السنة الأولى : قانون الأعمال
الإرسال : الأولمـقـدمـة
الأفكار العامة :
يقوم المستهلكون باقتنـاء حاجاتهم من سلع ( منتوجات Des Produits ) أو الخدمات ( Des Services ) وذلك بربط علاقات مع أشخاص طبيعيين أو معنويين يحترفون بيع هذه السلع و تقديم تلك الخدمات . من الطبيعي أن تكون العلاقة في هذه الحالة غير متوازية بين المحترف ( Professionnel ) والمستهلك(Consommateur ) ، لأن الكفاءة المهنية والمعلومات والمركز المالي للمحترف مسائل تجعله في مركز يسمح له بإملاء شروطه على المستهلك .
وهذا لا يعني عدم نزاهة هؤلاء المحترفين ولا يكشف عن رغبتهم في استغلال هذه الوضعية وأن تفوق المحترفين طبيعي توشك أن يجعل من المستهلكين ضحاياهم .
ولقد كان عدم التوازن موجودا منذ القدم إذ أنه سبقا لقانون الروماني والقوانين القديمة وأن وضعت العديد من القواعد لحماية المشتري ( كانت القوانين القديمة لا تتحدث عن المستهلك ) من خدعة وغش التجار .
إن تطور اقتصاد السوق في القرن 19 م و20 م قد يجعلنا نعتقد أن المستهلك أصبح ملكا يتحكم في النظام الاقتصادي : فحرية المنافسة بين المؤسسات التجارية يجب أن تكون مصدرا لتوفير السلع المعروضة وتحسين نوعيتها وتقليص ثمنها . وبالتوازي أصبح مبدأ سلطان الإرادة أساسا للمنظومة القانونية ، على كل متعاقد رعاية مصالحه الخاصة، والشخص المتعاقد يلزم نفسه ، فكلمة التعاقد تعني إذن العدالة .
ولذلك لا يبدوا ضروريا حماية المتعاقدين إلا ببعض القواعد التي تعاقب عن بعض أعمال الغش الموصوفة.
يتمتعوا الأجراء ( Les Salaries ) بالمقابل بحماية واسعة وهذا منذ نهاية القرن 19 م لأنهم اعتبروا في هذه الفترة ضحايا النظام الاقتصادي ، فهم غير قادرين على حماية أنفسهم بأنفسهم .
إبتداء من الستينات أصبحت مشكلة مجتمع رغم أن هذه الفترة تزامنت مع تطور اقتصادي معتبر الذي يوفر العديد من السلع والخدمات المعروضة على المستهلكين . وتتطابق هذه الفترة كذلك مع نمو حجم المؤسسات وتكاثر المنتوجات والخدمات المعروضة على المستهلكين . وتتطابق هذه الفترة كذلك مع نمو حجم المؤسسات وتكاثر المنتوجات والخدمات المعقدة ، وتطور القروض والإشهار والتقنيات التسويق([1]) .
ومن هنا يتضاعف عدم توازن بين الشركاء الاقتصاديين : المحترفين يجدون أنفسهم أكثر فأكثر في مركز قوة اتجاه المستهلكين . وبصفة عامة فإن المستهلكين لا يجدون أنفسهم إلا في مركز ضعف . رغم الاستفادة ماديا من التطور الاقتصاد فهم يتحولون إلى موضوع تصرف في يد المتخصصين في تقنيات السوق.
يعتبر المستهلكون ملوكا وفي نفس الوقت رقيقا لهذا المجتمع الاستهلاكي الذي تتصف به البلدان المتطورة ، ويعيشون في وضعية خطيرة بسبب فقرهم وجهلهم وسنهم . ذلك تتجلى ضرورة حمايتهم ليس ضد عدم إستقامة المحترفين فحسب بل ضد التعسف في استعمال السلطة الاقتصادية . وهذا التعسف خطير ينبثق من النظام الذي نعيش فيه وهو لا يبصر من طرف الرأي العام . قام في أول الأمر الفيلسوف مركيز ( Marcuse ) وعالم لاقتصاد غال برياث(Galbraith ) بتشهير بخطورة المجتمع الاستهلاكي في الولايات المتحدة الأمريكية .
واكتشف الرئيس كنيدي ( S.F Kennedy ) في العام 1962 بأن المستهلكين يكونون المجموعة الاقتصادية الأكثر أهمية والتي لا تهتم المجموعة الوطنية بالإصغاء إلى مطالبتها ويأمل في وضع تشريع يضمن لهم الممارسة الكاملة للحق في حمايتهم والحق في إعلامهم ، والحق في تقديم مطالبهم والإصغاء إليها والحق في اختيار بين العديد من المنتوجات . وبدأ المستهلكون في الولايات المتحدة الأمريكية في تنظيم أنفسهم في الدفاع عن مصالحهم وبهذا ظهر إلى الوجود مفهوم ( Le Consumérisme ) .
إن قوة التيار الاستهلاكي في أمريكا تكمن في شخصية RALPH NADER المحامي الشاب الذي انتصر في العام 1980 م على الشركة العظمى Général Motor عندما انتقد وبين أن مركباتها غير آمنة.
إن صراع المستهلك مع الممون يتوقف على إبراز خاصية في الإنسان مهملة إلى حد الآن . المواطن معترف له بمجموعة كبيرة من الحقوق والحريات في مواجهة السلطة العمومية ، إذ يمكنه مثلا أن ينخرط في أي حزب يختاره . أما إذا كان أجيرا ، فهو يتمتع بحق جماعي آخر وهو الانتماء إلى النقابة .
فلماذا كمستهلك ( يبقى معزولا في مواجهة المنتجين والموزعين ؟ وخاصة أن تجمع المنتجين أصبح حقيقة ملموسة وهكذا تشتد المواجهة . فمن جهة أولى نلاحظ قوة وتضامن المنتجين ، ومن جهة ثانية ضعف وتشتت صفوف المستهلكين . وبعد عدة سنوات بدأت البلدان الغربية بدورها تشعر بالأخطار التي تهدد المستهلكين . شهدت سنوات السبعينات والثمانينات ظهور وتعدد هيئات الدفاع عن المستهلك والقواعد القانونية وحمايته ، وهكذا ظهرت إلى الوجود هذه المادة الجديدة التي تسمى قانون المستهلك إذ أصبح قانون المستهلك جزء من المنظومة القانونية في كل البلدان ذات الاقتصاد المتطور ولم تشعر الجزائر إلا بعد سنة 1988 وهذا التاريخ يعتبر منعرج حاسم في تطورها السياسي .
وأخذ التطور العالمي في الدفاع عن المستهلك مكانه ببطء في اهتمامات المشرع الجزائري مع قانون رقم 89( 02 المؤرخ في 08 فيفري 1989 الذي يتضمن القواعد العامة لحماية المستهلك وجميع النصوص الملحقة(مراسيم تنفيذية وقرارات ) .
ونضيف بأن في الجزائر وقبل صدور القانون المذكور أعلاه ، أدرجت مواد في مختلف القوانين ، إستهدفت حماية المستهلك ، أهمها ما كان يتعلق بالأسعار . بالإضافة إلى نصوص أخرى في قانون العقوبات ، ولكن النصوص وحدها لا تكفي لحماية المستهلك وخاصة أن المجتمع الجزائري يتطور بصورة سريعة وفوضوية .
ستشمل هذه المحاضرة عدة أقسام :
ـ القسم الأول : تعريف المستهلك .
ـ القسم الثاني : تقديم قانون المستهلك .
ـ القسم الثالث : حماية المستهلك في فرنسا .
ـ القسم الرابع : حماية المستهلك في الجزائر .
القـسـم الأول
تعريف المستهلك
بعد ما كانت كل من كلمة الاستهلاك والمستهلك من المصطلحات العلوم الاقتصادية([2])، أصبحت في يومنا هذا من العبارات القانونية لذلك كان لا بد من إعطاء تعريف قانوني لهما ، ليس فقط لتحديد نطاق تطبيق القوانين والتي تعود فائدتها على المستهلكين ، وإنما لتوضيح وفهم فلسفة قانون الاستهلاك .
لم يأتي القانون الفرنسي بتعريف للمستهلك([3]). ولكن لقد حاول الاجتهاد القضائي والفقه تعريف المستهلك إلا أنهما لم يوفقا في الإدلاء بتعريف موحد لذلك ولازال مفهوم المستهلك يسوده نوع من الغموض . ولقد عرف علماء الاقتصاد الاستهلاك بأنه المرحلة الأخيرة من التطور والتقدم الاقتصادي([4])
وهو يختلف عن الإنتاج والتوزيع اللذين يكونان المراحل الأولى والمتمثلة في جمع وتحويل وتوزيع الثروات . ولقد استند رجال القانون على هذا التعريف لإعطاء تعريف للمستهلك يتماشى مع فرعهم .
من هنا تبدأ الصعوبات ، لتوضيح مفهوم المستهلك ، يجب أولا تعريف المستهلك بمعناه الضيق ويمكننا بعد ذلك أن نتساءل إذن عن إمكانية وجود توسعات للمفهوم المستهلك .
الفصل الأول : مفهوم المستهلك بمعناه الضيق .
أولا : لقد تبينا التعريف المقترح من طرف لجنة إثراء قانون الاستهلاك : " المستهلك هو الشخص الطبيعي أو المعنوي للقانون الخاص الذي يحصل أو يستعمل المنتوجات أو الخدمات لأغراض غير مهنية([5]).
وهذا التعريف ينقسم إلى ثلاث عناصر :
العنصر الأول : أشخاص يحصلون أو يستعملون .
يتضح من هذا العنصر أن هناك نوعين من المستهلكين :
النوع الأول : وهم الأشخاص الذين يحصلون على السلع وخدمات بهدف غير مهني ، وهذه المنتوجات والخدمات تعطى لهم من طرف شخص آخر غالبا ما يكون صاحب مهنة . والعقد المبرم بين المستهلك وصاحب المهنة ( المهني ) يسمى بعقد الاستهلاك . و هو ذو طبيعة متغيرة مثلا : عندما يبرم عقدا حول عقارات أو منقولات ، أو عقود مقاولة أو عقود تأمين، أو إيجار الأشياء أو قرض ....الخ . القواعد التي تحمي ، تطبق ليس فقط على العقد نفسه ولكن أيضا على أولياته([6])Les Préliminaire Du Contrat) ).
ومما تجد الإشارة إليه أن المستهلك هو الشخص الذي يحصل على المنتوج أو الخدمة أما الشخص الذي يقدم له هذا المنتج أو الخدمة فلا يمكن وصفه بالمستهلك ولو لم يكن مهني([7])
النوع الثاني : هناك فئة أخرى من المستهلكين وهم الذين يستعملون السلع والخدمات لأغراض غير مهنية . فغالبا ما يحصل المستهلك على المنتوج أو الخدمة ليستعملها لأغراضه الشخصية . ليس دائما الأمر كذلك.
إن منتوج محل شراء من طرف شخص ما ، يمكن مثلا استعماله من قبل أفراد العائلة الذين هم بالنسبة للعقد البيع من الغير ، إن الغير هنا هو أيضا مستهلك في نفس الوقت ، علما بأنه يكون على الهامش من زاوية حق مرتبط بمفهوم العقد . إما أن يحصل أو يستعمل ، فالمستهلك يعتبر دائما شخصا طبيعيا . فالهدف غير المهني يقتضي وجود احتياجات خاصة التي هي أساسا احتياجات الأشخاص الطبيعيين . ولهذا السبب فإن فائدة بعض نصوص قانون الاستهلاك تخص فقط الأشخاص الطبيعيين .
لكن يمكن أن يتخذ بعض الأشخاص المعنويين للقانون الخاص الذين لديهم نشاط غير مهني ، صفة المستهلكين . مثلا : الجمعيات دون غرض مالي فهؤلاء الأشخاص المعنويين يمكنهم في رأينا أن يتمتعوا بقواعد قانون الاستهلاك التي لا تخص فقط الأشخاص الطبيعيين .
العنصر الثاني من التعريف : المنتوجات أو الخدمات .
إن استعمال هذه الكلمتين ، المنتوجات أو الخدمات ، يوضح أن مفهوم المستهلك له نطاق واسع ويطبق على حالات مختلفة :
ـ يمكن أن تكون المنتوجات محل استهلاك مادام أن الحصول عليها أو استعمالها يكون لغرض غير مهني. فالاستهلاك لا ينحصر على الأشياء تنتهي من أول استعمال(كالغذاء). فهناك منتوجات ذات استعمال طويل المدى ( DURABLE ) ( كالسيارة ، الآلات المنزلية ) وحتى العقارات ( السكن ) تعتبر من الأشياء القابل للاستهلاك .
ـ يمتد الاستهلاك أيضا إلى الخدمات . فمفهوم الخدمة مجهول في القانون المدني وكثير الاستعمال في القانون الاقتصادي ويشتمل كل الخدمات الممكن تقديرها نقديا خارج عن توريد المنتوجات . فبعض الخدمـات ذات طبيعة مـادية ( التـصليـح ، التنظيـف REPARATION ET NETTOYAGE ) ، والأخرى لها طبيعية مالية ( التأمين ، القرض ASSURANCE ET CREDIT ) والبعض الآخر ذات طبيعية فكرية أو ذهنية( العلاج الطبي ، الاستشارات القانونية SOINS MEDICAUX ET CONSEILS JURIDIQUE ) .
فكل هذه تعد خدمات قابلة لاستهلاك مادام أنها مقدمة لشخص غير مهني . إن صفة الشخص الذي يقدم المنتوج أو الخدمة لا تؤثر على تعريف المستهلك . فالمورد قد يكون شخصا طبيعيا مهما كانت مهنته ( تجربة ، حرفية أو غيرها ) .
وقد يكون هذا المورد شخصا معنويا ( الشركات ، المؤسسات العامة ) ، وقد يكون من القطاع العام أو الخاص . عموما المورد (FOURNISSEUR ) قد تكون له صفة المهني حسب التعريف الذي نقوم به في ما بعد. وصفة المهني هي التي تضع المستهلك في حالة ضعف وهذه الآخرة تؤدي إلى قواعد الحماية . يمكن في بعض الأحيان أن تكون مورد المنتوج أو الخدمة غير مهني ، وبهذه الصفة يكون فردا كما يقال([8]).
وهذا يؤدي إلى تخفيف وحتى إلى إزالة قواعد الحماية و لكن الشخص الذي يكسب أو يستعمل شيء ما لغرض غير مهني تبقى له صفة المستهلك .
العنصر الثالث من التعريف : هدف غير مهني .
يعد الهدف الغير المهني الوارد في تعريف المستهلك هو المعيار الأساسي : فالمستهلك هو من يحصل على المنتج أو الخدمة لهدف غير مهني ، بمعنى آخر لهدف شخصي أو عائلي .
ونذكر بعض الأمثلة عن أعمال الاستهلاك : شراء الأغذية ، العلاج ، اكتتاب طلب التأمين
( SOUSCRIRE UNE ASSURANCE ) ، شراء آلات منزلية ، شراء سيارة ، إيجار أو بنــاء سـكـن ، قــرض نصيب مــن النــقود لـتـغـطـيــة النـفـقــات ( EMPRUNTER L ARGENT NECESSAIRE POUR CES DEPENSES )
والمعيار السابق ذكره هو معيار التمييز بين المستهلك والمهني . وهذا التمييز هو أساس قانون الاستهلاك .
ثـانيــا : تـعريـف المهنـي :
فــالمــهني هــو الـشخص الــذي يعمل لحاجياته المهنية ، يؤجر محل تجاري ، يشتري سلع لإعادة بيعها ، يـكـسـب الـمـهـمات والآلات (IL ACQUIERT DU MATERIEL OU DE L' OUTILLAGE ) ....الخ . فالهدف العملي هو الذي يسمح بتصنيف صاحبه إما بين المهنيين وإما بين المستهلكين . كلمة مهنة مستعملة في قانون الاستهلاك لتعيين كل نشاط منظم لغرض إنتاج أو توزيع أو أداء خدمات . فقد يكون هذا المهني شخصا طبيعيا أو معنويا ، الشركة المهمة تعتبر كمهني والأمر كذلك بالنسبة للتاجر .
فمفهوم المهنة يتمدد حتى إلى القطاع العام ، مثل : البريد فهو يعتبر في قانون الاستهلاك كمهني.يجب أن نصنف من بين المهنيين وليس من بين المستهلكين كل من يشتري سلع ويستعملها لأغراض مهنية وحتى ولو لم يبيعها . مثل الشركة التي تشتري آلات لمصانعها وهذا التصرف يعتبر عملا مهنيا.
تلك الأعمال تندمج في التطور الاقتصادي للإنتاج أو التوزيع وهذه الأعمال ليست أعمال استهلاكية . فالتمييز بين المهني والمستهلك هو أساس القانون الاستهلاك . فوجود هذا الفرع من القانون يرجع بصفة عامة إلى هذه الملاحظة : تكون وضعية المهنيين متفوقة بالنسبة للمستهلكين ، ويعود هذا إلى خبرتهم التقنية وإلى المعلومات التي يمتلكها وكذلك إلى قدرتهم المالية .
وهدف قانون الاستهلاك هو إقامة توازن في علاقة المستهلكين والمهنيين . ويمنح هذا القانون للمستهلكين حقوق كوزن مقابل للامتيازات التي يتمتع بها المهنيون .
ولكن يجب ألا يؤدي بنا هذا إلى القول بأن المهنيين والمستهلكين يكونون فئتان مختلفتــان مـن المواطنين . فجاء على لسان الرئيس كيندي(Kennedy ) عام 1962 ( كلنا مستهلكين ) .
فالشخص الطبيعي يعتبر مستهلكا في مختلف فترات حياته وإن الشخص فضلا عن ذلك يمارس نشاطا مهنيا . حينما يشتري التاجر مواد غذائه يعتبر مستهلكا .
فقانون الاستهلاك يتعلق بوظيفة اقتصادية وليس بنوع من الأشخاص([9]).
ثالثا : الحالات التي يقل فيها التمييز بين المهني والمستهلك .
يمكن أن يقع شخصا ما في حالة هجونية ( hybride ) تقرب من جهة إلى مهني ومن جهة أخرى إلى حالة مستهلك . هنا يجب اختيار تأهيل : إذا كان الشخص مستهلك فهو يتمتع بقواعد الحماية ، أما إذا كان مهني فلن يستفيد بهذه القواعد . الصعوبة تكون في حالتين متميزتين :
ـ أولا : لما يحصل شخصا ما على منتج أو خدمة لغرض مزدوج ، مهني وغير مهني بالمرة . مثلا : وكيل عقاري يشتري سيارة يستعملها لتنقلاته المهنية ولتنقلات عائلية . إذن هنــا يجب تطبيق علــى هذا الافتراض القاعدة التي يتفوق فيها الأصل على التابع ( Le principal l'emporte sur l'accessoire ) قليل جدا .
ـ ثانيا : هناك حالة شخص ما يحصل على منتوج أو خدمة لاحتياجاته المهنية ، لكنه يعمل خارج اختصاصه المهني . هنا الاجتهاد القضائي غني جدا وهو يعتبر هذا الشخص كمستهلك وسنجد هذا المشكل في ما يوالي .
الفصل الثاني : توسيع مفهوم المستهلك .
لو وسعنا مفهوم المستهلك إلى أشخاص آخرين فإنهم سوف يستفيدون من القواعد التي تحمي المستهلك . وهذا لا يعني أنهم حتما مستهلكين بل يمكننا تشبيههم بمستهلكين .
هناك ثلاث أنواع من الأشخاص :
ـ المهنيين الخارجيين عن إطار تخصصهم ،
ـ الموفرين الذين يوفرون أموالهم ،
ـ المستعملين للموافق العامة ،
إن وضعيتهم تثير مشاكل مع مفهوم المستهلك .
أ ـ المهنيين الخارجين عن إطار تخصصهم : مثلا الفلاح الذي يقوم بتأمين استغلاله الزراعي ، وكذلك التاجر الذي يركب منبه ضد السرقة في محله ، وكذلك المحامي الذي يشتري جهاز للإعلام الآلي لحاجاته المهنية . كل هذه الأعمال لها هدف مهني ، والأشخاص الذين يقومون بها لا يدخلون في مفهوم الضيق للمستهلك . ولكن كل هؤلاء يعملون خارج نطاق اختصاصهم وقد يجدون أنفسهم في وضعية ضعف أمام متعاقد يهم المهني ( المختص ) وهي وضعية تشبه وضعية المستهلك . ونجد أن جزء من الاجتهاد القضائي قد تأثر بهذا فوسع إفادة قواعد قانون الاستهلاك لهؤلاء الأشخاص الذين يعملون خارج اختصاصهم بهدف مهني كما تبنى بعض الفقهاء هذه الفكرة . وجزء آخر من الاجتهـاد القضـائي ومن الفقه يرفضون تمـامـا توسيــع مفهوم المستهلك وهذا صحيح للأسباب التالية :
ـ المهني الخارج عن إطار تخصصه لم يكن فاقد الخبرة تماما كالمستهلك . طبعا هذا حسب الحالات ، وبصفة عامة الشخص الذي يعمل لاحتياجاته المهنية هو أكثر فعالية وحماس من الشخص الذي يعمل لاحتياجاته الخاصة إذن الأول أكثر دفاعا عن نفسه .
ـ وكذلك المفهوم الواسع للمستهلك يجعل حدود قانون الاستهلاك غير دقيقة لمعرفة ما إذا كان المهني يعمل في إطار اختصاصه أم لا يجب البحث حالة بحالة ، لكن نتيجة هذا البحث غير مضمونة ( أو احتمالية ) .وفي الحقيقة يجب على المتعاقدين معرفة القانون الذي يطبق عليهم مسبقا . بهذا المفهوم الضيق أكثر دقة ويحمل حماية قانونية أكبر التي لم نجدها في مفهوم الواسع .
ـ وأخيرا لو اعتبرنا المهنيين الذين يعملون في إطار تخصصهم . مثلا لما يبرم المحــامي عقود لاحتياجـاته الخـاصة يـمـكـن أن يتفــادى المصائد القــانونية ( Les pièges juridiques)للعقود لأنه يعتبر صاحب خبرة وهذا دون احتياج قواعد الحمــايــة.
وبهذه الطريقــة يحل الثنائي ذوي الاختصاص / غير المختص (Binôme compétent / Profane ) محل الثنائي المهني / المستهلك. ( Binôme Professionnel / Consommateur )
ويصبح الثنائي الأول معيار تطبيق قواعد الحماية . هذا المعيار نظريا يكون مرضي ولكن يفقد كل دقته . ولهذا السبب لا يمكن اعتباره بصفة جدية اعتمادا على المفهوم الضيق للمستهلك : فإن الشخص الذي يعمل لغرض مهني لا يعتبر كمستهلك .
ولكن هذا المفهوم الضيق يعدل بملاحظتين :
ـ من جهة بعض قواعد قانون الاستهلاك غير مخصصة للمستهلكين فقل وإنما يمكنها أن تثار من طرف أشخاص آخرين . مثل القواعد التي ظهرت مسبقا لمفهوم المستهلك هذه القواعد الواسعة المجال يحتمل تقلصها مستقبلا ولا تزول كليا .
ـ ومن جهة أخرى توجد قواعد خاصة لحماية المهنيين الذين هم في وضعية ضعف . وهذه القواعد لا تدخل ضمن قانون الاستهلاك .
ب ـ المدخرون الذين يوفرون أموالهم(Les épargnants faisant des actes de placement ) .
الاقتصاديون يفرقون بين المستهلكين والمدخرين :
ـ المستهلكون يستعملون سيولتهم النقدية من أجل إشباع حاجياتهم فورا .
ـ المدخرون ( الموفرون ) يحفظون أموالهم عادة كاحتياط لحاجيتهم المستقبلية .
لما يملك شخصا ما مبلغ معين له نظريا اختيارين :
إمــا أن يستهلك بشرائــه سيــارة ، إمــا أن يوفر بشــرائــه أسهم في البورصة ( Les actions en bourse ).
الادخار عكس الاستهلاك ، فيبدو لنا للوهلة الأولى بأنه يتملص من قانون الاستهلاك، ولكن في الحقيقة إن الأشياء لا تظهر سهلة كما تبدو .
فالمستهلكين والمدخرين يشتركون في كونهم : ليسو مهنيين ، ويتعاقدون مع المحترفين وحينها يبدو أن القوانين التي تحمي المدخر تشبه تلك المتعلقة بقانون الاستهلاك([10]).
توجد حتى قواعد تحمي دون تمييز كل من هم غير مهنيين سواء كانوا مستهلكين أو مدخرين . ورغم هذه التقربات فإنه لا يجب حتما أن تشبه قانونا المدخرين بالمستهلكين والعكس صحيح حيث أنه وجدت بعض القواعد وضعت من أجل المستهلكين ولا يمكن ربطها أو تطبيقها على المدخرين ( الموفرين ) .
ج ـ المستفيدين من المرافق العامة : Les Usagers des Services Publics
نسمي مرفق عام إذا وجد هناك شخص من القانون العام ( الدولة، الولاية ، البلدية ، المؤسسات العمومية ) الذي يؤمن أو يضمن إشباع في الاحتياجات ذات المصلحة العامة .
عندما تكون الخدمة لصالح شخصي أو عائـلي ، هل نستطيع اعتبار المستفيدين كمستهلكين ؟ والمرافق العامة كخبراء أو مختصين ؟ أهمية السؤال هي معرفة ما إذا كان قانون الاستهلاك يمكن أن يطبق . الإجابة على هذا التساؤل تكون إيجابية إذا كانت المرافق العامة ذات طابع صناعي أو تجاري : منذ الحكم الشهير الصادر عن محكمة المنازعات الفرنسية في 22 جانفي 1921 المرافق العامة المذكورة أعلاه تخضع في علاقاتها مع المستفيدين للقانون الخاص ولاختصاص القضاء العدلي . ينتج إذن أن المستفيدين غير المهنيين يعتبرون مستهلكين كزبائن المؤسسة الخاصة .
وتكون الإجابة أكثر صعوبة بالنسبة للمرافق العامة الإدارية التي لا تبحث عن الربح بل هدفها يبرز في تحقيق المنفعة العامة .إذا تمسكنا بهذا التصور النظري يمكننا أن نستخلص بأن قانون الاستهلاك لم يكن له دور في هذا المجال ، ولكن إذا تمعنا في الأمر جيدا نلاحظ أن المستفيدين في وضعية ضعف أمام سلطة المرافق العامة وهم بحاجة إلى حماية كالمستهلكين . توجد هناك نصوص خاصة بحماية مستفيدي المرافق العامة ونذكر من بينها القانون الفرنسي المؤرخ في 17/ 07/1978 والمرسوم ( الفرنسي ) المؤرخ في 28/11/1983 اللذان يتضمنان عدة إجراءات لتحسين العلاقات بين الإدارة والمواطن ونذكر أيضا المرسوم الجزائري رقم 88- 131 المؤرخ في 4 يوليو سنة 1988 الذي ينظم العلاقات بين الإدارة والمواطن .
هل يمكن توفير حماية إضافية للمستفيدين بإخضاع المرافق العامة الإدارية لقواعد قانون الاستهلاك ؟
إن المرافق العامة الإدارية لا تخضع إلى قواعد قانون الاستهلاك حيث أن الخدمة جماعية ومجانية ( بدون مقابل ) كمرفق العدالة ، الشرطة ومرفق الطرق (Voirie )والمستفيدين من هذه الخدمات ليسوا مستهلكين . لكن يوجد هناك نوع من المرافق العامة الإدارية التي تقدم خدمات بمبالغ مالية مثل المستشفيات ، إن المستفيدين غير المهنيين لهذه المرافق هم بالتأكيد من المستهلكين يمكنهم أن يثيروا قواعد قانون الاستهلاك .
ويكون الحل أقل تأكيدا أو دقة عندما يتعلق الأمر بمرافق عامة أخرى كمرافق التربية الوطنية .
ونستطيع ملاحظة هذا في القانون الفرنسي وكذا في القانون المعمول به في الاتحاد الأوروبي
( Droit Communautaire ) الذي يتجه إلى توسيع قواعد قانون الاستهلاك إلى مفهوم المرفق العام.
القسم الثاني
تقديم عام لقانون الاستهلاك
الفصل الأول : مضمون قانون الاستهلاك .
أولا : ما هو قانون الاستهلاك ؟
لا يمكن أن نعطي تحديد دقيق لقانون الاستهلاك ، هذا التحديد هو غير ممكن وغير ضروري لأن الفروع القانونية ليست لها حدود مخططة ، وقانون الاستهلاك لا يستثنى من ذلك .
بعض الفقهاء لهم تصور ضيق لقانون الاستهلاك والبعض الآخر لديهم تصور أوسع . إذن لا داعي للبحث عن ما هو على حق أم لا.
قلب قانون الاستهلاك يتكون من القواعد التي تهدف في مجملها إلى معيارين :
أ ـ تطبيقها ينحصر فقط في العلاقات بين المهنيين والمستهلكين .
ب ـ هدفها حماية المستهلكين .
وفي مفهومه الضيق يتوقف قانون الاستهلاك عند هذه القواعد السالفة الذكر . لكن من الضرورة أن يكون هناك تصور واسع لتقديم ما تجمله هذه المادة .
من جهة لكي تنتمي قاعدة ما إلى قانون الاستهلاك لابد أن تنطبق أساسيا على العلاقات بين المهنيين والمستهلكين . ليس من الضروري أن تنطبق بالتقصير على هذه العلاقات .
بالتالي النصوص المتعلقة بضمان العيوب الخفية ( La Garantie Des Vices Caches ) ، الـغـش والـتـدلـيـس( Les Fraudes et Falsifications ) ، والإشهــار الــخــادع ( La Publicité Trompeuse ) لهم نظريا تطبيق عام لكن يمكن إدخالهم في قانون الاستهلاك ( Le Code De La Consommation ) . من جهة أخرى من الصعب الالتزام بالقواعد لغاية حماية المستهلكين . لأن العلاقات بين المهنيين والمستهلكين ينتج عنها تطبيق قواعد لا تملك هدف استهلاك .
( A L’ Application De Règles Qui n’ ont pas un but Consumeriste )
ولكن هذه قواعد يمكنها أن تكون إيجابية أو سلبية على المستهلكين . مثل عيـوب الرضا ( Les Vices de Consentement ) ،
وعــدم تـنـفـيــذ العــقد ( L’ Inexécution du Contrat ) واختصاص القضــاء ( La Compétence Judiciaire ) ، هذه القواعد لا تنتمي إلى قانون الاستهلاك بصفة مبدئية وإنما هي مرتبطة به بشدة .
لحد الآن لم نذكر إلا القواعد العامة لقانون الاستهلاك ، أي القواعد التي تطبق على مجموع المنتوجات والخدمات المقدمة للمستهلكين .
هناك أيضا قواعد متخصصة لحماية المستهلكين من أي منتج أو من أي خدمة : كالمنتوجــات الغذائية أي ( Les Produits Alimentaires ) ، الــمنتوجــات الصيدلية ( Les Produits Pharmaceutiques) ، السيارات( Les Voitures Automobiles) ، السكـن ( Logement ) ، التأمينات ( Les Assurances ) .....الخ .
هذه القواعد المتخصصة عديدة وهي توسع أكثر مجال قانون الاستهلاك . لا يمكن دراستها كلها في هذه المحاضرة ، ولكن القواعد الأساسية ستطرح وتعالج في قانون الاستهلاك الجزائري .
ثانيا : قانون الاستهلاك يعد قانونا متعدد الفروع .
( Pluridisciplinarité Du Droit De La Consommation )
ما هي الفروع التي تخص أو يختص بها قانون الاستهلاك ؟
أ ـ القانون المدني يختص بالاهتمام الأول ، لأن العلاقات بين المهنيين والمستهلكين تكون محل عقود للقانون الخاص في أغلب الحالات . بعض نظريات القانون المدني مثل ضمان العيوب الخفية والالتزام بالأمن و الالتزام بالإعلام تحوز على أهمية خاصة للمستهلكين ، وتدخل كلها في مجال أو نطاق قانون الاستهلاك . ونجد كذلك بعض أحكام قانون الاستهلاك وخاصة تلك المتعلقة بالشروط التعسفية ( Les Clauses Abusives ) يمكن ربطها بالقانون المدني .
ب ـ للقانون التجاري دور مقلص لأن قانون الاستهلاك لا يهتم بالتجار فقط لكن بكل المهنيين . لكن قانون الاستهلاك يتضمن أحكاما تخص التجار ، ومع ذلك يمكن ربطها بقانون الاستهلاك مثلا كتلك المتعلقة بتنظيم الأساليب التجارية كالإشهار .
[1]- كلمة ‘‘ Marketing ‘‘ تعني فن البيع أو فنون المتاجرة . ولكن لم يوجد فن الشراء ، دون مواجهة النظام القانون التشريعي يحاول بعدة أحكام قمعية أن يقي كل التجاوزات وهذا في طرق البيع أو الإشهار .
[2]- فإذا كان علم الاقتصاد يوجه المستهلك الوسيط ( Intermédiaire ) بالمستهلك النهـائي ( Final ) فإن اهتمامنا لا ينصب سوى على هذا الصنف الأخير ، ذلك أن الصنف الأول يعتبر من دوي المهن أي المحترفين . المستهلك الصناعي أو الوسطي هو الشخص الذي يشتري السعلة بغرض استخدامها في أغراض إنتاجية تجارية لإعادة بيعها أو إنتاج سلعة أخرى أو خدمة وتوزيعها وتسمى هذه السلع بالسلع الصناعية مثال : المواد الأولية والآلات والأدوات وقطع الغيار .
[3]- (3) إن تعريف المستهلك مدعم باتفاقية بروكسال ( Bruxelles ) في 27 سبتمبر 1968 المتعلقة بالاختصاص القضائي وكذلك معاهدة روما ( Rome ) في 19 جوان 1980 المتعلقة بالقانون المطبق للالتزامات العقدية إضافة لبعض الاتجاهات الأوربية .
[4] - استهلاك آتي من اللاتينية لكلمة"Consummare" التي تعني الإنجاز أو الإكمال أو الإنهاء.
(الاستهلاك ينهي التطور الاقتصادي La Consommation Acheve Le Processus Economique.).
[5]- وهذا المفهوم هو الذي اتجه إليه المشرع الجزائري .
[6]- جزء مهم من قانون الاستهلاك ينظم العلاقات الأولية (أو تمهيدية) بين المهنيين والمستهلكين .
من جهة أولى المستهلك بحاجة لمعلومات ليوضح رضاه ولكن من جهة أخرى المهنيين يستعملون طرق مختلفة، الرئيسية منها الإشهار ولكي يجلبون الزبائن . في النهاية الوثائق العقدية بصفة عامة المحررة من طرف المهنيين والمقدمة ( المطروحة ) للمستهلكين وهذا دون إمكانياتهم للمفاوضة( Sans Possibilité De Négociation ) . وهكذا يظهر الخطر بالنسبة للمستهلكين من اجل أخذ القرار الذي يظهر في نهاية الأمر مكلف ودون فائدة . وقواعد الحماية مثل:قاعدة إعلان المستهلك أو القواعد المنظمة للممارسات التجارية كفتح محل للبيع ، تبحث حول تخفيف هذا الخطر .
[7])- اتفـاقيـة بروكسـال في 27 سبتمبر 1968 الـمتعلقـة بـالاختصاص القضـائـي( La Compétence Judiciaire) ( المادة 13 ) تتبنى تصور أوسع لمفهوم المستهلك : " العقد المبرم من طرف شخص من أجل الاستعمال ، يمكن اعتباره كأجنبي بالنسبة لنشاطه المهني . وهذا الشخص يطلق عليه تسمية المستهلك " .
وكذلك توجيه 5 أفريل 1993 متعلقة بالشروط التعسفية ( المادة 2 ) " طبقا للعقود المتعلقة بهذا التوجيه نعني بالمستهلك كل شخص طبيعي الذي يسعى إلى أغراض لا تدخل في إطار نشاطه المهني ".
هذه التعريفات يمكن أن تطبق على الذي يشتري كما يمكنها أن تطبق على الذي يبيع .
-[8]مثل الفرد الذي يبيع سيارته إلى فرد آخر .
[9]- En ce sens, le droit de la consommation diffère du droit de travail, avec lequel il présente par ailleurs des traits communs.
[10] - تلك القواعد التي توجد في مجال السعي لإبرام عقود البيع(البيع المتجول)( Démarchage ) والإشهار والتقاضي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق