء وبدأ انسحاب كل فوج إلى موقعه المحدد وهو على استعداد للقيام بالعملية والثقة تملأ نفوس الجميع . وتمت الهجومات عن طريق العالية – فالي لا بيبي- وعن طريق السكة الحديدية .
هجومات 20 أوت 1955 في الصحافة الفرنسية:
تعودت صحافة الاحتلال الفرنسي الالتفات لأية ظاهرة سلبية – في نظرها- تسيء لأي مواطن فرنسي من اغتيال أو اختطاف هذا بغض النظر عن المواقف البطولية لجيش التحرير الذي أذاق الاستعمار في الفاتح من نوفمبر 54 درسا لن ينساه بالمرة وقد أعيد نفس التكتيك العسكري من خلال هجومات 20 أوت 1955 خلافا لكل التوقعات و من هنا جسدت الصحف الفرنسية الأحداث التاريخية الدامية مظهرة مبلغ صدمتها على صدر صفحاتها الأولى و بعناوين سوداء ضخمة تصور الوضع المأساوي وجو عدم الاستقرار الذي أصبح يهدد الفرنسيين و المعمرين على الأخص و أطرف ما في الأمر قيام السلطات الاستعمارية بجملة من الاعلانات متعلقة ببيع بعض الممتلكات الزراعية للمعمرين في عين المكان ومن ذلك بيع بالجملة قرية (الركينة) بكاملها وهذا ما يفسر من وجهة أخرى فزع المستوطنين الفرنسيين من تصاعد المد الثوري في الجزائر بحيث أصبح لا يرتاح لهم قرار على أرض كل ما عليها يبغض الاحتلال و يتطلع إلى الكفاح المسلح وسيلة للحرية والانعتاق.[13]
هجوم 20 أوت 1955 بسكيكدة:
حسب المعلومات التي تم الإدلاء بها ، عمر الشبل و فضيل مذهبي ، فإن مراحل التحضير للهجوم على مدينة سكيكدة جاءت نتيجة لما كان يتميز به التنظيم السياسي والعسكري مند ربيع عام 1955 الذي شهد اتصالات كثيفة تعلقت خاصة بتجنيد الشباب القادر على حمل السلاح ، وقد جرى أول اجتماع على مستوى ناحية سكيكدة بمكان يعرف ب(بولمعيز) بنواحي مشتة لحفير يبعد ب 12 كلم شرق مدينة سكيكدة حيث أشرف عليه المجاهد طلعة عمر المعروف خلال الثورة باسم عمر بوركايب باعتباره المسؤول العسكري للناحية ونوابه، وقد تم خلال هذا الاجتماع توزيع المجاهدين على المشاتي التالية:
- لحفير: الشبل المدعو بلغول وبوعوكل محمد.
- وادي القصب : بولوداني حمادي.
- عين مكناسة : عمر الشبل ، سعد الشبل المدعو العشي.
- مسونة: سلجا حسن، و مصطاش عبد الله.
- وادي عطية: ساسي سعد، علي بن يونس.
- الفخارة:بالرايس عبد الله ، بوخريش الطاهر ومحمد ساكر المدعو محمد بن ساسي.
- الحجرة البيضاء : بكوش تشيش، بكوش سعد.
- بيسي: بوخلوط عبد الله، برايك بوخلوف، علي الشبل المدعو لطرش.
ونشير إلى أن الهيكل النظامي لجبهة التحرير الوطني كان في تلك الأثناء من عمر الثورة في حاجة ماسة إلى تعبئة و التجنيد.
أما بالنسبة للتحضيرات المادية و البشرية للهجوم فقد تميزت بالدعم المطلق من طرف أفراد الشعب بحيث جرى اجتماع يوم الجمعة 19 أوت بأحد مراكز جيش التحرير بمشتى الفخارة تحت إشراف المجاهد عبد الحميد بوثلجة المدعو ديلنجار حيث كان يبلغ عدد المهاجمين حوالي 350 مهاجم منهم من يحمل بنادق الصيد و أدوات التخريب كزجاجات البنزين و الغبوات الناسفة التي هي من صنع جيش التحرير الوطني.
وقد قضى المهاجمون الليلة بمشتي الفخارة وفي حدود الساعة الثانية ظباحا توجه الجميع باءمر من حميد ديلنجار الي مشتي الزفزاف التي تبعدبحوالي 6 كل
وعلي اثر الوصولا الي مشتي الزفزافتمركز المهاجمون باحد مراكز جيش التحرير الوطني موزعين علي المخابيء الحصينةداخل جبل الزفزاف الدي كانت تكسوه غابات كثيفة من اشجار البلوط والزان
وبعد ضبط كافة التدابير غادر المهاجمون المشتي في حدود الساعة الحادية عشر والربع صباحا باتجاه مدينة سكيكدة وبمجرد بلوغ المهاجين الاهداف المقرر اقتحامها وهم في الزي المدني .هاجم كل فوج الجهة الموكلة اليه بحيث انطلق الهجومفي منتصف النهار تحت شعار ) الله اكبر(( حيث تزامن هذا الميقات مع صوت صفارة المدينة التي تقرع عند منتصف النهار في كل يوم
فماهي الا دقائق معدودة حتي تمت عملية تطويق المدينة واحتلالها من طرف قوة المهاجمين التي كبدت العدو خسائر هامة في الارواح والممتلكات وعمت حالة الرعب والفزع اوساط المستوطنين الاروبيين ومختلف افراد الطبقات الاروبية المحظوظة التي كانت تقطن الاحياء الراقية في المدينة ، وفي حدود الساعة الثالثة و النصف انسحب المجاهدون إلى مراكز التجمع بالمشاتي المجاورة لناحية سكيكدة.[14]
إعلان حالة الحصار :
أصدر الرئيس بلدية سكيكدة ( كروفو) أنذاك قرار ينص على إعلان حالة حصار للمدنيين العزل و القيام باعتقالات جماعية لسكان المشاتي و الدواوير المجاورة للمدينة بدون استثناء في واقع مضطرب و مشوب بانعدام الاستقرار و اللأمن ، و أمر بتحويل الجموع الغفيرة للمعتقلين إلى الأماكن التالية:
- غار بوعبار(بودريار).
- المسلخ.
- غار بن قانة.
- مركز الصناعات التقليدية(الارتيزانة).
- ملعب كرة الطائرة، ملعب البلدي لكرة القدم.
- مركز الشرطة.
- الثكنات العسكرية.
وكانت تتمثل مختلف عمليات الحجز في الابادة الجماعية للسكان فقد عمدت سلطات العدو إلى تجنيد المعمرين و إحراق ممتلكات السكان...
وقد استخدمت سلطات الاستعمار – في قمع السكان و تقتيلهم- مختلف الأساليب الوحشية من ذلك توزيع مناشير على أماكن السكان – باللغتين العربية والفرنسية- تدعو إلى الحذر من بعض المجاهدين مخصصة مكافآت لمن يدلي بأخبار عن تحركاتهم في المنطقة.
إبادة مشتى الزفزاف عن آخره:
قررت سلطات العدو على إثر هجوم المجاهدين على المدينة القيام بحملة اعتقالات واسعة في صفوف سكان مشتى الزفزاف التي تمكنت من إبادتهم عن آخرهم بحيث تعذر إحصاء عدد الشهداء الذين تعفنت جثثهم من جراء حرارة الطقس الشيء الذي دفع سلطات العدو إلى وضع طبقة من الجير فوق الجثث الآدمية التي شكلت مقبرة لا يستطيع من خلالها الإنسان أن يميز بين المرأة والرجل ، فعملية الانتقام لم تراع المبادئ الإنسانية التي ترفض تشويه بنية الإنسان و إبادته دون التحقيق معه.
ويعود سبب تركيز قوات العدو على إبادة هذا المشتى عن آخره ، كونه يتوفر على مركز لتموين جيش التحرير الوطني وقاعدة خلفية للمهاجمين على مدينة سكيكدة.[15]
هجوم 20 أوت 1955 بالحروش:
عقب كل هجوم تدور وقائعه ضد مختلف تحصينات العدو في المدن بصورة خاصة تبدو هناك ظاهرة الاصطدام العنيف بين فرق المجاهدين و القوات الاستعمارية، مائلة على أشدها مند الوهلة الأولى ، ذلك باعتبار أنه قلما – في الظروف الاعتيادية تتم عملية مباغتة قوات العدو داخل مراكزه الرئيسية بالمدن وهو ما جعل قوات العدو تلجأ إلى الانتقام من المواطنين و في مدينة الحروش إحدى دوائر ولاية سكيكدة حاليا ، اكتسى هجوم الثوار الذي تمركز في ( دار العدالة) طابعا مثيرا للغاية اضطرت معه القوات الاستعمارية إلى مواجهة التكتيك الناجع لفرقة المجاهدين و استغرق ذلك فترة (4) ساعات بتمامها، صمد خلالها أفراد جيش التحرير الوطني ولم يستسلموا للعدو رغم استخدام الخصم كل أنواع الأسلحة ورغم استنفاد ذخيرتهم الحربية خلال العملية.
كيف تمت التحضيرات الأولية لعملية الهجوم؟
عندما قرر جيش التحرير الوطني بقيادة زيغود يوسف قائد الولاية الثانية القيام بعملية هجومية تشمل مواقع السلطات الاستعمارية ، وهذا قبل أسبوع فقط من انطلاق الهجوم على الشمال القسنطيني ، إذ أن معظم الاجتماعات و الاتصالات بدأت تعقد منذ شهر جويلية 55 وعلى ضوء ذلك كلف زيغود مسؤولين لقيادة وإدارة أمور الهجوم وقد وزعهم على كامل شرق الولاية الثانية و بالضبط على نواحي سكيكدة – عزابة – والحروش وقد تمثلت المهمة الأولى في جمع السكان بصورة لا ينتبه لها العدو و حثهم على مؤازرة الثوار في الجبال و ذلك بتقديم ما لديهم من أسلحة و أدوات لها مفعول إلحاق الضرر بمنشآت العدو .
وبعد عملية جمع الأسلحة و الأدوات التقليدية تم توزيعها على المناضلين من الرجال وكل من هو قادر من الشباب على حمل السلاح و مواجهة نيران العدو بشجاعة لا تلين.
انطلقت شرارة الهجوم من ضيعة مجاورة :
بات منفذو الهجوم من الثوار المجاهدين ليلتهم بمبنى الضيعة على امل ان يحين منتصف نهار الغد_20 اوت_ ولم يهدا بال الجميع خصوصا وان عملية مهاجمة مدينة الحروش ليست بالامر الهين . ولذلك شددت الحراسة ونظمت في نقاط مختلفة من الطريق المؤدي الى مدخل المدينة ، وعندما قاربت عقارب الساعة الحادية عشرة صباحا بدا المجاهدون في التسلل واحد بعد الاخر الى داخل المدينة وبقيت كلمة لابد منها وجهها مسؤول ناحية الحروش المجاهد "العايب الدراجي" خص بها الجانب التنظيمي حيث بادر بتقسيم الافواج الى "03" اقسام على كل فوج ان يسلك طريقه المحدد والذي يوصله الى هدفه :
_ طريق السد "الباراج".[16]
_ طريق سكيكدة .
_طريق المقبرة "الجبانة" التابعة لبئر السطل.
وعبر مختلف هذه الجهات كان الالتحام على اشده بين الاهالي والمجاهدين من جهة وجنود العدو الذين بوغت الكثير منهم بامر الخطة التي كان تنفيذها جيدا ولصالح قوات جيش التحرير المفجر لعمليات مسلحة جريئة في قلب المدينة وكانهم يعلمون في قرارة انفسهم مسبقا بان هذا اليوم هو بمثابة منعرج حاسم في مسار الكفاح المسلح وهو حجر الزاوية في تحقيق اسس الاستقلال الوطني .
بعد اشتداد حملة تطويق منشات العدو، اختلط الامر في البداية وساء العدو ذلك كثيرا، فعمد الى تصويب نيرانه في كل وجهة، مستخدما الاسلحة الثقيلة ، والقصف بالمدفعية وذلك حينما علم بتواجد فرقة من المجاهدين بدار العدالة التي تسلل اليها المجاهدون بقل منتصف النهار للاستيلاء على وثائق سرية هامة ومن ذلك "مسدس" كان في السابق بحوزة احد المجاهدين واخذه جنود العدو منه اثر استشهاده ، وخلال الساعات القلائل التي قضاها المجاهدون في جوانب الدار تمكنوا من حرق جميع وثائق ومستلزمات الادارة الاستعمارية في مدينة الحروش، كما تمكنوا من تحطيم كل ما له صلة وثيقة بالمستعمر . وبمرور الوقت تاكد للعدو مدى التحصين المحكم للمجاهدين بدار العدالة والخطر الذي سيترتب عن هذا العمل لو لم يبادر بعملياته الوحشية لانقاذ المدينة من سيطرة المجاهدين وبالمقابل كان التفاف الجماهير الشعبية في انحاء المدينة تقويضا لدعائم الاستعمار في بعض الجهات ، وفي خضم هذا اليوم نفذت عمليات فدائية جريئة وذلك تطبيقا للتوجيهات العامة التي سبقت مرحلة تنفيذ الهجوم في اوساط الشباب القادر على حمل السلاح والوطنيين الذين كانوا على وعي سياسي رافض لمختلف اشكال الاستعمار الفرنسي وهكذا تفرقت فرقة المجاهدين داخل الدار وقد تمكنت من خلال مناقذها ان تسدد باحكام فوهات بنادقها البسيطة الى اقتناص مجموعة العساكر المتواجدين في الشارع هبوا للنجدة وفك الحصار .
لقد ادى بجنون الاستعمار الى حد قصف هذا المعقل بالمدفعية الثقيلة بعد طول مقاومة وصمود المجاهدين الذي استمر حتى الساعة الرابعة بعد الزوال وهب اثنائها المجاهدون كل ما يملكونه من شجاعة وتضحية في خضم هجوم 20 اوت وقد بقيت معالم هذه الدار اليوم بالحروش خير شاهد على عظمة هذا اليوم لدى سكان المدينة ومواطنيها بالرغم من وجودها في مكان عمومي ، فهي في ذاكرة كل مجاهد عاش احداث هذا اليوم التاريخي جزءا يسيرا من تاريخ الهجوم وهي تروي في بساطة جدرانها التي تحيطها من الخارج سر انتصار قوات جنود جيش التحرير التي كانت على موعد مع هذه الانتفاضة لتصعيد المد الثوري تحقيقا للخلاص والانعتاق من ربقة الظالم المستبد .
وما احوجنا اليوم لمزيد من العناية بالاماكن التي شهدت خلال الثورة التحريرية وقائع بطولية لم تبرح ذاكرة جيل نوفمبر بعد . وهذا بالاستمرار في عمليات الترميم وان اقتضى الامر اعادة بناءها في ضوء توجيهات المجاهدين وكل من عاش احداث الثورة عن قرب ، وهذا حفاظا على معلم الثورة واستعداد للشروع في كتابة تاريخ الثورة التحريرية انطلاقا من حصر الاماكن التاريخية . [17]
من شهداء الهجوم :
بقدر ما كانت مهمة المجاهدين جريئة كانت الساعات الاربع للهجوم حاسمة وحذرة بينت فعالية تنفيذ الخطة التي كانت مثار شؤم في اوساط القوات الاستعمارية والتي لم يبق لها من وسيلة في شوارع الحروش سوى مضاعفة العمليات الانتقامية من شبح تلك الدار التي سقط على اعتابها جثمان هؤلاء الشهداء فداء لتحرير الوطن :
-بهلول ميهوب- عبد الحميد كحال- بوحوش محمد- قديد احمد- الفطايري (ثم اعتقاله واستشهد بعد ذلك) .
هجوم 20 اوت 1955 برمضان جمال :
بدات منذ شهر جوان 1955 علامات الاستعداد للاقبال على تحضير حدث دلت كل المؤشرات على مدى اهميته وفعاليته على درب تصعيد جذوة الكفاح المسلح ، وفي هذا الشأن تمكن الفائد العقيد زيغود يوسف من الاجتماع بضباط الجهة : بوقادوم بشير (شهيد) و بيتي ساسي (شهيد) والعايب الدراجي وعمار بن عودة ، وذلك في موقع جبل "الزمان" وقد تحددت بموجب هذا الاجتماع خطة الهجوم وضبطت بالتالي قائمة الوسائل المادية التي بالامكان استخدامها في تنفيذ عملية الهجوم وجمعت خصيصا لذلك المعاول والمذارى الى جانب كميات هامة من اسلحة الصيد الموجودة بحوزة سكان الجهة .
الهجوم يطوق المدينة من اربع جهات :
تم قبيل عملية الهجوم وعلى وجه التحديد ليلة 19 اوت 1955 دعوة سكان الجهة لتوعيتهم بما هم مقبلون عليه وقد كلفت فرقة من المدنيين بقطع جذوع الاشجار وعرضها في الطريق من اجل تعطيل حركة المرور ، بينما كلفت فرقة ثانية بقطع خطوط واعمدة الهاتف والتيار الكهربائي معا لعدم تمكين قوات العدو اثناء مباشرة عملية الهجوم من وصول النجدات .
وهكذا انطلقت العملية في ميقاتها –منتصف النهار – بقيادة اربعة مجاهدين هم ك موات احمد المدعو كشيرن (شهيد) – ابن شاوش مصطفى (شهيد) –الشارف علي (شهيد) والشبل الضيف... [18]
بالاضافة الى مشاركة سكان الجهة كل بما يملكه بحيث شمل الهجوم أربع جهات هي:
- دخول فرقة عن طريق الشهداء.
- دخول فرقة عن طريق السطيحة.
- دخول فرقة عن طريق الحروش.
- دخول فرقة عن طريق عنابة.[19]
وبعد مضي وقت وجيز من تطويق المدينة و محاصرة أربعة من أعوان الجندرمة الفرنسيين ومجموع (10) من عساكره وحسب ما ذكره شهود عيان من سكان المدينة أنه قتل يومها اثنان من أعوان الجندرمة و ستة من عساكر العدو ومع ذلك فقد وصلت بعد وقت متأخر أي بعد ساعة ونصف من إنطلاق العملية نجدات ضخمة من قوات العدو و معززة بالأسلحة الثقيلة و الدبابات .
العوامل الطبيعية بالمرصاد أيضا؟
على إثر إلتحاق النجدات بأعداد ضخمة لمكان تموقع المجاهدين الذين بادروا بالهجوم في بداية الأمر ، لكنهم لم يقووا على التصدي فبدأت عملية انسحابهم من الميدان ، لكنه انسحاب إلى أين؟؟ إذا كان في طريق المواجهة قوات العدو محتشدة خصيصا لإبادة كل الأهالي و على طريق الانسحاب والعودة يتربع وادي السد ( الباراج) الذي تشغل مياهه مساحة متسعة و منبعه برج الغدير المنحدر عن طريق وادي الحروش الذي يصب في بحر سكيكدة.
وحيث أصبح لا مفر لجنود جيش التحرير الوطني سوى الخيار بين مواجهة نيران رشاش العدو أو سلوك الانتحار بالسقوط في الوادي ، ومن جراء هذا المأزق الطبيعي تحولت فرق المهاجمين إلى طعم للوادي خشية أن يظفر بهم جنود العدو.
بطولة واستشهاد:[20]
قامت قوات الاحتلال بعملية انتقام واسعة في أوساط المدنيين و بصورة خاصة سلطت كل وحشيتها على سكان مشتى الزيتونة التي تم قتل أعداد كبيرة من سكانها وبعدما تأكد جنود العدو من استشهاد المجاهد (موات أحمد) حيث علم بواسطة أدنابه أن محرك هجوم رمضان جمال هو موات أحمد الذي راح يصب جامة غضبه على عائلة الشهيد التي تعرضت لمختلف أصناف التعديب و التنكيل إلى جانب هذا لم ينج بقية سكان المشاتي المجاورة من انتقام العدو، وذلك على الرغم من الظروف الطذبيعية الصعبة من جهة وكثافة وصول النجدات العسكرية المنجدة إلى عين المكان من جهة أخرى، تلك التي غطت المكان بغرض الانقضاض على فرق المجاهدين و المدنيين العزل، أولئك الذين كانو على بساطة تلبيتهم لنداء الواجب الوطني في هذا اليوم يتحلون باستماتة وكان من بين شهداء الهجوم:
- موات أحمد.
- ابن شاوش مصطفى.
- الشارف علي.[21]
هجوم 20 أوت 1955 بســـــيدي مــزغيش:
شهدت سيدي مزغيش، إحدى بلديات دائرة الحروش التابعة لولاية سكيكدة هلعا شديدا عم أوساط السكان والمعمرين على حد سواء وذلك صبيحة انطلاق عمليات 20 أوت بالرغم من موقعها الجغرافي المنبسط الذي يمتد على مستوى منخفض من (شعبة المهري)، مكان استشها العقيد البطل زيغود يوسف زيتعذر بسسبه في أغلب الأحوال قيام جنود جيش التحرير الوطني بعملياتهم الميدانية المظفرة بالاضافة للحراسة المكثفة التي تعرفها مداخل البلدية ليلا و نهارا وكذا الحركة غير العادية التي تشكلها قوافل القوات الفرنسية باستمرار والقادمة من الحروش التي تبعد عن سيدي مزغيش بحوالي 10 كيلومترات فالقرية على حجمها أصبحت غير آمنة على مداخلها التي هاجمتها من مصراعيها (الجهة الغربية والجهة الشرقية)فرقة من المجاهدين آتت على تدمير أهم قواعد تمركز الاستعمار بها.
شيء من عمليات التحضير:
عندما اقترح الشهيد زيغود يوسف في اجتماع ضم ضباط جيش التحرير الوطني انعقد في (بوساطور) إمكانية تحضير هجوم كاسح على مواقع العدو الحساسة – وهذا قبل شهر كامل من موعد الانطلاق الرسمي لعمليات 20 أوت- تأكد للحاضرين استحالة استمرار عقد الاجتماعات بالموقع المذكور وهكذا تقرر تغييره إلى أبعد من ذلك،خشية أن تتفطن قوات العدو بما هو بصدد التحضير و أصبح مرتفع (الزمان) بالحدائق حاليا، الموقع المفضل لإدارة الاجتماعات ومختلف الاتصالات الأخرى ، لكنه قبل الوصول إلى أطرافه [22]
وفي الطريق اليه دار اشتباك عنيف بين المجاهدين وقوات العدو وبعد مقاومة استمرت (6) ساعات سقط على اثرها الشهيدان "نفير عبد الرحمن " المدعو "محمود" و "سي الطاهر القسنطيني" مما دفع قوات العدو خلال هذا الاشتباك الى استخدام القصف الجوي مقنبلة المجاهدين وذلك لاضعاف روح المقاومة لديهم،بالاضافة الى وصول مزيد من سيارات لنجدة ما تبقى من القوات في الوقت الذي تمكن فيه المجاهدون من الانسحاب ومواصلة سيرهم نحو مكان الاتصالات الجديد " بالزمان" ومرت فترة اسبوع بكامله لم تتوزع فيه اية مهام تذكر وحيث اصبحت الحاجة لتناول الاكل والشرب يسودها شئ من الاحتراز الشديد كما ان القيام باحضار الاكل من خارج مقر الاجتماعات كان محظورا تماما وذلك حتى لا يتفطن جنود العدو لمركز تجمع افراد جيش التحرير الوطني ولهذا اجبرت هذه الوضعية المجاهدين ونزولا عند رغبة "سي يوسف زيغود " ضرورة الاكتفاء باقتسام حبة البطاطس الواحدة فيما بينهم –وهو ما كان بحوزتهم في تلك الثناء- خاصة في مثل ذلك الظرف العسير الذي يتطلب تحمل مزيد من ضراوة الجوع والعطش وغيرهما .
هجوم الجهة الغربية زرع الرعب في الأعداء:
قبل ساعات معدودة من موعد انطلاق الهجوم وزعت المهام الخاصة بذلك على المجاهدين: "محمد الرواية (شهيد) ،فردي بوقرة ،لساق عبد الحميد، برواق محمود" ضمن فرقة تتكون من (30) شخصا وقد اتجه الجميع نحو جبل السطايحة وهم على أهبة الاستعداد، وهناك انتظم تجمع شعبي موسع استمع فيه كل الحاضرين إلى تعليمات هامة من قادة الهجوم الذين طالبوا كافة الأفراد بإحضار الفؤوس والمناشير وبنادق الصيد وكميات من البنزين وغيرها من الأدوات التقليدية الأخرى التي بإمكانها إلحاق أضرار نسبية بمراكز العدو .
وعلى وجه التحديد أحيط مجموع سكان القرية بين ليلتي 18 و 19 أوت 55 بضرورة التحلي بالصبر وتحمل جل المصاعب المحدقة بهم والتي قد تنجم عن القيام بالعملية المقررة وهذا لتكسير شوكة الاستعمار الفرنسي وإضعافا لقدراته المادية الضخمة وعليه اخذ على عاتق كل مجاهدين اثنين مسؤولية جمع سكان[23] المشاتي ( الدواوير) المجاورة وتوعيتهم بما هم مقبلون عليه وبالفعل تم جمع سكان اكثر من (8) مشاتي من كل ارجاء القرية بحيث طلب من الجميع في منتصف الليل التزام التوضؤ لتأدية صلاة الفجر جماعيا وحينئذ قدمت إرشادات عامة دارت حول الامتثال الكلي للأوامر التي تحث على عدم الخروج والدخول للقرية.
وفي حدود الساعة الثامنة من صبيحة يوم 20 أوت كان سكان الجهة الغربية على علم بمخطط هجوم المجاهدين وتعميقا للفكرة قيل لهم أن هذا الهجوم سيكون شاملا ويمتد عبر كافة أرجاء الجزائر بحيث يستهدف على الخصوص تحطيم المراكز الاستعمارية الحساسة، وقد أعقب ذلك مباشرة المرحلة الأخيرة لتنظيم السكان أفواجا أفواجا ليأخذ كل فوج سلاحه التقليدي منتظرا إشارة الانطلاق للقيام بالمهمة الموكلة إليه وهي تتحدد في سماع صوت المؤدن جاهرا (الله أكبر) بدأت الأسلحة ومختلف الأدوات التقليدية الأخرى بأيدي المهاجمين تأخذ مجراها الانتقامي من عساكر الثكنة زارعة في كيانهم جوا من الهلع ومشلة لوقت وجيز تحركاتهم،كما امتدت الهجومات إلى مقر الحاكم الفرنسي وقد أتت على ما بداخله من منشآت ووثائق جد سرية في نظر السلطات الاستعمارية المذعورة .[24]
فتيات رفعن معنويات المهاجمين:
إنها فكرة جيدة حين عهد قبيل مباشرة الهجوم إلى ثلاث فتيات (بوقندورة الزغدة،و يسعد زكية،و....) للمشاركة بالجهد المتواضع في إعطاء 20 أوت صبغة حماسية تدهش الأعداء وبطشهم، خرجت الفتيات إلى الشارع الرئيسي حملات العلم الوطني إلى أعلى و لسانهم يردد في صوت واحد (تحيا الجزائر حرة مستقلة) وبين كل صيحة وصيحة كانت تعلو الشارع زغاريد الفرحة والانتصار والأمل باليوم الموعود لاشراقة شمس الحرية والاستقلال.[25]
هجوم الجهة الشرقية كشف عن معرفة قديمة:
انتبهت القوات الاستعمارية للتحركات الحثيثة التي عمت الجهة الشرقية مما أدى في وقت مبكر من صبيحة يوم 20 أوت إلى اكتشاف عملية الهجوم في مشتى (بوساطور) ومقابل هذا تحتم على جنود جيش التحرير خوض غمار المعركة التي تواصلت إلى حدود الساعة الثالثة زوالا وقد أثر المكان الطبيعي المكشوف على عملية تصدي المجاهدين لقوات العدو وجها لوجه ، حيث تمكنوا على قلة أسلحتهم وبساطتها إلحاق خسائر فادحة بالعدو وعمقها استشهاد محمد الرواية الذي قاد الهجوم واستبسل فيه الشيء الكثير بفضل رشاشة (القارا) الذي حصد بواسطته (9) عساكر رغم أنه كان محاصرا بين صخرتين وهذا الموضع ساعده على تصويب عياراته النارية بإحكام نحو عساكر العدو الذين وقفوا فور استشهاده على هوية هذا البطل الخبير في الرماية حتى وهو يلفظ آخر أنفاسه أبى الضابط الفرنسي إلا أن يلقي نظرة فاحصة على ملامحه ويا للمفاجأة نطق صارخا مذعورا قائلا (لو كنت عرفتك ما قتلتك)، إنها صدفة عجيبة تحقق من خلالها ما يفوق التصور إلى حد بعيد فالشهيد (محمد الرواية) كان يعرف الضابط الفرنسي أثناء حرب الهند الصينية ولا يشك في قدرته العسكرية أنذاك.. لكن ظروف الهجوم على سيدي مزغيش و المقام الحساس الذي كان عليه الشهيد (الرواية) لم يترك له مجالا للتردد واسترجاع ذكريات الماضي بقدر ما زاد من بذل قصارى الجهد في التضحية وأية تضحية أغنى من تلك التي وهبها البطل نفسه فداء ليوم 20 أوت الذي كان حلقة من سلسلة انتصارات جيش التحرير وبطولاته.[26]
الشهيد العقيد زيغود يوسف يقيم 20 أوت:
فوق المكان الذي خططت بين شجيراته و أعشابه و ظلاله الوارفة عمليات هجوم 20 أوت المظفرة ، شاءت الأقدار أن تجمع من جديد وبعد أسبوع من تنفيذ مخطط الهجومات البطل زيغود يوسف والعديد من ضباط جيش التحرير،أولئك الذين شاركو مع زملاء كتبت لهم الشهادة في سبيل الله والوطن من أمثال :تكيلي محمد (الرواية) الذي استشهد بعد استماتته أثارت دهشة الأعداء أنفسهم وخلال تنظيم تجمع حول تقييم شامل للظروف النفسية والمادية التي تم على ضوئها تسجيل تلك الانتفاضة البارزة في مسار الكفاح المسلح كان بشأن هذا التقييم الشهيد العقيد زيغود يوسف متفائلا جدا لدرجة أنه اعتبر " ما حدث يوم 20 أوت 55 عبارة عن وثبة (5) سنوات من الكفاح المسلح " كما كانت لهذا الحدث انعكاسات و أصداء واسعة خارج أرض الوطن بصورة قوت من تلاحم الجماهير الشعبية التي عززت الثورة بوجه عام و لابد – كما قال الشهيد البطل –من تثبيت أسس الدعاية و الأخبار في أوساط جيش التحرير الوطني و هذا لتقوية الجانب المعنوي للثورة المسلحة.[27]
هجوم 20 أوت 1955 بمجاز الدشيش:
عندما بلغتنا أوامر يوم الخميس 18 أوت 1955 توصي بان يتكلف كل مجاهد من اصطحاب جمع من المواطنين تابعين للناحية القاطن بها ويتحلون بميزات الالتزام والشجاعة والروح الوطنية وقد سبق لهم النضال السياسي في صفوف الحركة الوطنية ... وهكذا وصلت فرق المجاهدين –ليلة الخميس- مع بعض الشباب القادر على تحمل أعباء المسؤولية إلى جبل الزمان الذي يعد مقر اجتماع ضباط جيش التحرير الوطني بالولاية الثانية وبعد حضور الاجتماع الذي اشرف عليه العقيد "زيغود يوسف" بمشاركة عدد من ضباط النواحي العسكرية على مستوى الولاية الثانية قد تقرر توزيع الحاضرين على أربع فرق تحت قيادة كل من محمود برواق (شهيد) وعبد الله النايلي (متوفي بعد الاستقلال) ودبوز خليفة (شهيد) اتجهت نحو بلدية - مجاز الدشيش- "سان شار" سابقا بعد أن تهيأ أفرادها وتسلحوا بكمية من الأدوات التقليدية ومنها بخاصة زجاجات البنزين ... وفي طريق الوصول بات أفراد الفرقة ليلة الخميس 18 أوت في مكان يدعى "قندابو" (بالقرب من جبل الزمان) .
وفي صبيحة اليوم الموالي (19 أوت) وصلت فرقة المجاهدين إلى صفيصفة بضواحي مجاز الدشيش لكنه تحسبا لكل طارئ لجأ المجاهدون إلى غابة جبل السطيحة للمكوث بها طوال النهار... ومع غروب الشمس بدأ أفراد الفرقة يدخلون القرية حيث تفرقوا في أرجائها .
الهجوم بدأ بكلمة السر:
تمكنت فصيلة مسلحة بقيادة المجاهد دبوز خليفة من التمركز صبيحة الهجوم وقبيل الساعة الحادية عشر صباحا شعرت السلطات الاستعمارية بحركة غير عادية تعم أوساط السكان، الشيء الذي أدى بقوات العدو إلى التحرك بسياراتها ومصفحاتها، وفي تلك الأثناء تم اكتشاف خطة المجاهدين الهجومية على مجاز الدشيش بحيث بدأت طلقات نيران المجاهدين خارج القرية تسمع بشكل متقطع خاصة في مرتفع ((بوساطور)) وهنا بادرت قوات العدو إلى محاصرة القرية عن طريق نجداتها الضخمة التي وصلت إلى عين المكان .
وفي حدود منتصف النهار أخذت فرقة المجاهدين أماكنها المدروسة وتحددت إشارة انطلاق الهجوم بسماع صوت صفارة الإنذار التي تسمع في منتصف نهار كل يوم ...
وبدأ الهجوم في الوقت المحدد وذلك من طرف فصيلة المجاهدين على اثر نصب كمين لقوات العدو دمرت خلاله سيارة جيب بما في حوزتها واستطاعت بواسطة استخدام رشاش ستان ((الانجليزي)) وموسكوطو ((ايطالي)) وكمية هامة من بنادق صيد أن تقاوم بشدة في الوقت الذي ركز فيه جنود العدو نيران رشاشاتهم على كل من صادفهم في الطريق ، حيث لم تنج حتى "القرابى" من اثر التخريب واتوا على الأخضر واليابس وشملت عمليات الإبادة نوادر التبن التي شبت في ألسنة النيران حيث عانق دخانها رحاب السماء مشكلا قوة الصدام المائل على أرضية الميدان بين قوات جنود جيش التحرير الوطني وقوا ت العدو وتعاظم الموقف أكثر عندما علت الصيحات جاهرة بعبارة ِِ اللّه اكبرِِِ ... ِِالجهاد في سبيل اللّه ِِ.
تواصل الهجوم خمس ساعات :
منذ الساعات الأولى للهجوم لم تتمكن قوات العدو من محاصرة جنود جيش التحرير الوطني الذين اعتمدوا إستراتيجية جد فعالة أبعدت عنهم الحشود الضخمة المتمثلة في النجدات التي هرعت من مدينة - سكيكدة- "فيليب فيل" (سابقا) وذلك برميها للقنابل والعبوات الناسفة في مختلف الجهات ، الشئ الذي عمل على تشتيت شبكة مراقبة قوات العدو المكثفة وزاد من تخوفاتها أكثر بفعل النقاط المتباعدة التي شملتها العمليات الهجومية للمجاهدين وبالرغم من وصول النجدات المجندة خصيصا للقضاء على مقاومة فرقة المجاهدين ممن قام أفرادها لدى انسحابهم في منتصف الليل بإحراق أكوام التبن والقش وهذا بهدف تحويل أنظار العدو عن الاتجاه الذي يسلكونه للالتحاق بمواقع اتصالاتهم وتجمعاتهم مع بقية أفواج النواحي العسكرية الأخرى. [28]
من شهداء الهجوم :
إن انتفاضة 20اوت 1955 بقدر ما منحت الثقة في صفوف جيش التحرير الوطني خيبت في الوقت نفسه الآمال الكبرى التي كان يعلقها المحتل في الإبقاء على استيطانه واتضح للاستعمار الفرنسي بأن لا صديق لفرنسا بعد اليوم من بين جماهير الشعب الجزائري الذي يقدم باستمرار خيرة أبنائه فداء للحرية واشراقة الاستقلال وقد استشهد على اثر تنفيذ هذه العملية التي كانت لصالح جيش التحرير الوطني أربعة مجاهدين بالإضافة إلى عمليات الإبادة والتقتيل الجماعي التي تعرض لها سكان الجهة ...
- رواق محمود.
- دبوز خليفة.
- معيش أحمد.
- غميط مالك.
- بعبوش رشيد ( أصيب بجروح واستشهد فيما بعد).[29]
هجوم جـــــــنــــــــدل :
جمعنا لقاء بأحد المشاركين بفعالية في الهجوم على قرية جندل (بكوش لخضر حاليا) الذي ذكرنا بوقائعه بحيث أقيم ليلة 19 أوت 1955 تجمع موسع في مكان يعرف بالخيادرة قرب جندل بنواحي عزابة ضم 70 مهاجما من بينهم 12 مجاهدا ما يزال يتذكرهم وهم :مختار بورغيدة (متوفي) قائد الهجوم – دقوش محمود (نائب قائد الهجوم) – بوطاطا محمود (شهيد 20 أوت ) – حمدي بالخروف (شهيد) – دبوز بومنجل (شهيد) –خضراوي محمد (شهيد) – خنتول احمد- مشرح احمد- بجاوي عيسى- عاشور جرو... وغيرهم.
وكان الموضوع الذي حظي بالهتمام في هذا المجتمع هو التعبئة العامة للقيام بعملية ضد منشآت العدو، وقضى الجميع الليلة هناك في الخيادرة ومع شروق شمس يوم 20 أوت 55 تم تقسيم المجموعة على الشكل التالي :
- الفوج الأول يقوده المجاهد حسين الجرو، مكلف بمهاجمة جندل من الناحية الشمالية .
- الفوج الثاني يقوده المجاهد حفراوي محمد، مكلف بمهاجمة جندل من الناحية الشرقية.
- الفوج الثالث يقوده المجاهد دبوز بومنجل،مكملف بمهاجمة جندل من الناحية الغلابية.
وبمجرد ضبط ترتيبات الهجوم في حدود الساعة العاشرة صباحا من اليوم المشهود، شرع أعضاء الأفواج الثلاثة في التقدم نحو أبواب القرية ،وفي الساعة منتصف النهار نجح أعضاء الفوج الثاني في نصب كمين استهدف أحد المعمرين الذي كان رفقة عائلته في نزهاته خارج القرية وقبيل أن يتجاوز مدخل القرية من الناحية الشرقية تصدى له المهاجمون و أردوه قتيلا.[30]
في حين استهدف هجوم الفوج الأول أحد مراكز العدو حيث أسفر عن مقتل (3) عساكر حراسة، بينما قام الفوج الثالث بإحراق(3) إسطبلات للمعمرين وقد أتت ألسنة النيران على كل ممتلكات المعمرين بهذه الناحية الغربية لجندل ، غير أنه لم ينتبه المهاجمون في بداية الأمر إلى قطع خطوط الهاتف والكهرباء إذ أنه بعد وقت وجيز من وقوع الهجوم وصلت نجدات العدو إلى القرية ، مما أدى إلى نشوب معركة ضاربة شارك فيها بشجاعة فائقة أعضاء الأفواج الثلاثة دامت حوالي نصف ساعة، وشيئا فشيئا تمكن المجاهدون من فتح ثغرات في صفوف قوات العدو للانسحاب خارج القرية حيث كان الانسحاب الأولي في حدود العاشرة ليلا ، أعقبه في حدود الساعة الثانية من صبيحة 21 أوت 55 الانسحاب الأخير .وقد أسفر هذا الهجوم عن استشهاد المهاجم بوطاطا محمود وعدد من المسبلين المدنيين.
هجوم عزابة وشمال قالمة:
فيما يتعلق بتعيين أهداف الهجوم بنواحي عزابة فإنه بعد لانتهاء من اجتماع جبل (الزمان) الذي أشرف عليه زيغود يوسف رجعنا في أوائل شهر جويلية إلى ناحية مليلة حيث تم تحديد النقاط المقرر مهاجمتها وشكلت تبعا لذلك الفصائل على الشكل التالي:
•فصيلة يقودها حفار الساسي المدعو الوهراني كلفت بمهاجمة عزابة.
•فصيلة يقودها لسمر محمد المدعو زغاد كلفت بمهاجمة قرية السبت.
•فصيلة يقودها زايدي يوسف كلفت بمهاجمة قاسطو(بكوش لخضر حاليا).
فعلى إثر تشكيل الفصائل التي عين على رأسها قائد أوكلت لها مهمة القيام بمهاجمة ثكنات العدو ومراكزه بكل دقة،توجهنا إلى نواحي قالمة وبالضبط عقدنا اجتماعا بجبل بوعسلوج بمركز عمر سرايدي(شهيد) ، وفي تلك الأثناء وزعت المهام حيث كلف عمار بن عودة بالتوجه إلى ناحية عنابة رفقة (5) جنود للقيام بعملية ضد منشآت العدو في سرايدي، الملاحظ أن هماجمة مدينة عنابة يتطلب عددا وافرا من الرجال وتنظيما داخليا متينا وكما نعلم فإن معظم المناضلين سبق و أن ألقت عليهم السلطات الاستعمارية القبض مباشرة على إثر اندلاع الثورة التحريرية ، لذلك فقد اقتصرت عملية الهجوم على ناحية سرايدي فقط.
أما بالنسبة لشمال مدينة قالمة فإن توزيع الأفواج كان على الشكل التالي:
•فصيلة يقودها فتيسي عاشور (شهيد) كلفت بمهاجمة بوعاتي.
•فصيلة يقودها عيسى بن طبولة و أحمد سرايدي (شهيد) كلفت بمهاجمة الفجوج.[31]
•فصيلة يقودها عيسى بوقموزة المدعو صالح الحروشي(شهيد) كلفت بمهاجمة هليوبوليس.
•فصيلة يقودها أحمد هبهوب كلفت بمهاجمة عين الباردة.
(يلاحظ أن هذا الهجوم تأخر عن موعده ولم ينفذ سوى يوم 22 أوت).
هجوم 20 أوت 1955 بمدينة الجسور المعلقة:
ليس من السهل أن تخطط لضرب مواقع محددة في مدينة كبرى تعج بحركة المرور وتتوفر على ثكنات استعمارية وإدارة متسعة الفروع خصوصا إذا كان الأمر يستهدف عمالة بمفهوم الأمس وجسور معلقة و أحياء بكاملها يقطنها المستوطنون الاوربيون، فإن هذا العمل يكون من مهام فدائيين وعسكريين يحفظون عن ظهر قلب أزقة المدينة و أحوالها ليل نهار و لا غرابة إذن أن نجد عملية مهاجمة البطل الشهيد زيغود يوسف بمشاركة المجاهد عواطي مصطفى(شهيد) مسؤول عام المدينة، وزعموش علي (مسؤول الفداء).
وحسب المعلومات التي استقيناها فإن الهدف الاستراتيجي من عملية مهاجمة بعض النقاط بوسط المدينة في منتصف نهار 20 أوت تجسد في ضرب سياسة الإصلاحات (لجاك سوستال) التي كانت ترمي في عمومها إلى إيقاف المد الثوري، وقد سبق تنفيذ العملية الاتصال ببعض ممثلي الهيئات و دعوتهم إلى الانتماء للثورة التحريرية ومنهاضة الادارة الاستعمارية ،وفي هذا الإطار اتخذت الثورة فيما بعد عدة إجراءات صارمة في حق أولئك الذين رفضوا الانصياع لأوامر الثورة و الجهاد.[32]
أما بالنسبة للاستعدادات المباشرة لتنفيذ عمليات 20 أوت 1955 بقسنطينة فهي تتلخص في التحضيرات المادية و المعنوية من خلال التجمع الذي جرى ليلة 19 أوت بجبل الوحش و أشرف عليه القائد زيغود يوسف بحضور عدة مجاهدين من بينهم شوشان أحمد (شهيد) و زعموش عمار المدعو فولف (شهيد) وعواطي مصطفى (شهيد) ، وبلقاسم كريص.
وكانت آخر محطة قبل اقتحام أسوار المدينة هي مركز مشتى الحميضة الذي بلغته أربع سيارات للفدائيين تضم قنابل مختلفة وكان من بين أولئك الفدائيين الاخوة طبوش السعيد – بوكرو ابراهيم- مصطفى بوجريو المدعو صالح وزعموش عمار المدعو علي.
وقد كانت الأفواج المكلفة بتنفيذ العمليات المختلفة تنحصر مهامها في وضع متفجرات والتصفية الجسدية للشخصيات الموالية للاستعمار:[33]
•فوج مكلف بعملية بوسط المدينة يقوده زعموش علي ويتفرع أيضا إلى عدة مجموعات ثلاثية للقيام بعمليات مختلفة ويرافق كل فوج دليل يعرف مداخل ومخارج المدينة ويقابل أعضاء الفوج في عين المكان دليل يمدهم بالمعلومات الضرورية لكشف تحركات العدو وفي حوزة الأفواج المتفرعة قنابل.
•فوج مكلف بعملية في محطة السكة الحديدية بباب القنطرة يقوده المجاهد كربوع عبد الحميد (شهيد).
•فوج مكلف بعملية بالمنصورة يقوده المجاهد فيلالي مصطفى (شهيد) ومن المنفذين أيضا لهذه العملية بوزيتونة عبد القادر.
•فوج مكلف بتنفيذ عملية بعوينة الفول يقوده العيفة عمر قام أيضا بعملية بمسبح سيدي مسيد أسفرت عن مقتل عسكري.[34]
مهاجمة الجسور و الحانات ودوائر الشرطة و الثكنات العسكرية المدججة بالسلاح والعساكر و ضباط الاستعمار حيث لم يخطر على بال المستعمر مطلقا وصول قوة الثورة إلى مهدهم وتعكير صفو حياتهم الزاخرة بالأحلام الوردية !! وهكذا استمرت معركة المدينة أربع ساعات زلزلت معنويات السلطات الاستعمارية وبعثت من جديد حالة من الاستنفار والذع في أوساط المستوطنين الأوربيين الذين كانوا يحلمون بالعيش في ظل الأمن المزعوم و أزدادت الحيرة أكثر حينما تأكدوا بأن من يحميهم هو نفسه مستهدف في عقر ثكنته وعلى أعتاب الجسور المعلقة ، غير أن خروج الثورة منتصرة من هذه المعركة النهارية على مرأى ومسمع الأوربيين المذعورين خلف عدة تضحيات ماتزال عالقة في الذاكرة الصورة البطولية لاستشهاد المجاهد بوحفص عمار المدعو باباي.
•فوج كلف بالقيام بعملية في شارع لبيان(سابقا) يقوده عيمون سعيد ويساعده كريمي.
•فوج مكلف برفع العلم الوطني فوق المساجد الأربعة الكبرى للمدينة حيث عين ثنيو علاوة برفع العلم على المسجد الكبير وعين الطاهر بن مالك ليرفع العلم على مسجد سيدي ميمون و الجامع الأخضر ،وتم تعيين كريمي معمر المدعو بن قادور لرفع العلم فوقه. وفي حين لم تكن الظروف مواتية لرفع العلم فوق مسجد الكتاني.
وعلى العموم تم تنفيذ مجمل العمليات في جو تسوده الثقة الكاملة بين مختلف المنظمين و المنفذين في عين المكان حيث وزعت الهلع في صفوف المستوطنين و برهنت للاستعمار و أعوانه بأن الثورة باستطاعتها أن تضرب بعمق في كل مكان.[35]
هجوم 20 أوت 1955 بالخروب:
كانت الخروب الواقعة بضواحي مدينة الجسور المعلقة في 20 أوت 1955 على موعد مع الهجوم الذي أولى له ضباط جيش التحرير الوطني كل عنايتهم فضبطت من أجل القيام بتنفيذ العمليات كل المأموريات و المهام وهكذا جرت تحضيرات كثيفة سابقة كان موقعها القريب جبل الوحش وهدفها المحدد ضرب عدة تحصينات للعدو في قلب الخروب التي تزامن انفجارها مع انفجارات متزامنة في كل من سكيكدة و قسنطينة الجارة الأم القريبة ، وعين عبيد ووادي الزناتي وغيرها.
ففي ليلة 18 أوت عينت أفواج يؤطرها مسؤولون مسلحون وكل فوج توسع إلى كتيبة يشرف عليها جندي وتتكون هذه الكتائب الست على النحو التالي:
- كتيبة يقودها أحمد شتيوي(شهيد).
- كتيبة يقودها أحمد منايفي بوجمعة المدعو بن عيسى.
- كتيبة يقودها فرحات...
- كتيبة يقودها المدعو ابراهيم من مجاز الدشيش.
- كتيبة يقودها عيساني عمار المدعو بوداب.
- كتيبة يقودها خمو بلحرش المدعو الشيخ.
وفي اليوم الموالي (19 أوت1955) وضعت الترتيبات النهائية بمشاركة أعضاء الكتائب المشكلة والتي يتكون أغلبها من المدنيين وكان سلاح المواجهة بطبيعة الحال هي بضعة قنابل محرقة تقرر وضعها في منتصف نهار يوم 20 أوت 1955 بثكنات الجيش الاستعماري والجندرمة ومراكز الشرطة ومحطة السكة الحديدية، وما كان يصبو إلى تحقيقه فعلا أفواج المجاهدين هو احتلال الثكنة العسكرية للعدو. . لكننا نتساءل قبل ذلك كيف يتحرك أعضاء الكتائب الست (6) التي تتألف في مجموعها من حوالي 500 مشارك بين مجاهد ومدني. .؟ الجواب يمكن بكل بساطة في تمركز هذه الكتائب قبل الهجوم بمزارع دحمون وعيسى بن درويش وقشقاش والكرمية والشريف قويدر وتم الشروع في التحرك نحو مداخل المدينة بطريقة لا يلحظها العدو، والهدف يتمثل في محاصرة المدينة من الجهات الأربع غير أن العائق الذي اصطدم به المهاجمون: صالح بوبندير (صوت العرب) ومحمود الحروشي وسويسي السعيد هو صعوبة التحرك المكشوف أمام ثكنتي الجندرمة والجيش الفرنسيين ورغم
ذلك فان بقية الأهداف المسطرة للعلمية كانت ناجحة نسبيا، في حين نجد أن السلطات الاستعمارية لما شعرت بتنفيذ العملية صارت تستخدم القصف المدفعي، من موقع مكشوف أثر على قوات جيش التحرير الوطني وتسبب في استشهاد فرحات بن عثمان ومولود محفوظ وعمار عياش، وسويسي العربي، بينما ألحقت خسائر بشرية بصفوف العدو تمثلت في مقتل عدد من العساكر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق