ابحث عن موضوعك في موقعي هنا

||

ترجمة/Translate

الاثنين، 2 ديسمبر 2019

اختبار الأول للفصل الأول التاريخ والجغرافيا السنة الثانية متوسط (الجيل الثاني)

اختبار الأول للفصل الأول
التاريخ والجغرافيا
السنة الثانية متوسط 
(الجيـــــــــــــــــــل الثــاني)

+++++
++
+
-----------------------------------------------------
للتحميل الإجابة النموذجية للفرض
+++++
++
+
اضغط هنا للتحميل
ملاحظة: سيتم رفع الاجابة النوذجية في الايام القادمة 
صورة ذات صلة

اقرأ المزيد

اختبار الأول للفصل الأول تــــربية مــــــدنية السنة الثانية متوسط (الجيل الثاني)

اختبار الأول للفصل الأول
تــــربية مــــــدنية 
السنة الثانية متوسط 
(الجيـــــــــــــــــــل الثــاني)

+++++
++
+
-----------------------------------------------------
للتحميل الإجابة النموذجية للفرض
+++++
++
+
اضغط هنا للتحميل
ملاحظة: سيتم رفع الاجابة النوذجية في الايام القادمة 
صورة ذات صلة

اقرأ المزيد

اختبار الأول للفصل الأول التربية المدنية السنة الرابعة متوسط (الجيـل الثاني)

اختبار الأول للفصل الأول
التربية المدنية
السنة الرابعة متوسط 
(الجيـــــــــــــــــــل الثــاني)

+++++
++
+
-----------------------------------------------------
للتحميل الإجابة النموذجية للاختبار
+++++
++
+
اضغط هنا للتحميل
ملاحظة : سيتم رفع الاجابة النموذجية الايام القادمة 
وبالتوفيق لجميع تلاميذ السنة الرابعة متوسط
خاصة متوسطة زيبوش محمد شرشال 

نتيجة بحث الصور عن طفل يفكر

اقرأ المزيد

اختبار الأول للفصل الأول التاريخ والجغرافيا السنة الرابعة متوسط (الجيـل الثـاني)

اختبار الأول للفصل الأول
التاريخ والجغرافيا
السنة الرابعة متوسط 
(الجيـــــــــــــــــــل الثــاني)

+++++
++
+
-----------------------------------------------------
للتحميل الإجابة النموذجية للاختبار
+++++
++
+
اضغط هنا للتحميل
ملاحظة : سيتم رفع الاجابة النموذجية الايام القادمة 
وبالتوفيق لجميع تلاميذ السنة الرابعة متوسط
خاصة متوسطة زيبوش محمد شرشال 

نتيجة بحث الصور عن طفل يفكر

اقرأ المزيد

الأربعاء، 27 نوفمبر 2019

السينما في أمريكا

خطة البحث
مـــقــدمــة

الفصل الأول: البدايات الأولى للسينما في أمريكا .

المبحث الأول: مولد هوليوود .
المبحث الثاني : هوليوود أثناء الحرب العالمية الأولى .
المبحث الثالث : الرقابة في السينما الأمريكية .
المبحث الرابع : السينما الأمريكية في مرحلة السينما الناطقة .
المبحث الخامس : ظهور الشركات السينمائية الأمريكية الكبرى و بداية الاحتكار .

الفصل الثاني: المراحل التي مرَّ بها تطور الفيلم السينمائي الأمريكي.

الفصل الثالث: التكنولوجيا الحديثة والفيلم السينمائي:

المبحث الأول : إدخال التقنيات الالكترونية على السينما
المبحث الثاني : آفاق الثورة الجديدة في تكنولوجيا السينما

الــخــاتـــمــة

المراجع .
1- الكتب:

1/- ميلفين دوفلير و ساندرا بول روكيتش : نظريات وسائل الإعلام ، ترجمة كمال عبد الرؤوف . الدار الدولية للنشر و التوزيع 1989.

2/- جورج صادول : تاريخ السينما في العالم. ترجمة كمال عبد الرؤوف .من مكتبة المصطفى الالكترونية .

-/3 مجلة عرس الزين -الحياة السينمائية -العدد الخاص-شتاء 1980 .

2- المواقع و المنتديات الالكترونية :

http// www.etudiantdz.com1/- منتدى الطلبة الجزائريين :

http// منتديات وطن منتديات وطن : -/2

http// : www.al-mostafa.com ظ…ظƒطھط¨ط© ط§ظ„ظ…طµط·ظپظ‰ ط§ظ„ط§ظ„ظƒطھط±ظˆظ†ظٹط© 3/- مكتبة المصطفى الالكترونية :

البدايات الأولى للسينما في أمريكا .

تعريف السينما :

السينما كلمة مشتقة من الكلمة الإغريقية "kinima " التي تعني الحركة و عرف بأنها فن الصور المتحركة و هي إحدى وسائل الاتصال الجماهيرية تقوم على أساس عرض شريط من الصور السمعية البصرية التي تحاكي الواقع و تستخدمه لأغراض تعليمية و تثقيفية و دعائية و ترفيهية و تعتبر السينما فنا و علما و صناعة و سلعة في آن واحد .
أما فنيا فتعرف بأنها عملية تحويل الصور المتقطعة إلى مقاطع و مناظر و مشاهد ثم ترتب و تنسق و تجمع بواسطة المونتاج لتكون قطعة أو عمل فني و تسمى أيضا الفن السابع.

المبحث الاول : مولد هوليوود:
عرفت الولايات المتحدة السينما بعد عرض لوميير بثلاث أشهر، حيث يعتبر يوم 23 مارس 1896 هو بداية السينما في أمريكا . في السنوات الأولى لصناعة السينما كان عدد كبير من المدن الأمريكية يقوم بإنتاج الأفلام السينمائية، لكن بمرور الوقت ومع تطور صناعة السينما، بدأ المنتجون يتجهون أكثر وأكثر إلى جنوبي كاليفورنيا حيث المناخ الملائم للتصوير طوال العام. وقبل نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914م، كانت بعض الشركات المنتجة قد أقامت لنفسها عددًا من أماكن التصوير (الاستوديوهات) حول منطقة هوليوود في لوس أنجلوس. ثم حدثت بعض التطورات الدولية التي أدَّت إلى انفراد تلك المنطقة بالسيطرة على صناعة السينما في العالم وارتباط ذلك الفن الجديد باسم هوليوود. ومن أبرز تلك التطورات أن الحرب العالمية الأولى قَضَت على المنافسة الأوروبية القوية للسينما الأمريكية، فقد ركزت حكومتا إيطاليا وفرنسا جهودهما للقتال وسَحَبَتا دعمهما المادي لصناعة السينما في هاتين الدولتين، وهكذا انفردت هوليوود بالساحة وبدأ المخرجون والمنتجون ينفقون بِبَذَخ لتقديم المناظر والملابس المبهرة لتنفرد هوليوود بقمة صناعة السينما بلا منازع. و قد نال القطاع السينمائي الأمريكي احترام الجمهور ففي 1914 قارب الإنتاج الأمريكي نصف الإنتاج العالمي ، ليقفز عام 1918 حتى يبدو أن أمريكا تقوم بالاحتكار الكامل لإنتاج الأفلام و دور العرض في أوروبا واسيا تحت احتكار الثلاث الكبار .
لكن ذلك لا يعني انفراد هوليوود المطلق بصناعة السينما في العالم، فسرعان ماعادت أوروبا لمنافسة الولايات المتحدة في صناعة السينما، وبخاصة فيما يتعلق بتطبيق بعض الأساليب الفنية الجديدة على فن السينما كالتعبيرية، وهكذا ظهرت التعبيرية في السينما الألمانية لتركِّز على الواقع النفسي، وليس مجرد الواقع الظاهري أو الخارجي. وفي الاتحاد السوفييتي (السابق) ابتداءً من عام 1922م، بدأت حركة سينمائية نشطة كان أبرز مُخْرجيها سيرجي آيزنشتين الذي رفع السينما السوفييتية الصامتة بفيلمه "بوتمكين" في عام 1925م، إلى مصاف السينما العالمية.
ارتفاع عدد صالات العرض في امريكا :
في الوقت الذي كانت فيه فرنسا تملك مائتي إلى ثلاثمائة صالة عرض في عام 1909، ولا يملك العالم بأسره سوى ألفين إلى ثلاثة آلاف صالة ، كان عدد صالات العرض السينمائي في أمريكا في نفس الفترة قد تجاوز عددها في العالم بأسره . ففي غضون ثلاث سنوات فقط ارتفع عدد صالات العرض في أمريكا بشكل خرافي ، من عشر صالات فقط إلى عشرة ألاف صالة .
هذا الارتفاع المذهل في عدد صالات العرض ، جاء نتيجة لأسباب عديدة و مدروسة أهمها ثمن تذكرة الدخول البسيط و هو خمس سنتات (نيكل واحد فقط) ولهذا سميت هذه الصالات ب "منتديات النيكل" . مما خلق رواد السينما في تلك الفترة ، فكانوا في مجملهم من المهاجرين الذين بدؤوا يتدافعون بشكل هائل إلى أمريكا ، بمعدل مليون نسمة سنويا، و نجاح ذلك أدى باتجاه بناء المزيد من صالات العرض.
إن انتشار صالات العرض بهذا الشكل ، قد ساهم بشكل واضح في زيادة الإنتاج السينمائي ، و ذلك لتلبية حاجة المستهلك (المتفرج) ، و دخول الرأسمال الأمريكي هذا المجال بدون أي توجس أو خوف . باعتبار أن إنتاج فيلم واحد بتكلفة مائتي دولار فقط قادر على جني أرباح تساوي عشرة أضعاف هذا المبلغ .
المبحث الثاني : هوليوود أثناء الحرب العالمية الأولى :
جاءت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 لتكون لصالح السينما الأمريكية ، تلك السنوات التي شهدت انحسارا واضحا للسينما الأوروبية . فبينما كانت أوروبا مشغولة بالحرب و أعبائها ، كانت أمريكا تصنع تاريخها السينمائي . حيث بدأت استوديوهات هوليوود في إنتاج الكثير من الأفلام التي حظيت بنجاحات متكررة ، إن كان في أمريكا أو في بقية العالم . إلى أن قام المخرج الأمريكي ديفيد جريفيت ، بتقديم فيلمه الرائد " مولد امة " .
إن فيلم " مولد امة " الذي أخرجه ديفيد جريفيت عام 1915 يعتبر بحق انطلاقة السينما الأمريكية التجارية الحقيقية ، وتألق صناعتها، هذا الفيلم الذي أثار ضجة صاخبة، بسبب الاتجاه العنصري والعرقي الذي يتبناه موضوع الفيلم، فقد حدثت ردود فعل دموية لدى المتفرج راح ضحيتها الكثيرون، مما جعل إيراداته تتزايد يوماً بعد يوم. لدرجة أن هذا الفيلم الذي لم يتكلف إنتاجه سوى سبعمائة دولار، قد فاقت مداخيله التصور، بعد أن شاهده ما يقارب المائة مليون نسمة في أمريكا وحدها. وبهذا فقد أحدث هذا الفيلم ثورة في السينما الأمريكية من الناحية التجارية، خالقاً لهوليوود فرصة الشروع فيما بعد بإنتاج أفلام أكثر أهمية وترفاُ.. حيث فتحت الأبواب أمام الإنتاجات الضخمة والأجور الخيالية.
كانت السنوات العشر التي تبعت الحرب العالمية الأولى، بالنسبة للسينما الأمريكية سنوات رخاء وازدهار، وليست كذلك بالنسبة للسينما الأوروبية، لأسباب موضوعية أهمها حذف الأفلام الأجنبية من برامج عروض عشرين ألف صالة في الولايات المتحدة، هذا إضافة إلى أن الأفلام الأمريكية قد سيطرت في بقية أنحاء العالم على 60% إلى 90% من برامج العروض، كما وخصص مائتا مليون دولار سنوياً لإنتاج سينمائي تجاوز الـ 800 فيلم، مما أدى طرح مليار ونصف من الدولارات للاستثمار إلى تحويل السينما إلى مشروع يشبه، بهذه الرساميل المخصصة له، أكبر الصناعات الأمريكية، كصناعة السيارات والفولاذ والبترول والسجائر. وسيطرت بعض الشركات الكبرى على الإنتاج والاستثمار والتوزيع العالمي أمثال: بارامونت، ولوي، وفوكس، ومترو، ويونيفيرسال، وربطتها علاقات قوية بالشركات المالية الكبرى في حي وول ستريت. هذه الشركات التي لم تعد تعتمد على المخرجين، بعد إخفاقات جريفيت في أفلامه الأخرى، ما بعد (مولد أمة)، بل على النجوم السينمائيين، فأصبح المنتجون هم أسياد الفيلم منذ ذلك الوقت، إذ سيطروا على الصلاحيات السينمائية كافة: كانتخاب موضوعات الأفلام، والنجوم، والتقنيين، وتنمية فكرة النص والموضوع، إلى غيره من العناصر السينمائية.
مع نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، ظهر نظام النجوم في هوليوود، الذي استحوذ على نتاج هوليوود فيما بعد، بينما بقى المنتج في الظل. وبذلك احتل النجم واجهة هوليوود، وصار نظام النجوم أساس سيطرة هوليوود العالمية. هنا بدأت هوليوود تستقطب الكثير من السينمائيين في أوروبا والعالم، من فرنسا وألمانيا، والنمسا، والسويد، وغيرها من بلدان العالم، الذين عرفوا بأن العمل في هوليوود سيعطيهم الشهرة التي يريدون .
المبحث الثالث : ظهور الرقابة على السينما الأمريكية :
السينما فن جماهيري لا يمكن قصره على الخاصة، أو على عدد قليل من الناس، ومشاهدوها ينتمون إلى كل الفئات، وجمهورها لا يمكن انتخابه إلا بالنسبة لبعض الأفلام الخاصة قليلة العدد. وجمهور المشاهدين يمثل جميع المستويات الثقافية، والشخصية، والطبقية مختلطة بعضها ببعض. فنرى المصاب بالأعصاب جالساً إلى جانب الإنسان الصحيح، والطفل إلى جانب الشيخ المسن. ولكن من الملاحظ أن أغلب جمهور السينما من الشبان، تأكيداً للرأي المسبق الذي يؤكد أن السينما هي قبل كل شئ وسيلة لتسلية الشباب. وغني عن البيان أن هذا الجمهور الشبابي، يكون أكثر تأثراً بالسينما، فهي قادرة على أن تفرض على عشاقها نمطاً من الحياة. ولغة السينما سلاح ذو حدين، لأنها قادرة على التعبير عن كل شئ: الطيِّب والسيئ. فهناك أفلام مقويّة، ومنشطة، ومثقفة، ونافعة، كما توجد أفلام مؤذية، ومفسدة، ومحزنة، وهناك أفلام تحث على العنف وعلى الكراهية، وعلى التأثر، وعلى الإباحية، وعلى كل رذيلة.
وبسبب ذلك التأثير الوجداني العاطفي الذي تملكه السينما كوسيلة اتصال، وإعلام، وإعلان، وتثقيف، وأيضاً إمتاع، وتعليم، وتوجيه، ودعاية، ظهر جهاز يتتبعها قبل، وأثناء، وبعد إنتاج مادتها الفنية على الشريط السينمائي عرف بالرقابة السينمائية .
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، ظهر أول تشريع للرقابة على الأفلام السينمائية في 1915. واعتبرت المحكمة الدستورية العليا، أن أفلام هذه الفترة عبارة عن عمل بسيط ونقي، واقتصرت رخصة الأفلام السينمائية على حقوق الإنتاج، والعرض، والتوزيع مثل الترخيص لمحلات الخمور والمأكولات.
المبحث الرابع : السينما الأمريكية في مرحلة السينما الناطقة :
ومع اكتشاف السينما الناطقة عام 1929، بدا التردد الأمريكي والخوف واضحاً لدى المنتجين، من حرمان هوليوود من تواجدها الخارجي، هذا التردد الذي كان اقتصاديا في الأساس وليس تقنياً. فاتجهت هوليوود لإنتاج الأفلام الغنائية والاستعراضية، التي أخذت نصيباً من النجاح، في محاولة يائسة لتجاوز هذه الأزمة، إلا أن أرقام الإنتاج بدأت في التناقص. فبعد أن كانت السينما الأمريكية تنتج ما يقارب الألف فيلم في العام الواحد، بدأ الرقم يتناقص إلى النصف بعد ظهور السينما الناطقة.
هذا النقص في الأفلام الأمريكية، قابله نشاط إنتاجي في الدول الأوروبية التي احتكرت فيها أمريكا صالات العرض أيام السينما الصامتة. حيث بدأت جماهير تلك الدول تطالب بأفلام تتكلم لغتها. وقد نجحت هوليوود في تجاوز هذا الإشكال من خلال دبلجة الأفلام باللغات الأخرى، وإيجاد حلول أخرى، حيث لم يكن من الصعب على صناع الفيلم الأمريكي، إيجاد حلول لأية أزمة تعترض طريق تدفق ثرواتهم على مدى تاريخ هذه السينما العتيق، لهذا نحن ما نزال نعيش في زمن السينما الأمريكية.
المبحث الخامس : ظاهرة الاحتكار في السينما الأمريكية :
مع ظهور بوادر الصناعة السينمائية بالنمو في بدايات القرن الماضي سارع عدد من رجال الأعمال والمستثمرين إلى الدخول في مجال الإنتاج السينمائي وتمويل الأفلام مع تخوف من هذا الطارئ الفني الجديد. ولكن ومع بدايات العام 1927ومع ظهور تقنية الصوت في الأفلام السينمائية وإشراق بوادر تحول السينما إلى مرحلة الأفلام الناطقة بدأت صناعة السينما تأخذ بعداً أكثر احترافية وتخصصاً. ومنذ تلك المرحلة وإلى نهاية الأربعينيات الميلادية تكونت الفترة الذهبية لعصر الاستوديوهات. أو ما يعرف بالثمانية الكبار في هوليوود في ذلك الوقت. حيث نشأت في تلك الفترة ثمان تكتلات تجارية كبرى عرفت باسم "استوديوهات هوليوود" احتكرت صناعة السينما الأمريكية بالكامل كما احتكرت كذلك عملية توزيع الأفلام داخل الولايات المتحدة وخارجها خصوصاً مع انشغال دول أوربا في تلك الفترة بالحرب العالمية. وباستطاعتنا تقسيم تلك الشركات أو الاستوديوهات إلى قسمين: القسم الأول: شركات إنتاج سينمائي تمتلك سلسلة ضخمة من الصالات السينمائية الممتدة عبر أراضي الولايات المتحدة الأمريكية. وهي خمس شركات: بارامونت - ام جي ام - فوكس القرن العشرين - وارنر برذرز - آر كي أو. القسم الثاني: وهي شركات إنتاج سينمائي لا تمتلك صالات العرض الخاصة بها ولكنها تنتج الأفلام وتعرضها بالتعاون مع الشركات الخمس. وهذه الشركات الثلاث هي: كولومبيا - يونفيرسال - يونايتد آرتست.
ونحن حين نتحدث عن احتكار تلك الشركات الكبرى لصناعة السينما الأمريكية فإننا نتحدث عن واقع حقيقي لمعنى كلمة الاحتكار. حيث كان كل أستوديو من تلك الاستوديوهات يمتلك عقود عمل محددة المدة مع مجموعة من المخرجين والممثلين وكتاب السيناريو والفنيين باعتبارهم موظفين لدى الأستوديو بدلاً من كونهم فنانين يطمحون لتقديم رؤاهم الفنية والإبداعية. كما يقوم مدير الإنتاج في الأستوديو بوضع جداول الإنتاج والتصوير بناء على الهدف المالي للشركة بغض النظر عن أي رؤية فنية أو إخراجية يدلي بها المخرج أو كاتب السيناريو. بل وصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك حيث كان المخرج يمنع من دخول غرفة المونتاج حفاظاً على الروح الربحية والتجارية للعمل كما يراه المنتج وصاحب رأس المال! كما بلغ الأمر حد التحكم بخيارات الممثل، ففي الحين الذي يعمل فيه الممثل الفلاني مع أحد تلك الاستوديوهات لا يتمكن من العمل مع أستوديو آخر! وهو ما عد كارثة هددت مستقبل السينما الفني وأغرقت تلك الفترة بكم لا بأس به من التفاهة الفنية.
استمر العمل بنظام الاستوديوهات قرابة العقدين من الزمان بلغت أوج ازدهارها خلال العامين 1946-1945وذلك إثر الحرب العالمية الثانية وانشغال المنافس الحقيقي للسينما الأمريكية في ذلك الوقت ما أدى إلى أرقام توزيع ونسب أرباح خرافية لتلك الاستوديوهات. ولكن الوصول للقمة يتبعه دوماً النزول عنها من الجهة الأخرى، إذ لم يهنأ ممولو تلك الاستوديوهات وصناع الأفلام بتلك الأرباح الخرافية حتى أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية قراراً شجاعاً ومؤثراً في تاريخ السينما حول العالم يقضي ببيع الشركات الخمس الكبار لجميع صالات عرضها المنتشرة في أرجاء الولايات المتحدة وعدم السماح لها باحتكار العروض لنفسها. ومن المعلوم أن صالات العرض تلك كانت هي مصدر الدخل الرئيسي لتلك الاستوديوهات والمحفز الأكبر لها للاستمرار في دوامة صناعة وتسويق الأفلام أياً كان مستواها الفني أو التقني. ثم جاء اختراع التلفزيون والبث التلفزيوني مع بداية الخمسينيات ليوجه ضربة أخرى قاصمة لتلك الاستوديوهات حيث انشغل الناس بوسيلة ترفيه شديدة المنافسة للسينما وصالات العروض والأفلام. وللدلالة على تلك المنافسة نلحظ أن عام 1946باعت تلك الشركات مجتمعة قرابة خمس مليارات تذكرة سينما داخل الولايات المتحدة بينما انخفض ذلك الرقم في عام 1950بعد اختراع التلفزيون ليصل إلى أقل من ثلاثة مليارات تذكرة ما يمثل انخفاضاً قدره 40% من مبيعات تلك الشركات.
وكعادة كل التغيرات الجديدة بدأت تلك الاستوديوهات بالتأقلم مع الأوضاع الجديدة الحادثة، خصوصاً مع بدء ظهور شركات إنتاج صغيرة كنافذة تنفيس للمخرجين لتقديم رؤاهم الإبداعية الذاتية. ومع الرواج النقدي لبعض تلك الأفلام شهدت العديد من الاستوديوهات حركة تغيير جذرية شملت تغييراً في سياسة الأستوديو بدءاً من التعامل مع المنتج السينمائي باعتباره عملاً فنياً بالدرجة الأولى وربحياً بالدرجة الثانية مروراً باحترام خصوصية المخرج وخياراته الفنية وصولاً لدعم موجات السينما المستقلة واستقطاب الجيل الشاب لتقديم رؤاه وإبداعاته من خلال تلك الشركات وآلية إنتاجها الضخمة.
وما يدل على نجاح تلك السياسات الجديدة للاستوديوهات أن شركة واحدة فقط من الشركات الثمان أعلنت إفلاسها وهي شركة "آر كي أو" بينما لا تزال السبع المتبقية تعمل حتى اليوم منتجة للعالم مئات الأعمال السينمائية سنوياً وموزعة أضعاف هذا الرقم من الأفلام الأمريكية وغير الأمريكية على صالات العرض وقنوات التلفاز وجميع منافذ العرض المتاحة. ونحن اليوم ومع ظهور منافس شرس جديد على الساحة وهو "الإنترنت" نترقب نتيجة تلك المنافسة بينه وبين الشركات السبع الكبرى ونأمل أن تكون قد اكتسبت عبر ما يقارب القرن من الزمان ما يكفي من الخبرة لترويض هذا الوحش الكاسر والتعاون معه بعقلانية تعود بمصلحتها على الجميع .

الفصل الثاني :

المراحل التي مرَّ بها تطور الفيلم السينمائي الامريكي:

ويقسم الناقد والمؤرخ السينمائي الأمريكي فيليب كونجليتون، المراحل التي مرَّ بها تطور الفيلم السينمائي من منظور التأثر بنمو السوق إلي العصور التالية:

1-عصر الريادة: 1895 - 1910:

في هذا العصر بدأت صناعة الفيلم، الكاميرا الأولى، الممثل الأول، المخرجون الأول كانت التقنية جديدة تماماً، ولم تكن هناك أصوات على الإطلاق، ومعظم الأفلام كانت وثائقية، خبرية، وتسجيلات لبعض المسرحيات، وأول دراما روائية كانت مدتها حوالي خمسة دقائق، وبدأت تصبح مألوفة حوالي عام 1905 مع بداية رواية الفنان الفرنسي جورج ميلييه Georges Méliès، رحلة إلى القمر A Trip to the Moon عام 1902، وكانت الأسماء الكبيرة في ذلك الوقت هي إديسون، لوميير، وميلييه بأفلامه المليئة بالخدع. وعند مشاهدة هذه الأفلام يؤخذ في الاعتبار أنها كانت تشكل المحاولات الأولى، وأن السينما كانت وما تزال أداة اتصال جديدة، فلا يجب أن يُنظر إليها على أنها تافهة، ربما تكون حقاً بدائية، ولكن يجب إدراك أن الطاقة والعمل الذي بذل لإنتاج هذه الأفلام كان مبهراً، وأن أخذ المنتجين على عاتقهم مهمة إنتاج هذه الأفلام كان أمراً متميزاً.

2-عصر الأفلام الصامتة: 1911-1926:

ويتميز هذا العصر عن سابقه بكثرة التجريب في عملية مونتاج الأفلام، فلم تكن هذه المرحلة صامتة بالكامل، فقد كانت هناك استخدامات لطرق ومؤثرات صوتية خاصة، بينما لم يكن هناك حوار على الإطلاق حتى المرحلة التالية، فاختلف الشكل، واختفت التسجيلات المسرحية لتحل محلها الدراما الروائية، ويعد هذا أيضاً بداية لمرحلة الأفلام الشاعرية ذات الطابع التاريخي الأسماء الشهيرة في هذه المرحلة ضمت شارلي شابلن Charles Chaplin، ديفيد جريفيت David Griffith وغيرهم. وتكلفَّت أفلام هذه المرحلة أموالاً أكثر، وبدأت مسألة نوعية وجودة الفيلم تثير جدلاً، كما صنعت أنواع مختلفة من الأفلام في هذه المرحلة.

3-عصر ما قبل الحرب العالمية الثانية: 1927-1940:

يتميز هذا العصر بأنه عصر الكلام أو الصوت، ولكن فيليب كونجليتون يرى، أن هذا التصنيف غير دقيق، فذلك يعني أن هناك مرحلتين في تاريخ الفيلم: الصمت والكلام.
ويبدأ هذه العصر بإنتاج أول فيلم ناطق بعنوان "مغني الجاز" عام 1927، بالإضافة إلي أفلام ناطقة أخرى متنوعة أنتجت في هذه المرحلة، كما شهدت أفلام الثلاثينيات استخداماً أكثر للألوان، وبدأت الرسوم المتحركة، وفي هذه المرحلة أيضاً ظهرت العروض النهارية للأفلام، وبدأت تتنامى في المسارح مع موجة الكوميديا، وبروز نجوم لفن السينما انتشرت أسماؤهم في ذلك الحين.
وقد ضمَّت أسماء هذه المرحلة أسماء مثل كلارك جابل Clark Gable، فرانك كابرا Frank Capra، جون فورد John Ford، والممثلان اللذان استمرا إلى المرحلة الناطقة بعد ذلك، وهما ستان لوريل Stan Laurel، وأوليفر هاردي Oliver Hardy. وفي هذه المرحلة أيضاً بدأت نوعية الفيلم تزداد أهميتها مع ظهور جوائز الأوسكار، وحب الجمهور للسينما. من هنا أصبح يُنظر للفيلم في هذه المرحلة كمراهق بدأ ينضج، ويمكن التمييز بين الأفلام التي كلّفت أموالاً كثيرة عن الأفلام التي لم تكلِّف كثيراً، وبالرغم من أن التقنية المستخدمة في صناعة الفيلم كانت ما تزال بدائية، لكنها بهرت العديد من رواد السينما.

4- العصر الذهبي للفيلم: 1941-1954:

أحدثت الحرب العالمية الثانية كل أنواع التغيرات في صناعة الفيلم، فخلال وبعد الحرب ازدهرت الكوميديا بشكل ملحوظ، وتربَّعت الأفلام الموسيقية على عرش السينما، كما انتشرت أفلام الرعب، ولكن باستخدام ضئيل للمؤثرات الخاصة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فقد صنعت نفقات الإنتاج فرقاً ملحوظاً بين الميزانيات الكبيرة والصغيرة للأفلام، ولجأت استوديوهات السينما لاستخدام ميزانيات صغيرة لإنتاج أفلام غير مكلِّفة للعامة، وذلك لجذب الجماهير. لذلك ظهرت الأفلام الجماهيرية في هذه المرحلة والتي يمكن تصنيفها إلى أفلام استخبارات، أفلام غابات، والأفلام الاستغلالية. أما أفلام الخيال العلمي فقد ظهرت حوالي عام 1950. والأسماء الكبيرة القليلة التي ظهرت في هذه المرحلة هي كاري جرانت Cary Grant، همفري بوجارت Humphrey Bogart، أودري هيبورن Audrey Hepburn، هنري فوندا Henry Fonda، فريد أستير Fred Astaire.

5- العصر الانتقالي للفيلم : : 1955-1966

يُسمي فيليب كونجليتون هذه المرحلة بالعصر الانتقالي، لأنه يمثل الوقت الذي بدأ فيه الفيلم ينضج بشكل حقيقي، فقد ظهرت في هذا العصر التجهيزات الفنية المتطورة للفيلم من موسيقى، وديكور، وغير ذلك. وفي هذا العصر بدأت الأفلام من الدول المختلفة تدخل إلى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال حوائط هوليوود السينمائية، وبدأت الأفلام الجماهيرية تستبدل بأفلام رخيصة، كما بدأت الاستوديوهات الكبيرة تفقد الكثير من قوتها في مجال التوزيع. كما ظهر لصناعة الفيلم عدو جديد يسمى التليفزيون، مما أبرز المنافسة حول نوعية المنتج وجودته. وبدأت السينما تقتحم موضوعات اجتماعية أكثر نضجاً، وانتشرت الأفلام الملوَّنة لتصبح الأغلبية بجوار الأبيض والأسود، وضمت الأسماء الكبيرة في سينما هذه المرحلة ألفريد هتشكوك Alfred Hitchcock، مارلين مونرو Marilyn Monro، وإليزابيث تايلور Elizabeth Taylor.

 

 
وبدأت الحرب الباردة لتغير وجه هوليوود، وظهرت المؤثرات الخاصة، وبرزت الفنون الأخرى المصاحبة كالديكور والاستعراضات.

6- العصر الفضي للفيلم: 1967-1979

يرى بعض المؤرخين أن هذه الفترة بالفعل، هي مرحلة الفيلم الحديث، وكانت مرحلة جديدة وقتها ويبدأ العصر الفضي للسينما بإنتاج فيلميَ الخريج و بوني وكلايد عام 1967.
وقد ظهرت عدة أفلام خالية من الصور المتحركة. وكان من جراء انتشار هذه النوعية من الأفلام الناضجة، الخارجة عن الأخلاق العامة، أن ظهرت أنظمة جديدة للرقابة وتكوَّنت الأسماء الشهيرة التي حكمت هذا العصر أمثال فرانسيس كوبول Francis Coppola، وداستن هوفمان Dustin Hoffmann، ومارلون براندو Marlon Brando. انخفضت نسبة أفلام الأبيض والأسود إلى 3% من الأفلام المنتجة في هذه الفترة. فأصبحت هوليوود تعرف حقاً كيف تصنع أفلاماً ، وأصبح هناك فارقٌ كبيرٌ بين الميزانيات الكبيرة والضئيلة للأفلام، كما يمكن أيضاً مقارنة الجوانب الأخرى الغير مادية للفيلم، لذا لا يجب أن ينظر للأفلام ذات الميزانية الضئيلة على أنها رديئة.

7-العصر الحديث للفيلم: 1980-1995

بدأ هذا العصر عام 1977، عندما أنتج فيلم "حروب النجوم" Star Wars، الذي ُيعد أول إسهام للكمبيوتر والتقنية الحديثة في تصميم المؤثرات الخاصة. لكن فيليب كونجليتون يبدأ هذا العصر عام 1980، لأنه يعتبر أن فيلم "الإمبراطورية تقاوم" نقطة البداية. ففي هذه المرحلة بدأ انتشار الكمبيوتر والفيديو المنزلي، التليفزيون السلكي. واعتمدت هذه المرحلة اعتماداً كبيراً على الميزانية الضخمة بدلاً من النص والتمثيل، ولكنها احتفظت بالقدرة على إنتاج نوعية جيدة من أفلام التسلية الممتعة.

الفصل الثالث :

التكنولوجيا الحديثة والفيلم السينمائي :

المبحث الأول : إدخال التقنيات الالكترونية على السينما :

تقدَّم الفيلم السينمائي خطوة خطوة، من الرسوم، إلى الصور الفوتوغرافية، إلى الصور المطروحة على شاشة، إلى الصوت، إلى اللون، إلى الشاشة العريضة، إلى شاشة الأبعاد الثلاثة، بل ما تزال التجارب العلمية جارية لإضافة حاسة الشم للتجربة الفيلمية بإطلاق عطور أثناءها.

وشهد العقدين العقدان الأخيران تصاعداً في العلاقة بين صناعة السينما، وبين أحدث وسائط المعلومات والاتصال، وهي شبكة الإنترنت. بدأت العلاقة بين السينما والإنترنت، بشكل تقليدي حيث استغلت السينما الشبكة الوليدة كوسيلة للنشر العلمي والتقني عام 1982، وتصاعدت العلاقة حتى أصبحت الإنترنت وسيلة لنشر، أو لعرض الأفلام السينمائية، إضافة إلى تسويقها أو الدعاية لها. ففي عام 1982 نشر الناقد الأمريكي إليوت ستاس المقال النقدي الأول على الإنترنت حول فيلم "غاندي"، Gandhi عبر شبكة Compuserve. وفي عام 1990 أطلق كول نيدهام قاعدة بيانات السينما على الإنترنت Internet Movie Data base التي أصبحت مصدراً مهماً حول السينما، ولم تكن النسخة الأولى موقعاً حقيقياً بل مجرد برنامج يتيح لمستخدمي الإنترنت البحث عن المقالات المنشورة على المنتدى.
وشهد عام 1992، انطلاق أول حملة تستعمل الإنترنت للدعاية لفيلم سينمائي هو Les experts، وكذلك إطلاق أول موقع خاص بالأفلام السينمائية من خلال فيلمي talrek وStargate.
وفي عام 1995، بدأ العرض التجاري للفيلم الأمريكي The Net، وهو أول فيلم من هوليوود يتخذ الإنترنت موضوعاً رئيسياً لأحداثه. وفي عام 1996، أُطلق موقع سيني – فبل، وهو أول موقع يوضح مواقيت عمل صالات العرض السينمائي في كل من فرنسا، وسويسرا، وبلجيكا. وفي العام نفسه أُطلق موقعAint cool news الخاص بالأخبار، والشائعات، والمقالات النقدية للأفلام قبل خروجها للقاعات.
وفي عام 1997 وبمناسبة بداية تسويق برنامج المعلومات ريال- فيديو في فبراير، أُعلن عن موقع تصاحبه ثلاثة أشرطة قصيرة من توقيع سيابك لي. وشهد عام 1998 بث الوصلات الإعلانية لفيلم حروب النجوم. كما عُرض عام 1997، فيلم تيتانيك Titanic (في صالات العرض السينمائي بعد أن تكلّف إنتاجه أكبر ميزانية في تاريخ السينما في العالم، تراوحت من 250 إلى 300 مليون دولار إنتاجاً وتوزيعاً.
وفي عام 1998، أنتج فيلم "وصلتك رسالة " " You’ve Got Mail، بطولة ميج رايان Meg Ryan وتوم هانكس Tom Hanks

وقد أضاف الكمبيوتر إمكانات مذهلة في عملية الإنتاج السينمائي أتاحت لصانعي الأفلام إضافة كائنات غير موجودة في الطبيعة، لتلعب أدواراً مهمة في الأحداث تشارك الممثلين الحقيقيين، وتمثل معهم، وقد تحدث بينهم مطاردات واشتباكات، كما جعل الممثلين الحقيقيين يأتون بأعمال خارقة ومثيرة لم تحدث، ولا يمكن أن تحدث. ومن خلال أحد تطبيقات الكمبيوتر أيضاً، أتيحت الفرصة للمستخدم، أن يشاهد ما يود مشاهدته من أفلام، من خلال قائمة موجودة لديه، فما عليه إلا أن يطلب ذلك من جهاز الكمبيوتر، فيبادر بتلبية رغبته، ويظهر الفيلم المطلوب على شاشة الجهاز.
ولعل السينما الإلكترونية، مجرد خطوة على طريق التزاوج بين تقنيات السينما والتقنيات الإلكترونية.

المبحث الثاني : آفاق الثورة الجديدة في تكنولوجيا السينما:

ساهمت الثورة التقنية الإلكترونية في مجال صناعة السينما، في مواجهة مشكلة ارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث وصلت الميزانية المتوسطة لإنتاج فيلم في الولايات المتحدة، إلى حوالي 60 مليون دولار، وفقا لتقديرات أواخر التسعينيات؛ وذلك من خلال ظهور موجة من المخرجين الجدد، يعتمدون بشكل أساسي في إنجاز الأفلام، على تقنية كاميرات الفيديو الرقمية، التي توفر الكثير من نفقات الإنتاج.
ولم يتوقف تأثير هذا الاتجاه الجديد على المخرجين الشباب؛ بل بدأ بعض المخضرمين في هوليود، في إدراك ملامح المستقبل القادم.
وهناك عامل آخر يفرض نفسه؛ هو سهولة التوزيع حيث تتيح هذه التكنولوجيا، عرض الأفلام على شبكة الإنترنت دون القتال من أجل عرض الأفلام الصغيرة في عدة دور سينمائية محدودة.
وتقدم العديد من الشركات خدمات التوزيع عبر الإنترنت لمنتجي الأفلام، ومع استمرار الجهود نحو زيادة كفاءة وسرعة نقل البيانات عبر الشبكة، فإن النتائج في المستقبل يتوقع أن تكون مذهلة.

اقرأ المزيد

النظرية الوظيفية


مقدمة
الفصل الأول: ماهية النظرية الوظيفية

 المبحث الأول: تعريف النظرية الوظيفية.
المبحث الثاني: رواد النظرية الوظيفية.

الفصل الثاني: النظرية الوظيفية و دراسات علم الاجتماع و نقدها.

المبحث الأول: المقدمات الوظيفية
المبحث الثاني: أهم الافتراضات العامة للوظيفية
المبحث الثالث: وحدات التحليل للنظرية الوظيفية.
المبحث الرابع: نقد النظرية الوظيفية:

خاتمة.

الفصل الأول: ماهية النظرية الوظيفية

المبحث الأول: تعريف النظرية الوظيفية
يرى "هوراس كالن" إن المعاني المحدد للوظيفية هي الانتقال و الأنماط الديناميكية و العمليات و النمو و الامتداد.و هناك من يحدد معاني الوظيفية في أنها اثر تحدثه الظاهرة حتى لا يكون الأثر مقصود بالضرورة ممن لهم علاقة و على سبيل المثال قد يفسر امتلاك الزرافة رقبة طويلة تمكنها من التغذية على أوراق الأشجار و من ثمة فالرقبة تؤدي وظيفة مهمة لبقاء الكائن الحي.كانت الوظيفية في علم الاجتماع في الأصل تعني التزاما قويا بالتفسير الاجتماعي في الشكل الوظيفي و في السنوات الأربعين الأخيرة أصبح المصطلح يعني على نحو أكثر حرية أي نهج يبحث عن المؤسسات و الممارسات من حيث نتائجها على النظام الاجتماعي سواء استعمل أم لا تستعمل تلك النتائج لتفسير مؤسسة أو ممارسة.إن الوظائف التي يعترف بها أعضاء النظام في الأقل توصف أحيانا بأنها وظائف واضحة و توصف الوظائف غير المميزة أو غير المقصودة بأنها كامنة و توصف الوظائف التي تساعد المثابرة أو التكيف بأنها وظيفية. و هناك من يعرفها بأنها طرقة تحليلية حيث البني التي يتكون منها النظام و الوظائف التي تؤديها تلك البني.فالنظرية الوظيفية هي مفهوم يشير إلى نظرية كبرى في علم الاجتماع ثم طبقت على علوم أخرى كعلم السياسة و علوم الإعلام و الاتصال و علم النفس و الإدارة و غيرها. و هي تدرس الظواهر الاجتماعية من خلال تحليل وظائفها و تدرس المجتمع من خلال تحليل وظائف أنظمته النفسية.
المبحث الثاني: رواد النظرية الوظيفية.
1)- روبرت مير تون: و هو احد منظري النظرية الوظيفية طرح من الناحية المنهجية ثلاثة افتراضات أساسية هي بمثابة الصعوبات المنهجية في التحليل الوظيفي للظواهر الاجتماعية.
            1/- افتراض الوحدي للوظيفية في المجتمع: يتضمن هذا الافتراض أن المعتقدات المعنية أو الأساليب الموحدة تعتبر وظيفة بالنسبة للنسق الثقافي ككل لكن المشكلة التي تعترض هذا الافتراض هي عدم عموميته على المجتمعات الأكثر تعقيدا بالإضافة إلى انه يمكن أن لا تكون بعض العناصر وظيفية للنسق الاجتماعي ككل و إنما تكون وظيفتها جزئية في المجتمعات الصناعية و بالتالي أي حكم يطقه عالم الاجتماع بان عنصرا معينا يقوم بدور و وظيفة ضمن النسق الاجتماعي لابد من أن يحدد بدقة الجزء الذي يؤدي نحوه هذا العنصر تلك الوظيفة.
            2/- افتراض الوظيفية الشاملة: يعني هذا أن كل عنصر يؤدي وظيفة اجابية داخل النسق لكن ما يعترض هذا الافتراض هو انه ليس كل العناصر داخل النسق الكلي تؤدي وظيفة ايجابية بل ربما يكون بعضها معوقا وظيفي فهي تولد نتائج غير وظيفية و تعمل في اتجاه معاكس للوظائف الايجابية للنسق الكلي.
            3/- افتراض الضرورة الوظيفية: يتضمن هذا الافتراض فكرة المستلزمات الوظيفية و التي تعني أن هناك وظائف أساسية يجب تحقيقها من اجل استمرار النسق كما يتضمن فكرة الأشكال الاجتماعية و النظم الأساسية و الأساليب التي يتم عبرها إنجاز الوظائف.
2)- دون فان بارج:هو احد المؤسسين للفكر الوظيفي و قد بلور أفكاره الوظيفية في التحليل الاجتماعي من خلال الكتب التي ينشرها و التي من بينها الجدلية و الوظيفية و الذي نشر عام 1960 و قد جمع في هذا الكتاب أفكاره حول التحليل الوظيفي للظواهر الاجتماعية في النقاط التالية:
• اعتبار المجتمع نسقا كليا مؤلفا من مجموعة من الأجزاء المتكاملة فيما بينها و المترابطة وظيفيا حتى يحقق النسق أهدافه.
• تساند العملية الاجتماعية لتعدد عواملها و تبادل التأثير فيما بينها و بين تلك العوامل.
• تخضع الأنساق الاجتماعية لحالة من التوازن الديناميكي و الذ1ي يشير إلى قيام حالة انسجامية و تلاؤمية للتغيير الخارجي و التي تعوزها آليات التلاؤم و الضبط الاجتماعي.
• إن التوترات و الانحرافات و القصور الوظيفي يمكن أن تقوم داخل النسق غير أنها تحل نفسها بنفسها وصولا للتكامل و التوازن.
• يأتي التغيير من مصادر ثلاثة رئيسية هي : تلاؤم  النسق و تكييفه  مع التغيرات الخارجية و النمو الناتج عن الاختلاف الوظيفي و الثقافي و التجديد و الإبداع من جانب أفراد المجتمع و جماعاته.
• إن العامل الأساسي في خلق التكامل الاجتماعي يتمثل في الاتفاق العام على القيم بمعنى التكامل و هو تكامل القيم الذي ينعكس على التكامل الاجتماعي.
3)- ارنيست نيكل:  يرى أن المجتمع يتألف من أنظمة فرعية متخصصة تقوم بتحقيق وظائف اجتماعية تستهدف إنجاز الأهداف التالية:تحقيق الغايات.تكافل مكونات النظام .المحافظة عن النظام العام.التحكم في الاضطرابات و الاختلافات التي تحصل بين أقسام النظام الواحد و علاقة الأنظمة مع بعضها البعض.
من ناحية أخرى يحدد 3 أنواع من الوظائف التي تمارسها الأنظمة الاجتماعية نحو بعضها البعض.
• الاعتلال الوظيفي الذي يعني معطيات العمل الاجتماعي و تبعاته التي لا تساعد الأفراد على تكييفهم مع أهداف النظام و انتسابهم لها.
• الوظيفة الظاهرة و التي تعني معطيات عمل النظام و ثباته الايجابية للأفراد و التي تساعدهم على تكييفهم مع أهداف النظام.
• الوظيفة المستمرة التي تشير إلى أعمال النظام غير المميزة.
4)- ار راد كليف براون: (1881-1858) حاول بناء تحليل الوظيفي انطلاقا من دراسة النظام الاجتماعي لسكان جزيرة أندمان فهو يرى أن العادات الاحتفالية لسكانها تشكل نظاما مترابطا على نحو وثيق و أننا لا نستطيع فهم معناها إذا نظرنا لكل منها على حدى و لكننا يجب أن ندرس النظام بأسره لكي يصل إلى تفسيره فيخلص من ذلك إلى الحاجة إلى منهج جديد يمكن عن طريقه دراسة كل المؤسسات في مجتمع ما أو نمط اجتماعي و دراستها معا حتى نكشف عن علاقتها الوثيقة كأجزاء في نظام عصري و يرى من ناحية أخرى انه من اجل أن يبقى أي نظام اجتماعي يضمن استمراره يجب أن يتطابق مع شروط معينة إذا استطعنا تحديد تلك الشروط العالمية تحديدا دقيقا بمعنى الشروط التي يجب أن تتطابق مع كل المجتمعات البشرية يكون لدينا قانون سوسيولوجي و في مقالة النتائج الأبوي و الأموي حاول صياغة قانون سوسيولوجي و ذلك من خلال اعتباره الحياة الاجتماعية البشرية تتطلب هيكلة العلاقات الاجتماعية بشكل تتحدد فيه حقوق و واجبات معينة و بطريقة يمكن من خلالها حل الصراعات حول الحقوق دون تدمير البنية نفسها.
أما بالنسبة مفهوم وظيفة النظام فهو يرى أنها تكمن في الدور الذي تقوم به الجزء من اجل النسق الاجتماعي الكلي.

 الفصل الثاني: النظرية الوظيفية و دراسات علم الاجتماع و نقدها.

المبحث الأول: المقدمات الوظيفية

قام الأستاذ "محيي خليل عمر" بتلخيص أفكار بعض الكتاب الوظيفيين من أمثال حول المقدمات الاجتماعية للوظائف الاجتماعية في النقاط التالية:
• أن يكون الأفراد داخل المجتمع تجمعهم تفاعلات و علاقات اجتماعية و في نفس الوقت لهم علاقات مع المحيط الاجتماعي.
• يجب أن يكون هناك عدد كافي من الأفراد داخل المجتمع و ذا نوعية اجتماعية فعالة.
• يجب أن يتفاعل هذا المجتمع مع المجتمعات الأخرى بشكل ايجابي لكي تساعده على بقائه في الوضع الاجتماعي.
• يجب أن تكون عملية الإخصاب حيوية و ذات إنتاج بشري مستمر و متناسب مع موارد المجتمع الاقتصادية و الإنتاجية.
• يجب أن يكون هناك نوعان من الأدوار الاجتماعية متميزة الواحدة عن الأخرى الأولى اكتسابية و الثانية منسبة.
• وسائل الاتصال بين الأفراد إذ لكل مجتمع رموز ثقافية يستخدمها للدلالة على الأفعال و الأفكار الاجتماعية و وظيفة هذه الرموز تساعد الفرد على التفاعل مع الآخرين و المحيطين به.
• المعرفة العامة و المشتركة بين الأفراد أي يجب أن تكون هناك مفاهيم عامة بين جميع أفراد المجتمع منبثقة من تاريخهم و ثقافتهم الاجتماعية متفاعلة مع ثقافتهم الحالية و الثقافات الأخرى.
• قواعد و قيم اجتماعية متعلقة بنظم السلوك الاجتماعي.
..
المبحث الثاني: أهم الافتراضات العامة للوظيفية

الافتراض الأول: هو أن المجتمع يشكل بناء اجتماعيا و يحدد هذا البناء على انه عبارة عن أنماط ثابتة نسبيا من السلوك الاجتماعي و داخل البناء الكلي هناك أبنية جزئية مهمة في التحليل الوظيفي مثل الأسرة و الدين و السياسة و الاقتصاد.
الافتراض الثاني:  إن كل عنصر من عناصر البناء الاجتماعي يفهم من خلال وظيفته الاجتماعية و تعني الوظيفة نتائج عمل المجتمع ككل و من ثمة إن كل جزء من المجتمع له وظيفة واحدة أو أكثر هامة و هي شرط في استمرار المجتمع و احد الخصائص الجوهرية للنسق هي التوازن من خلال العلاقات المتبادلة و يسمى هذا النوع بالتوازن الاستاتيكي.

المبحث الثالث: وحدات التحليل للنظرية الوظيفية.

• الحاجة الاجتماعية: و هي احد متطلبات النظام التي يبحث عن إشباعها بهدف البقاء في المجتمع بشكل فعال و المثال على ذلك أن النظام التربوي يعمل على إشباع حاجة المجتمع التعليمية و النظام الاقتصادي يشبع حاجة المجتمع الغذائية.
• الأهداف الاجتماعية: و التي تشير إلى غايات بعيدة أو متوسطة أو قريبة المدى يضعها النظام أو احد فروعه لنفسه بهدف تنظيم العمل و ترتيبه و جعل السلوك فعلا هادفا و هي تبرر و جود النظام و سعيه و بقائه في المجتمع.
• البناء الاجتماعي: و الذي يشير إلى ذلك الكل المؤلف من مجموعة الأنظمة المترابطة مع بعضها البعض و متكاملة وظيفيا فيما بينها.
• القيم و الأعراف: و التي تشير إلى مجموعة من أنماط السلوك المتوارثة داخل المجتمع تعكس تفكير الأفراد و طريقة عيشهم و توقعاتهم، و تبرر أفعالهم اتجاه بعضهم البعض و هي أدوات لتوجيه سلوك و تفكير الأفراد.
• الوظيفة الاجتماعية: و التي تتحدد في ذلك النشاط الاجتماعي الذي يقوم به النظام أو احد فروعه بهدف إشباع الحاجات أو الاجتماعية للأنظمة أو الأنساق أو الأنماط الأخرى بغرض المحافظة على بقائه و استمراره و قد حددها "روبرت ميرتون" في نوعين من الوظائف الظاهرة و الوظائف الكامنة.
• النظام الاجتماعي:  يتكون النظام الاجتماعي من مجموعة من الأنساق الاجتماعية المترابطة و المتكونة من مجموعة من الأنماط المنظمة لمجموعة من العادات و القيم الاجتماعية و الخبرات الشخصية و لكل نظام أعضاؤه و أفكاره و تقاليده العلمية و الإيديولوجية.
• النسق الاجتماعي: و الذي يشير إلى مجموعة من الأنماط الاجتماعية المترابطة بشكل متكامل بنائيا و المتكافلة وظيفيا.
• الوظيفة الاجتماعية الظاهرة: و التي تشير إلى الأهداف و الغايات الظاهرة التي تهدف النظام إلى تحقيقها و تكون نتائجها واضحة و ظاهرة و يسهل التعرف عليها من قبل أي شخص في النظام.
• الوظيفة الكامنة: و التي تشير إلى تلك النشاطات و الأعمال غير المميزة للنظام و يصعب التعرف على نتائجها و آثارها أو هي الآثار و الوظائف التابعة و المترتبة عن نشاط النظام غير المقصودة.
• الاعتلال الوظيفي: يشير هذا المفهوم إلى معطيات العمل الاجتماعي و تبعاته القابلة للملاحظة المباشرة و لكن لا تساعد الأفراد على تكيفهم مع أهداف النظام الاجتماعي.
• التوازن الاجتماعي:
• التكامل الاجتماعي:
• العقلانية:و التي تشير إلى استخدام الخيارات الحكيمة المبنية على أساس اختيار العقل و ليس على أساس ردود الأفعال العاطفية أو الوجدانية أو القيمة في تفسير و تحليل السلوك الإنساني.
• السلوك الاجتماعي: أي الأثر المترتب عن إرادة الفرد للقيام بفعل شيء معين، بمعنى كل تصرف يصدر عن الفرد الذي يخضع لمؤثرات البيئة الاجتماعية المؤلفة من العراف و القيم و القوانين الاجتماعية و الثقافية.

المبحث الرابع: نقد النظرية الوظيفية:

وجه الكثير من الباحثون في علم الاجتماع الكثير من الانتقادات لهذه النظرية و التي من بينها الانتقادات التي قدمها الأستاذ"مغى خليل عمر"1991 و التي يمكن رصدها في النقاط التالية:
1/- تهتم النظرية الوظيفية بدراسة الظاهرة الاجتماعية في وضعها الراهن من اجل الوصول إلى سبب وجودها، فهي تبدأ بدراسة الظاهرة من نهايتها للوصول إلى بدايتها.
2/- تعتمد الوظيفية في تحليل الظاهرة الاجتماعية على المقارنة بين أوجه التشابه و الاختلاف دون تفسير و تحليل الظواهر الاجتماعية.
3/- لم تعط الوظيفية تفسيرا كافيا للعلاقات داخل الظواهر الاجتماعية كعلاقات مؤثرة و مرتبطة ارتباطا حقيقيا.
4/- يرى "جورج هومتر"إن الوظيفة لا تقدم تحليلا كافيا و واضحا للأسباب الظواهر الاجتماعية و بالتالي نتائج البحث غير علمية و غير قابلة للاختيار و التحقق العلمي.
5/- تتحيز النظرة الوظيفية عند دراسة الوحدة الاجتماعية، فالنظرية تدرس التكامل الاجتماعي بين الأنظمة الاجتماعية داخل البناء الاجتماعي الواحد الذي يؤدي بدوره إلى التوازن الاجتماعي.و بالتالي يصل إلى السعادة التامة للفرد و المجتمع معا في حين انه لا توجد هناك سعادة تامة و لا يوجد هناك توازن كامل.
6/- نقطة الضعف في التحليل الوظيفي هي التطرق في الالتزام بالتحليل التكاملي و التكافلي و التوازن الاجتماعي للأنظمة الاجتماعية في حين نجد المجتمعات البشرية تتعرض لانقسامات عميقة و هزات اجتماعية و سياسية و حضارية أدت إلى انهيار العديد من الأنظمة و المؤسسات الاجتماعية.
7/- لم تول النظرية الوظيفية أهمية علمية و جهدا بحثيا لظاهرة الصراع الطبقي بتجاهلها لهذه الظاهرة بل مضمون تحليلها للمجتمع ينفي وجود أي ملامح لظاهرة الصراع.

خاتمة

الجدير بالقول إن الاتجاه الوظيفي "يمكن إن يساعدنا على إلقاء الضوء على الوظيفة الاجتماعية لظاهرة تبادل الهدايا في تحقيق المزيد من التماسك الاجتماعي و فيما تتمتع به من خاصية الإلزام.فأي عادة اجتماعية يمارسها الناس بصورة جماعية لابد أن يكون لها وظيفة تقوم بها و إلا لما وجدت هذه الظاهرة" فالعادات الاجتماعية و لتكن تقديم الهدايا في عيد الأم أو للزوجة في المناسبات الأسرية أو لإفراد الأسرة في حالات الزواج له آثار في المجتمع و تتمثل هذه الآثار في تعزيز الترابط بين أفراد المجتمع و تقوية التماسك الاجتماعي.فالأثر الذي تمارسه هذه العادات الاجتماعية ناشئ عن وجود هذه  الصور من أشكال السلوك الاجتماعي و هذا الأثر هو الوظيفة التي يؤديها السلوك الاجتماعي في المجتمع.

قائمة المراجع

1)- نيكولا تيماشيف: نظرية علم الاجتماع، ترجمة، محمود عودة و آخرون، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية 1997، ص 320، 338.

2)- السيد علي شنا: نظرية علم الاجتماع، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، 1993، ص 288.

3)- مغى خليل عمر: نقد الفكر الاجتماعي المعاصر، دراسة تحليلية و نقدية، دار الآفاق الجديدة، 1991، ص 135، 138.

4)- علي عبد الرزاق جبلي و عبد العاطي السيد و سامية محمد جابر، علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، 1998، ص 76.

اقرأ المزيد

النظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت (مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

النظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

توطئة:

تعد النظرية النقدية من أهم النظريات التي انتعشت في فترة مابعد الحداثة بألمانيا، وإن كانت هذه النظرية قد تبلورت في فترة مبكرة، في ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك بمدرسة فرانكفورت، وتجسدت في عدة ميادين ومجالات معرفية، كالفلسفة، وعلم الاجتماع، والسياسة، والفن، والنقد الأدبي. بيد أن هذه المدرسة ستأخذ طابعا فكريا مغايرا منذ السبعينيات من القرن العشرين، وسينضم إليها مثقفون آخرون، سيقومون بإغنائها نظريا وتطبيقيا. ومن ثم، فقد تحولت النظرية عند مارتن جاي (M.Jay):"من (نادي ماركس) قبل هجرتها من فرانكفورت، إلى (نادي ماكس) بعد عودتها، وحيث هناك في المهجر، فقد الحرف(R) الذي تبدأ به كلمة الثورة  "[1] (Revolution). ويعني هذا انتقال مدرسة فرانكفورت من أفكار ثورية ماركسية إلى أفكار متطورة في عهد ماكس هوركايمر، حيث تم التركيز على الفلسفة أكثر من التركيز على التاريخ والاقتصاد كما كان في السابق. وبالتالي، فقد استهدفت النظرية النقدية تقويض الثقافة البورجوازية الرأسمالية الاستهلاكية. وعليه، فهدف النظرية النقدية هي تغيير المجتمع على جميع المستويات والأصعدة، وتحقيق التحرر البشري، والمؤالفة بين النظرية والممارسة، والجمع بين المعرفة والغاية، والتوفيق بين العقل النظري والعقل العملي، والمزاوجة بين الحقيقة والقيمة. زد على ذلك، فقد كانت النظرية النقدية بمثابة تجديد نقدي للنظريات الماركسية والراديكالية.



هذا، ويمكن التمييز بين فترتين في النظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت: فترة الريادة من الثلاثينيات إلى أواخر السبعينيات، وهي فترة هوركايمر، وماركوز، وأدورنو، وفروم...، وفترة التجديد من بداية السبعينيات إلى سنوات الثمانين من القرن الماضي، وهي فترة يورجين هابرماس، وألفرد شميدت، وكلاوس أوفي، وألبرخت فيلمر... وقد احتفظت النظرية النقدية الجديدة لمابعد الحداثة باهتمامها الخاص بفلسفة العلوم الاجتماعية، ونقد الإيدولوجيا.



1- مفهوم النظرية النقدية:

يقصد بالنظرية النقدية تلك النظرية التي كان ينطلق منها رواد مدرسة فرانكفورت في انتقادهم للواقعية الساذجة المباشرة، فالنظرية النقدية تعني نقد النظام الهيجلي، ونقد الاقتصاد السياسي، والنقد الجدلي. وتهدف هذه النظرية إلى إقامة نظرية اجتماعية متعددة المصادر والمنطلقات، كالاستعانة بالماركسية، والتحليل النفسي، والاعتماد على البحوث التجريبية. وبتعبير آخر، فالنظرية النقدية هي تجاوز للنظرية الكانطية، والمثالية الهيجيلية، والجدلية الماركسية، فهي نقض للواقع، ونقد للمجتمع بطريقة سلبية إيجابية. ويعني هذا بشكل آخر أن نقد متناقضات المجتمع، ليس فعلا سلبيا، بل هو فعل إيجابي في منظور مدرسة فرانكفورت. ويرتبط مفهوم" النظرية النقدية" بعنوان كتاب هوركايمر: "النظرية التقليدية والنظرية النقدية" (1937م)، وقد جمع فيه صاحبه مجمل التصورات التي عرف بها أصحاب مدرسة فرانكفورت سواء النظرية منها أوالتطبيقية، كما ضمنه مجمل المقترحات التي كانوا يؤمنون بها لإنقاذ الأدب وتصحيحه. ومن ثم، فالنظرية النقدية هي تجاوز للنظريات الوضعية التي كانت ترفض التأملية الانعكاسية منهجا في التعامل مع الموضوع المرصود. ومن جهة أخرى، فقد استهدفت النظرية النقدية تنوير الإنسان الملتزم تنويرا ذهنيا وفكريا، وتغييره تغييرا إيجابيا، بعد أن حررته من ضغوطه الذاتية،عن طريق نقد المجتمع بتعريته إيديولوجيا[2].



وعليه، فالنظرية النقدية عند هوركايمر هي: "ما تعبر عنه الاتجاهات الوضعية في نظريتها للنشاط البشري على أنه شيء أو موضوع خارجي داخل إطار من الحتمية الميكانيكية، على حين ترفض النظرية النقدية النظر إلى الوقائع الاجتماعية على أنها أشياء، ومن ثم ترفض طابع الحياد الذي تتسم به الوضعية، وتحاول في المقابل أن تطرح فكرا لا يفصل بين النظرية والممارسة.



وقد فهم هوركايمر، ومعه فلاسفة فرانكفورت، الماركسية على أنها العلم النقدي للمجتمع. وبالتالي، فمهمة الفلسفة هي متابعة العملية النقدية، والتحري عن أشكال الاغتراب الجديدة. وقد أخذت مساهمته الخاصة شكل تحليل نقدي للعقل. فلئن يكن العقل قد صاغ في الماضي مثل العدالة والحرية والديمقراطية، فإن هذه المثل حل بها الفساد في ظل هيمنة البورجوازية التي أدت إلى تحلل حقيقي للعقل. ومن هنا، بدت الحاجة إلى نظرية نقدية جدلية تستطيع أن تتعقل اغتراب العقل بالذات".[3]



ونفهم من هذا أن النظرية النقدية ظهرت كرد فعل على المثالية الألمانية، وكذلك كرد فعل على الوضعية التجريبية التي كانت تدرس الظواهر الاجتماعية دراسة علمية موضوعية من خلال ربط المسببات بالأسباب، وذلك في إطار تصور آلي ميكانيكي. ومن هنا، فالنظرية النقدية هي قراءة نقدية للعقل الجدلي ليس بالطريقة الكانطية، بل في ضوء رؤية ماركسية واقعية جدلية. وبالتالي، تعمل النظرية النقدية على نقد الواقع الاجتماعي، وتقويض تصوراته الإيديولوجية الليبرالية، والبحث عن تجليات الاغتراب الذاتي والمكاني سواء في النصوص والخطابات أو في واقع الممارسة.



وتهدف النظرية النقدية حسب هوركايمر إلى تحقيق مهام ثلاث: "أولها، الكشف في كل نظرية عن المصلحة الاجتماعية التي ولدتها وحددتها، وهنا يتوجه هوركايمر، كما فعل ماركس، إلى تحقيق الانفصال عن المثالية الألمانية، ومناقشتها في ضوء المصالح الاجتماعية التي أنتجتها.



والمهمة الثانية للنظرية النقدية عنده، هي أن تظل هذه النظرية على وعي بكونها لا تمثل مذهبا خارج التطور الاجتماعي التاريخي. فهي لا تطرح نفسها باعتبارها مبدأ إطلاقيا، أو أنها تعكس أي مبدأ إطلاقي خارج صيرورة الواقع. والمقياس الوحيد الذي تلتزم به هو كونها تعكس مصلحة الأغلبية الاجتماعية في تنظيم علاقات الإنتاج بما يحقق تطابق العقل مع الواقع، وتطابق مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة.



أما المهمة الثالثة، فهي التصدي لمختلف الأشكال اللامعقولة التي حاولت المصالح الطبقية السائدة أن تلبسها للعقل، وأن تؤسس اليقين بها على اعتبار أنها هي التي تجسد العقل، في حين أن هذه الأشكال من العقلانية المزيفة ليست سوى أدوات لاستخدام العقل في تدعيم النظم الاجتماعية القائمة، وهو ما دعاه هوركايمر بالعقل الأداتي".[4]



وعليه، فالنظرية النقدية هي التي تحقق المصلحة الاجتماعية، وتراعي التطور الاجتماعي التاريخي في إطار المادية التاريخية، وهذا يقرب النظرية النقدية من المادية الثقافية، كما تهدف هذه النظرية إلى خدمة مصالح الأغلبية، والتصدي للأشكال الشكلية والتيارات اللامعقولة التي تخدم الأنظمة الحاكمة.



وعلاوة على ذلك، فالنظرية النقدية هي قراءة ماركسية للأدب. وفي هذا الصدد، يقول توم بوتمور (T.Bottomore) في كتابه: "مدرسة فرانكفورت": "تؤكد النظرية النقدية على انتسابها إلى الماركسية، دون أن تضيع الاختلاف مع قراءاتها الكلاسكية، وبخاصة تلك التفسيرات والأطروحات التي قدمها رواد ومنظرو الأممية الثانية والثالثة، وعلى رفضها الاختيار بين التماثل المتناقض مع الفلسفة والعلم، بادعاء أن ما قدمته هو شكل جديد للموضوعية الاجتماعية التاريخية، وهو ما جعلها في تعارض مع الميتافيزيقا والوضعية".[5]



وتأسيسا على ما سبق، فالنظرية النقدية نظرية تتجاوز الوضعية، وترفض منطلقات المثالية الألمانية، ومن ثم، فهي نظرية اجتماعية ماركسية، تولي أهمية كبيرة للذات في تفاعلها مع الموضوع، كما ترتكز على المادية التاريخية، وتعنى بالقيم والأخلاق، وبتفاعل الذات مع المجتمع على أن الذوات البشرية مستقلة وغير خاضعة لحتميات أوجبريات موضوعية. ويعني هذا أن الإنسان له دور كبير في صنع التاريخ، وتغيير مجتمعه. ومن ثم، فالنظرية النقدية في الحقيقة هي رؤية نقدية إزاء المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي في قمة تطبيقاته العملية واليومية.



2- سياق النظرية النقدية:

من المعلوم أن النظرية النقدية في مجال الأدب وعلم الاجتماع قد ارتبطت بمعهد البحوث الاجتماعية أو بمدرسة فرانكفورت الألمانية التي يمثلها كل من: تيودور أدورنو(Theodor.Adorno)، وماكس هوركايمر(M.Horkheimer)، وهربرت ماركوز(H.Marcuse)، ويورغن هابرماس(J.Habermas)، ووالتر بنيامين(W.Benjamin)، وفردريك لوبوك (F.Pollock)، وإيريك فروم (E.Fromm)، ولوفينتال(L.Lowenthal)، ووألفريد شميت (Alfred shmidt)، وكلاوس أوفي (C.Offe)، وأولبرخت فيلمر(A.Wellmer)، وفرانز نيومان (F.Neuwmann)... وقد ظهرت هذه المدرسة في ألمانيا في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين،وقد انتقل المعهد إلى نيويورك إبان المرحلة النازية، ثم استقر بفرانكفورت مرة أخرى في عام 1950م. وقد تأثر تحليل مفكري هذه المدرسة ونقدهم للثقافة الحديثة والمجتمع بما تعرضوا له من مضايقات وتعسفات وضغوطات في عهد الفاشية.



هذا، وقد جاءت النظرية النقدية كرد فعل على الوضعية (Positivism) التي كانت تعنى مع أوجست كونت بدراسة الظواهر الاجتماعية دراسة علمية موضوعية تجريبية، باستخدام الملاحظة والتكرار والتجربة، وربط الأسباب بمسبباتها، بغية فهم الظواهر العلمية فهما علميا دقيقا. وكانت الوضعية تهتم أيضا بوصف الظواهر دون تفسيرها، لأن التفسير يرتبط في منظور الوضعية بالـتأملات الفلسفية والميتافيزيقية. كما استبعدت الوضعية البعد الإنساني والتأملي والأخلاقي في عملية البحث. وقد وجهت مدرسة فرانكفورت إلى هذه النظرية الوضعية انتقادات قاسية. وفي هذا الصدد، يقول توم بوتومور في كتابه: "مدرسة فرانكفورت":"اتخذ أصحاب مدرسة فرانكفورت موقفا مناهضا لها، فانتقدها أدورنو لعجزها عن اكتشاف المصلحة الذاتية التي قد تسهم في تحقيق تقدم موضوعي، بسبب القصور الكامن في أسسها المنهجية، وفشلها في إقامة صلة قوية بين المعرفة من ناحية والعمليات الاجتماعية الحقيقية من ناحية أخرى.لذلك، انتقدها هابرماس بسبب طبيعتها المحافظة، وقصورها عن فهم العلاقة الخاصة بعلم الاجتماع والتاريخ، انطلاقا من أن علم الاجتماع الوضعي لا يأخذ في اعتباره دور التحولات التاريخية في تشكيل المجتمعات.



وبشكل عام، هاجم مفكرو مدرسة فرانكفورت سعي الوضعية إلى تحقيق المعرفة العلمية، وتكميم الحقائق، بما يؤدي إلى ضياع المعنى الجوهري للظواهر الاجتماعية. وأنه ارتباطا بذلك، فقد أدى تمثل الوضعية لنموذج العلم الطبيعي في علم الاجتماع إلى فصل المعرفة عن بعدها الأخلاقي، وهو ما يعني استبعاد الموقف الأخلاقي للباحث، عن طريق الادعاء بأن علم الاجتماع هو علم متحرر من القيمة، وهو ما يعني أيضا أن هذا العلم يمكن أن يكون أداتيا بالنسبة للقوى الاجتماعية المتسلطة، أو هو وسيلة للتحكم والهيمنة كما حدث في الرأسمالية المتقدمة".[6]



ويدل هذا على أن الوضعية العلمية تستبعد الذات، والتاريخ، والأخلاق، والمصلحة الاجتماعية، وأنها في خدمة الليبرالية المستغلة، زد على ذلك، أنها تعتبر البشر كائنات مقيدة بحتميات علمية جبرية، وأن لا دور للإنسان في التغيير أو صنع التاريخ:"يرى مفكرو فرانكفورت أن التراث الوضعي يميل للنظر إلى البشر باعتبارهم كائنات لا قوة لها في مواجهة المجتمع، وهو ما يتضح لدى دوركايم الذي يؤكد أن الفرد يجد نفسه في مواجهة المجتمع كقوة أسمى منه عليه أن ينحني أمامها، أو ما يؤكد عليه ماكس فيبر حين يرى أن الفرد في المجتمعات البيروقراطية، رأسمالية أم اشتراكية، ليس إلا ترسا في آلة كبيرة.



وفي مواجهة ذلك، ترى النظرية النقدية أن ذلك ناتج عن العمق الداخلي للإنسان، ومن ثم، تؤكد هذه النظرية على العلاقة الجدلية بين الفرد والمجتمع، كذوات مستقلة غير خاضعة، تعكس جوانب الحقيقة الكلية".[7]



كما أتت النظرية النقدية كرد فعل على النظريات النقدية للعقل المثالي كما عند كانط وهيجل، بالاعتماد على القراءة الماركسية الجدلية، والاستعانة بالمادية التاريخية. كما وقفت إزاء النظريات البورجوازية التي مارست صنوفا من السلطة الفكرية، ورفضت الفصل بين النظرية والممارسة، بعد أن كانت النظرية في المثالية الألمانية هي المفضلة. وباختصار، فإن النظرية النقدية قد انتقدت النزعة العلمية المغالية، وانتقدت أيضا العقلانية العلمية التقنية، وذلك باعتبارها شكلا من أشكال الهيمنة التي ميزت الرأسمالية الأكثر تطورا، أو بشكل أوسع انتقدت تلك المجتمعات الصناعية المتقدمة في القرن العشرين. وجاءت أيضا لنقد الإيديولوجيات السائدة، ونقد الفاشية المستبدة، ونقد النزعة المعادية للسامية إبان وصول النازية إلى الحكم.



3- رواد النظرية النقدية:

بادىء ذي بدء، فرواد مدرسة فرانكفورت ليسوا متفقين على تصور مذهبي ونظري واحد، فهم مختلفون في كثير من الآراء والتصورات، ولكنهم يتفقون في بعض النقاط المشتركة، بل يمكن التمييز بين النظرية النقدية الكلاسيكية والنظرية النقدية الجديدة.



ومن ثم، يعد ماكس هوركايمر من المؤسسين الحقيقيين لمدرسة فرانكفورت، وقد كان مديرا لها منذ 1931م، وقد اهتم في بداية المعهد بدراسة الفلسفة الاجتماعية،ونقد المذهب الوضعي والمثالية الألمانية والوضعية المنطقية، وهاجم الميتافيزيقا الغربية على غرار جاك ديريدا ومارتن هايدجر. وقد عاب هوركامير على الوضعية ميلها الكبير إلى العلمية والموضوعية والتجريبية، وتشييء الإنسان، وفصل الحقيقة عن القيم، كفصلها المعرفة عن المصالح البشرية.



وهكذا، يقدم هوركايمر، مقابل الوضعية وعلى النقيض منها، "نظرية جدلية تظهر فيها الحقائق الفردية بذاتها في ترابط لا لبس فيه دائما، وتسعى لأن تعكس الواقع في كليته. فضلا عن ذلك، فإن الفكر الجدلي، يوحد المكونات التجريبية في تركيبات من الخبرة... المهمة للمصالح التاريخية التي يرتبط بها الفكر الجدلي... فعندما يعي فرد فعال من ذوي الحس السليم الوضع الكريه للعالم، فإن الرغبة في تغييره تصبح هي المبدأ المرشد الذي ينظم به الحقائق المعطاة، ويشكل منها نظرية... وبقدر ما يعتمد التفكير الصائب على إرادة قويمة، بقدر ما تعتمد الإرادة القويمة على التفكير الصلب".[8]



ويتابع ماكس هوركايمر التعريف بنظريات مدرسة فرانكفورت وتوجهاتها في مقال قيم تحت عنوان: "النظرية التقليدية والنظرية النقدية" (1937م)، يوضح فيه أسس المدرسة ومرتكزاتها النظرية والتطبيقية. وقد سعى هوركايمر جادا إلى تسليح الطبقة العاملة (البروليتاريا) بفكر نقدي تغييري، ووعي طبقي تنويري. وقد اهتم هوركايمر بالمجال الثقافي، واهتم كذلك بالفرد كمركز للفكر والعمل، متأثرا في ذلك بالفلسفة الوجودية السارترية وفلسفة ماكس فيبر، واعتنى بشكل من الأشكال بعلم نفس الفرد والتحليل السيكولوجي. وقد انتهى هوركايمر في نهاية حياته عن أن يكون منظرا نقديا، فتحول إلى راهب ديني وصوفي، حينما جعل كانط وهيجل فوق ماركس.



أما الثوري النقدي هربرت ماركوز، فقد كتب مجموعة من المقالات في الثلاثينيات من القرن الماضي، وخاصة كتابه: "العقل والثورة" (1941م)، داعيا إلى نظرية اجتماعية جدلية مناقضة للعلم الاجتماعي الوضعي كما عند أوجست كونت، وشتال، وفون شتاين خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي؛ لأنها كانت تماثل بين دراسة المجتمع ودراسة الطبيعة. وما يلاحظ على ماركوز أنه بنى نظريته الجدلية على أفكار هيجل، وحول فكر ماركس إلى هيجيلية راديكالية، فحصر اهتمامه في نقد أصول الفلسفة الوضعية والعلم الاجتماعي.



وقد عرف ماركوز بعدائه الشديد للهيمنة التقنية، وكان يعتبر العقل المنغلق سببا في استلاب الإنسان، وتحويله إلى آلة انتاجية ليس إلا. ومن ثم، فقد بلور ماركوز فلسفة تشاؤمية بسبب اغتراب الإنسان في المجتمع الصناعي الحديث الذي تغلب عليه التقنية، ويضيع فيه الإنسان باعتباره ذاتا وكينونة ووجودا، وهي نفس النزعة التشاؤمية الموجودة عند ماكس فيبر، و يرجع هذا التشاؤم إلى شعور فئة معينة من المجتمع.أي: الشريحة العليا المثقفة من الطبقة الوسطى، أوالصفوة المثقفة بالإحباط وخيبة الأمل.



وقد بين ماركوز في كتابه: "إنسان البعد الواحد" باختفاء الدور التاريخي الفعال للطبقة البورجوازية والطبقة البروليتارية على حد سواء، و هناك قوة واحدة مخفية متحكمة في مسار هاتين الطبقتين معا هي العقلانية العلمية التقنية. وليست هناك طبقة معارضة، فقد تم استيعاب الطبقة العاملة واسترضاؤها من خلال تحفيزات مادية استهلاكية، وترشيد عملية الإنتاج ذاتها. وقد أثارت أفكار ماركوز:"استجابة سريعة لدى حركة الطلبة الأمريكية في أواخر الستينيات بمعارضتها للنظام، ولدى حركات طلابية أخرى في دول أوروبية شتى إلى حدما. لكن الحركات الاجتماعية في ذلك الوقت كانت جميعها واقعة تحت تأثير تحليلات متنوعة عن البنية الطبقية المتغيرة، وعن مغزى التكنوقراطية والبيروقراطية، التي قدم علماء الاجتماع إسهامات ملحوظة بصددها".[9]



وتتركز أفكار هربرت ماركوز سياسيا حول ثلاث قضايا شائكة: دور الطلاب في العالم الرأسمالي، والحركة الطلابية في فرنسا عام1968م، ودور الطبقة العاملة الحديثة في الغرب.



هذا، وقد آمن ماركوز بقوى ثورية جديدة ستظهر في المستقبل داخل المجتمع الحديث، وسيتم التحرر الاجتماعي عن طريق الإشباع الجنسي كما يبين ذلك في كتابه: "الحب والحضارة". وقد برهن فيه سيكولوجيا : "بأن تجاوز الندرة المادية في المجتمعات الصناعية المتقدمة، سيخلق الشروط المناسبة لإحراز البشر هدفهم في السعادة من خلال التحرر الجنسي، وتفوق مبدأ المتعة، الذي تصوره كأساس للانعتاق الشامل المؤثر في كافة العلاقات الاجتماعية".[10]



ويعد تيودور أدورنو من أهم رواد النظرية النقدية، ومن المؤسسين الفعليين لمدرسة فرانكفورت، وقد انصب اهتمامه على مجال الثقافة، وبخاصة الموسيقا، والتحليل النفسي، ونظرية علم الجمال، متأثرا في ذلك بوالتر بنيامين، ولم يعرف بالنظرية الجدلية، بقدر ما عرف بالجدل السلبي في نقده للنظريات الفلسفية والنظريات الاجتماعية، كأنه يعيدنا بهذه الأفكار السلبية إلى مذاهب الشك والنسبية. وإذا كان هوركايمر وماركوز لهما صياغة اجتماعية إيجابية على أساس التصور الهيغلي للعقل، فإن آراء أدورنو كانت بعيدة عن الماركسية، على الرغم من كونه يدعي أن فلسفته مادية جدلية. وقد انتقد أدورنو مرات عديدة أفكار ماركس، وخاصة علم التاريخ والمادية التاريخية، ولم يهتم بحال من الأحوال بتحليل ماركس الاقتصادي، وعلاقته بنظريته عن الطبقات، بل أخذ من جورج لوكاش المستوى السلبي من النقد الإيديولوجي في نقد الوعي الطبقي البورجوازي. وقد ساهم في بلورة النقد الثقافي كما يبدو ذلك واضحا في بحثه الذي كتبه مع هوركايمر بعنوان:"جدل التنوير" (1944م)، حيث انتقد فيه العقل العلمي الوضعي الذي يقدم حقائق زائفة عن الوضع البشري، وانتقد العلم والتقنية، وكان يرى أنها سببا في استلاب الإنسان واستغلاله، وأنها وهم إيديولوجي زائف ليس إلا. كما انتقد الثقافة الجماهيرية الساذجة التي تساعد على انتشار الإيدولوجيا الواهمة.



ومن جهة أخرى، رفض أدورنو نظرية لوكاش الواقعية التي تقوم على الانعكاس المباشر، حيث يتحول الأدب أو الفن في منظوره إلى مرآة تعكس بطريقة مباشرة مايقع في الواقع محاكاة وتمثلا ونقلا وتصورا. وقد اهتم أدورنو بالجمال اهتماما لافتا للانتباه، ويعد أدورنو كذلك من رواد نظرية الجمالية الجديدة، حيث ألف كتابا تحت عنوان:"نظرية الجمال"، حيث يعطي مفهوما جديدا للفن والجمال مخالفا للتصور الماركسي الذي يرى أن الجمال تمثل للعالم وانعكاس له، بينما يرى أدورنو أن الجمال أو الفن وسيلة هروب غامضة. و"هكذا، يرفض أدورنو نظرة لوكاش إلى الواقعية، مؤكدا أن الأدب لا يتصل اتصالا مباشرا بالواقع على نحو ما يفعل العقل، فتباعد الفن عن الواقع هو الذي يكسبه قوته ودلالته الخاصة. ويتوقف أدورنو عند الطرائق التي يستخدم بها المسرحي صمويل بيكيت الشكل، والموسيقار شوبنبرج الثورة اللانغمية، ليصور خواء الثقافة الحديثة".[11]



ويعني هذا أن شعرية الأدب لا تكمن في مفهوم المحاكاة، بل في الانزياح والابتعاد عن مفهوم الانعكاس المباشر. كما أن الفن عند أدورنو يتخذ موقفا نقديا وسلبيا من العالم. وفي هذا السياق، يقول دافيد كارتر (David karter): "انتقد أدورنو نظرية لوكاش القائلة: إن للفن علاقة مباشرة مع الواقع. وبالنسبة لأدورنو، إن الفن، بما في ذلك الأدب، معزول عن الواقع، وهذا هو مصدر قوته تماما. إن أشكال الفن الشعبي تؤكد فقط، على مطابقة قواعد المجتمع، وتخضع لتلك القواعد أيضا، ولكن الفن الحقيقي يتخذ موقفا نقديا، في منأى عن العالم الذي أنشأه: "الفن هو المعرفة السلبية للعالم الفعلي". ورأى أدورنو الاغتراب واضحا في كتابات بروست وبيكيت على أنها تثبت هذه المعرفة السلبية للعالم الحديث".[12]



ومن هنا، فالنظرية النقدية - حسب أدورنو - هي نقد للواقعية الماركسية الانعكاسية الساذجة، التي تعقد الصلة المباشرة بين الأدب والمجتمع في جل تناقضاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية.



وفي الأخير، "لم ير أدورنو إمكانية لتحرير الفرد من التسلط والهيمنة، لا في ظهور جماعات معارضة جديدة، ولا في التحرر الجنسي، وإنما ارتأى هذه الإمكانية بالأحرى في عمل الفنان الأصيل الذي يواجه الواقع المعطى بالتلميح إلى مايمكن أن يكون. وعلى هذا، فإن الفن الأصيل يمتلك قوة غلابة، لدرجة يضعه أدورنو في مواجهة العلم الذي يعكس الواقع الموجود فحسب، فيما يمثل الفن الأصيل شكلا أعلى من أشكال المعرفة، وسعيا متجها إلى المستقبل وراء الحق".[13]



أما والتر بنيامين (1892-1940م)، فيعد أيضا من رواد مدرسة فرانكفورت، وقد تأثر بكتابات كارل ماركس وأفكار جورج لوكاش الواقعية، وتكمن أهميته في كونه قدم أفضل الصيغ في الفكر النقدي للأدب، وقد ساهمت نظريته بشكل من الأشكال في ظهور البنيوية التكوينية عند لوسيان كولدمان. وقد اهتم بالفن كأدورنو اهتماما لافتا للانتباه،حيث درس الأدب في ضوء مفاهيم ماركسية، حيث اعتبر الفن والإبداع الأدبي إنتاجا والمؤلف منتجا، كما يتضح ذلك جليا في كتابه: "المؤلف منتج" (1934م). وقد طالب بنيامين أن يكون الإنتاج ثوريا، وعاملا فعالا في خلق علاقات اجتماعية جديدة بينه وبين المتلقي.ويعني هذا أنه يدعو إلى الفن الثوري الذي يغير المجتمع شكلا ومضمونا، وينوره بشكل إيجابي عبر تمرير رسائل ثورية. ومن هنا، يعتمد الفن عند والتر بنيامين : "على تقنيات معينة من الإنتاج، شأنه في ذلك شأن غيره من أشكال الإنتاج.أي: يعتمد على أنماط معينة في الرسم والنشر والعرض المسرحي...إلخ. هذه الأنماط جزء من القوى الإنتاجية للفن، وجانب من مرحلة من مراحل تطور الإنتاج الفني، تتضمن جماعا من العلاقات الاجتماعية بين الفنان المنتج والمتلقي المستهلك".[14]



ومن جهة أخرى، يرى بنيامين أن الاستنساخ الصناعي قد قضى على الفن الراقي والسامي، وحوله إلى كليشيهات لاحياة فيها ولاروح. وهكذا، يقول بنيامين في مقاله: "العمل الفني في عصر الاستنساخ الصناعي" (1933م): "إن الأعمال التراثية في الفن كانت تحيط بها هالة من التفرد والتميز والتباعد والديمومة.ولكن الاستنساخ الآلي للرسم، مثلا، قضى على هذا التفرد، وأحل محل اللوحة الفريدة نسخا شعبية، فحطم بذلك من هالة الفن المتوحد المغترب، وأتاح للمشاهد أن يرى اللوحة حيث يشاء، وحين يشاء. وإذا كان البورتريه يحافظ على تباعده عن الموضوع، فإن آلة التصوير تنفذ إلى الموضوع، وتقارب بينه وبين المشاهد إنسانيا ومكانيا إلى أبعد حد، فتقضي على أي سحر غامض ينطوي عليه الموضوع. يضاف إلى ذلك أن الفيلم في آلة التصوير يجعل الناس جميعا خبراء، ماظلوا قادرين على التقاط الصور الفوتوغرافية؛ فتتهدم الشعيرة التقليدية لما سمي بالفن الراقي".[15]



هذا، وقد كرس إريك فروم كتاباته لإنشاء علاقة بين التحليل النفسي والماركسية،" عن طريق توسيع تفسيرات سيغموند فرويد فيما يتعلق بالفرد، لتشمل الموقع الطبقي للأسرة والوضع التاريخي للطبقات الاجتماعية. وتابع فروم في أعماله اللاحقة هذا الهدف الرامي إلى إقامة علم نفس اجتماعي ماركسي، يمكن أن تندمج فيه نظرية فرويدية معدلة، وبخاصة في نموذجه عن: "الشخصية الاجتماعية"، التي صاغها في ملحق كتابه: "الخوف من الحرية". ومع ذلك، توقف فروم في ذلك الوقت عن إقامة أية علاقات مع المعهد. فقد كان تفسيره السوسيولوجي الجديد، والذي يعد أكثر تجريبية وأكثر ماركسية للتحليل النفسي، موضع نقد كل من أدورنو وماركوز بعد فترة وجيزة".[16]



أما يورجين هابرماس مجدد مدرسة فرانكفورت، فيمثل النظرية النقدية في مرحلة ما بعد الحداثة، وهو من أبرز المعبرين عن الاتجاه العقلاني، إذ نقد الطابع التقني والوضعي القمعي للعقل في الممارسات الرأسمالية والاشتراكية، ويعد أيضا عند توم بوتومور المفكر الأكبر لما بعد مدرسة فرانكفورت أو النظرية النقدية الجديدة. و"على الرغم من قربه من الماركسية، فإنه يختلف مع ماركس في أمر أساسي: فهو يرى أن ماركس قد أخطأ في إعطائه للإنتاج المادي المركز الأول في تعريفه للإنسان في رؤيته التاريخية، باعتباره تطورا للأشكال والأنماط الاجتماعية.



ولهذا، يرى هابرماس أن التفاعل الاجتماعي هو أيضا بعد أساسي من أبعاد الممارسة الإنسانية، وليس الإنتاج وحده، وهو ما يوضح فلسفته التي تقوم على مفهوم الاتصال أو التواصل، وعلى أسبقية اللغة، وأولويتها على العمل.



والعقل الاتصالي عند هابرماس، هو فاعلية تتجاوز العقل المتمركز حول الذات، والعقل الشمولي المنغلق الذي يدعي أنه يتضمن كل شيء، والعقل الأداتي الوضعي الذي يفتت الواقع ويجزئه، ويحول كل شيء إلى موضوع جزئي حتى العقل نفسه". [17]



وقد وجه هابرماس انتقادات صارمة للماركسية، فأعاد بناءها على أسس جديدة، وتسمى هذه المرحلة من مراحل مدرسة فرانكفورت بمرحلة مابعد الماركسية. وقد بدأ مقالاته التي كتبها في الستينيات بتقويم الوضعية العلمية والمنطقية على غرار أسلافه من مفكري معهد فرانكفورت. وقد ميز بين ثلاثة أنواع من المعرفة انطلاقا من منظور المصلحة التي تحققها للجنس البشري، وذلك في كتابه: "المعرفة والمصالح البشرية" (1974م) وقد حصرها في مصلحة تقنية، ومصلحة عملية، ومصلحة تحررية. وقد اعتبر هابرماس النموذج النفسي الفرويدي أداة صالحة للنظرية النقدية لتحقيق الثورة التحررية الإنسانية والمجتمعية. وقد أكد هابرماس أسبقية اللغة على العمل، وأكد أيضا ترابط اللغة والعمل الاجتماعي، حيث من الصعب فصل عنصر على آخر، وخالف بذلك رأي ماركس الذي كان يعتبر العمل هو الذي خلق الإنسان. لكن هابرماس يرى أن باللغة تحقق الاستقلال الذاتي والمسؤولية. وبهذا، يكون هابرماس قد انتقل من نظرية المصالح المعرفية إلى نظرية اللغة والاتصال. ويلاحظ أن هناك ارتباطا في فكر هابرماس بين التحليل الفلسفي ونظرية المجتمع، وإن تغيرت طبيعة هذا الارتباط بالتدريج. ففي كتابه "المعرفة والمصلحة البشرية"، كان هناك تماثل بين الأنواع الثلاثة من المعرفة مع قسمات رئيسة للحياة الاجتماعية، وهي: العمل، والتفاعل، والتسلط. وانتقل في المرحلة الثانية إلى تقديم نظرية في الحق لاتضرب بجذورها في المجتمع، وإنما في اللغة بوصفها ميزة عامة للجنس البشري، وتستمر هذه الفكرة في أعمال هابرماس، وإن كان يشدد في الأخير على إعادة بناء النظرية في المجتمع.



و"بالفعل، فإن هذا التطور يسجل ابتعادا أكثر عن نظرة مدرسة فرانكفورت في مرحلتها الأخيرة، وأصبح هذا التباعد أكثر صراحة بإعلان هابرماس أنه يتناول النظرية الاجتماعية بوصفه: "منظرا ماركسيا مهتما بمواصلة التعاليم الماركسية في ظل ظروف تاريخية متغيرة على نحو كبير". وهكذا، قدم هابرماس عناصر النظرية الماركسية المعاد بناؤها في عملين مهمين خلال السبعينيات، دار أولهما حول مشكلات الشرعية في المجتمعات الرأسمالية إبان مراحل تطورها الأخيرة، والثاني حول المادية التاريخية".[18]



وبناء على ماسبق، فقد حدد هابرماس أربعة أنواع من الأزمات التي تعاني منها المجتمعات الرأسمالية المعاصرة: الأزمة الاقتصادية، وأزمة العقلانية، وأزمة الشرعية، وأزمة الدافعية أو أزمة التحفيز.ومن ثم، فقد حاول أن يقدم تقويما للتحول الذاتي للرأسمالية المتطورة. ومن هنا، فإن هابرماس يقدم قراءة تقويضية للمجتمع الرأسمالي، وقراءة تفكيكية للمجتمع البورجوازي المعاصر.



و"في الظن أن المسألة الأكثر وضوحا، هي مدى ابتعاده عن أفكار مدرسة فرانكفورت الباكرة، حيث نجده قد سار، إلى حد ما، في عكس الاتجاه الذي بدأه أدورنو وهوركايمر، بإيلائه أهمية أكبر للنظرية الماركسية في المجتمع على نحو متميز، حين كرس مزيدا من الاهتمام لتحليل الهياكل الاقتصادية والسياسية، فيما نجد، على العكس، إشارات ضئيلة في أعماله لصناعة الثقافة.



وأكثر من هذا، فإنه لا يطابق النظرية النقدية بالفكر الفلسفي في مواجهة العلم. فهو يقترح أن يوضع النقد بطريقة ما بين الفلسفة والعلم. وهذا المفهوم يتيح مجالا لعلم تجريبي عن المجتمع، على الرغم من أن ذلك لاينبغي أن يستنفذ إمكانية المعرفة الاجتماعية، ويجب إتمامه، أو وضعه، في إطار فلسفة تاريخ لها هدف سياسي.



وفي الوقت نفسه، توجد هناك أيضا استمراريات واضحة في النظرية النقدية من الثلاثينيات حتى الوقت الراهن.



وعلى الرغم من أن هابرماس لم ينسب إلى الفلسفة دورا بارزا للغاية، مثل ذلك الذي حازته في فكر أدورنو وهوركايمر، فإن واقع الحال بلا شك، وبخاصة في أعماله الباكرة، أنه كان لا يزال مشغولا إلى حد بعيد بنقد الوضعية، وكان تأثيره ملحوظا بقوة كبيرة في المناظرات ما بعد النظرية حول الأسس الفلسفية للعلوم الاجتماعية".[19]



هذا، وقد مال هابرماس إلى البنيوية التكوينية كبديل لفلسفة التاريخ التي تبنتها مدرسة فرانفكورت إبان بدايتها، متأثرا في ذلك بجان بياجيه، ولوسيان كولدمان.وبعد ذلك، يشرع في التمييز بين الرأسمالية المنظمة والاشتراكية البيروقراطية، بوصفهما الشكلين الرئيسين للترشيد العقلاني للمجتمعات الحديثة. ويبني هابرماس نظريته النقدية في علم الاجتماع على مرتكزين ضروريين، وهما: الفلسفة والعلم. بيد أن نظرية هابرماس غير تاريخية، ولا تعنى بالاقتصاد، كما هو حال النظرية الماركسية الأولى. و" نرى أن السمة الأكثر تميزا لنظرية ماركس، وإسهامها الأكثر أهمية في إقامة علم واقعي عن المجتمع، هي أنها لا تتعامل مع التفاعل الاجتماعي على وجه العموم، وإنما تتناول علاقة البشر بالطبيعة، والتفاعل فيما بين البشر في عملية الإنتاج، كاتجاهات سائدة ومولدة ومحددة لأشكال أخرى من التفاعل.



إن هذا هو المفهوم الذي منح الماركسية قوتها التفسيرية، والذي لايزال يمنحها هذه القوة حتى اليوم.لأنه مهما تكن الحاجة إلى إعادة بناء للنظرية الماركسية من أجل فهم المراحل المستجدة من تطور المجتمعات الحديثة بشكل ملائم، ولاسيما دورالدولة وطبيعة الصراعات الطبقية، فإنه لا يزال ضروريا البدء من تحليل تنظيم الإنتاج وتسييره، سواء كان ذلك على شكل تسلط رأس المال المتركز في شركات وطنية أو متعددة الجنسية، أو تسلط الإدارة البيروقراطية للصناعة المؤممة".[20]



وعليه، فقد مر فكر هابرماس – حسب سامي خشبة- بمرحلتين رئيستين: مرحلة نقد العقل الوضعي الذي ساد الغرب مع نضج الرأسمالية، وتطور العلوم الإنسانية والتجريبية. والمرحلة الثانية التي انشغل فيها هابرماس ببناء نظرية اجتماعية قائمة على حركة تنويرية جديدة أو استئناف القديمة، وصياغة عقلانية تسترشد بالمنجزات العصرية لعلوم الطبيعة والعلوم الاجتماعية، وخاصة علم الاجتماع، وعلوم اللغة والاتصال، وعلم النفس التربوي التطوري.[21]



ويمكن أن نحدد بدورنا مراحل أخرى لفكر هابرماس، ففي المرحلة الأولى، انتقد الوضعية العلمية والمنطقية. وبعد ذلك، انتقل إلى الحداثة ليعتبرها دليلا على العقل التنويري، مقابل النزعات اللاعقلانية التقويضية والتفكيكية، وقد ارتأى أن الحداثة هي نموذج التحرر من كل أنواع السيطرة، حيث تتطابق النظرية والتطبيق، والمعرفة والمصلحة... و ركز أيضا على الاتصال بأنواعه باعتباره وسيلة لبناء المعرفة، وليس مجرد تبادلها، كما أشار إلى ذلك في كتابه: "الاتصال ونشوء المجتمع"(1976)


وأعاد للقيم والمعايير الاجتماعية أهميتها، وتبنى الكفاءة الأخلاقية كمضمون للاتصال الاجتماعي، وذلك في كتابه: "نظرية الفعل الاتصالي"(1981م). لكن هابرماس سينتقد مابعد الحداثة التاريخية ابتداء من عام 1985م، حيث يرجع فشلها إلى اختلال التوازن بين القيمة المعنوية والقيمة المادية؛ مما حول عقلانية التنوير إلى حالة مرضية، وتلك هي الحال التي يصف بها تصور فرانسوا ليوتار وجان بودريار لما بعد الحداثة[22].



5- النظرية النقدية في الميزان:

من أهم إيجابيات النظرية النقدية أنها تنتقد التوجهات الرأسمالية بالتقويض والتشريح والتفكيك، وتنتقد النظريات العلمية والوضعية التي أهملت الإنسان، والذات، والمجتمع، والمصلحة الاجتماعية، والقيم الأخلاقية، واعتبرت الإنسان موضوعا مشيأ، تتحكم فيه الحتميات الجبرية، وأنه لا قوة له ولا فاعلية في صنع التاريخ أو تغيير المجتمع. ومن ثم، فقد جاءت النظرية النقدية لتصحيح أوضاع المجتمع وتغييرها، وذلك عن طريق تعرية المؤسسات الرأسمالية المهيمنة، وفضح أوهامها الإيديولوجية، وتطوير المفاهيم الماركسية في ثوب جديد، أو إعادة صياغتها مرة أخرى كما فعل هابرماس. وقد تحققت فعلا قطيعة إبستمولوجية بين النظرية النقدية القديمة والنظرية النقدية الجديدة.



ويمكن القول بأن مدرسة فرانكفورت قد مرت بمجموعة من المراحل، فقد انشغلت في الثلاثينيات والأربعينيات بالاشتراكية الوطنية، ومعاداة السامية، واهتمت في الخمسينيات بصناعة الثقافة، واعتنت في الستينيات بالحركات الثورية التحررية، لا سيما ثورة الطلبة والأقليات العرقية، لتهتم في سنوات السبعين وبعدها بنظرية المعرفة، وإعادة النظر في الكثير من الآراء الماركسية، وبناء أسسها من جديد، وصياغة نظرية ماركسية جديدة، والاعتناء بالقضايا السياسية والمجتمعية في ضوء النظرية النقدية. وقد ارتبط علم الاجتماع بالماركسية، ووضعت النظرية النقدية إبستمولوجيا بين الفلسفة والعلم، وخاصة مع مفكر التجديد هابرماس.



أما عن أهم الانتقادات الموجهة إلى مفكري مدرسة فرانكفورت اختلاف آرائهم من شخص إلى آخر، واختلاف توجهات مدرسة فرانكفورت لمابعد الحداثة عن مدرسة فرانكفورت في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين. كما استبعدت المدرسة اهتمامها بالتاريخ والاقتصاد إلى حد كبير، وانحرفت انحرافا كبيرا عن مبادىء الماركسية الكلاسكية كما عند الجيل الثاني من مفكري معهد فرانكفورت. وقد همشت النظرية النقدية الجديدة مع هابرماس الطبقة العاملة باعتبارها طبقة ثورية سياسية فاعلة ومغيرة.لذا، وصفت مدرسة فرانكفورت بأنها: "ماركسية بدون بروليتاريا"[23]. ومن هنا، "يبدو أن مفهوم مدرسة فرانكفورت عن تدهور، أو تلاشي الطبقة العاملة كقوة سياسية، قدم أساسا على فكرة طوباوية وخيالية عن الثورة، التي هي بأية حال الطريق الوحيدة، أو الأكثر ماركسية، لتصور عملية الثورة الاجتماعية. وربما يكون هذا المفهوم قائما أيضا على انعكاس الخبرة الاستثنائية الأمريكية، الناجمة عن غياب طبقة عاملة منظمة سياسيا في المجتمع الأمريكي، على فكرهم، ولا سيما في حالة ماركوز".[24]



وفي هذا النطاق، يقول توم بوتومور في كتابه: "مدرسة فرانكفورت": "وقد أخفقت مدرسة فرانكفورت في الالتزام بالطريقة القاطعة التي اقترحها هوركايمر للنظرية النقدية، حين ذكر أنها لا تمتلك المفاهيم والأدوات التصورية القادرة على سد الفجوة بين الحاضر والمستقبل".[25]



ويمكن القول أخيرا بأن النظرية النقدية في عمومها قد ابتعدت في مراحلها الأخيرة عن الماركسية التي انطلقت منها في بداياتها، بل اعلنت هذه النظرية فشلها حينما اعتبر هابرماس بأن نظرية مابعد الحداثة حالة مرضية؛ بسبب اختلال التوازن بين ماهو معنوي وماهو مادي.



خلاصة تركيبية:

وهكذا، نصل إلى أن النظرية النقدية هي قراءة ماركسية للمجتمع، ونقد للنظرية العلمية والوضعية التي أهملت الإنسان والذات والتاريخ والمجتمع والأخلاق. ومن ثم، تعمل النظرية النقدية على تنوير المرء الملزم، وتنويره عقلانيا وذهنيا، وانتقاد الاغتراب في المجتمع الرأسمالي، وإدانة فكرة التشييء والاستلاب والقمع الآلي. ومن ثم، تستند النظرية النقدية في قراءتها للأدب والفن إلى مفاهيم النقد المراكسي الكلاسكي أو الماركسية المعدلة في نظرية هابرماس. ويمكن أن نحدد مجموعة من المراحل التي قطعتها النظرية النقدية الجديدة، فكان هناك في البداية اهتمام بنقد الوضعية العلمية، ومعاداة الفكرة السامية. وبعد ذلك، انتقل الاهتمام إلى المجال الثقافي مع ماركوز، ليتم الإنصات إلى الحركات الثورية الطلابية والأقليات المضطهدة، لتتخذ النظرية النقدية توجها جديا مع هابرماس، حيث بدأت النظرية النقدية الجديدة تقدم تصورات مختلفة حول المجتمع متأرجحة بين الفلسفة والعلم، كما أعيدت صياغة الماركسية من جديد على أسس علمية وسياسية واجتماعية مابعد حداثية، لتنتهي النظرية النقدية بالثورة على مابعد الحداثة نفسها، وذلك حينما وقع اختلال مجتمعي وحضاري بين القيم المادية والقيم المعنوية، فترتب عن ذلك أن أصبحت مابعد الحداثة حالة مرضية مأساوية.

[1] - توم بوتومور: مدرسة فرانكفورت، ترجمة: سعد هجرس،دار أويا،طرابلس، ليبيا، الطبعة الثانية سنة 2004م، ص:13.

[2] - انظر: د.سعد البازعي وميجان الرويلي: دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية ، سنة 2000م.ص:200.

[3] - توم بوتومور: مدرسة فرانكفورت، ص:206.

[4] - توم بوتومور: مدرسة فرانكفورت، ص:206-207.

[5] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:207.

[6] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:212-213.

[7] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:213.

[8]- توم بوتومور: المرجع السابق، ص:44-45.

[9] - توم بوتومور: المرجع السابق،ص:83.

[10] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:88.

[11] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:188.

[12] - ديفيد كارتر: النظرية الأدبية، ترجمة: د. باسل المسالمه، دار التكوين، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2010م، ص:63.

[13] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:88-89.

[14] - تيري إيجلتون: الماركسية والنقد الأدبي، ترجمة: جابر عصفور، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 1986م، ص:62.

[15]- تيري إيجلتون: الماركسية والنقد الأدبي، ترجمة: جابر عصفور، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 1986م، ص:63-64.

[16] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:52.

[17] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:160.

[18] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:116.

[19] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:125.

[20] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:147.

[21] - توم بوتومور: المرجع السابق ،ص:160-161.

[22] - توم بوتومور: المرجع السابق،ص:162-163.

[23] - توم بوتومور: المرجع السابق، ص:133.

[24] - توم بوتومور: المرجع السابق،ص:105-136.

[25] - توم بوتومور: المرجع السابق،ص:


اقرأ المزيد

تكنولوجية وسائل الأعلام وتأثيرها على المجتمعات ((نظرية مارشال ماكلوهان))


تُعَد النظرية التكنولوجية لوسائل الإعلام، من النظريات الحديثة التي ظهرت عن دور وسائل الأعلام وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات، ومبتكر هذه النظرية(مارشال ماكلوهان) كان يعمل أستاذاً للغة الإنجليزية بجامعة تورنتو بكندا، ويعتبر من أشهر المثقفين في النصف الثاني من القرن العشرين.(1)
وبشكل عام، يمكن القول أن هناك أسلوبان أو طريقتان للنظر إلى وسائل الأعلام من حيث:
1-أنها وسائل لنشر المعلومات والترفيه والتعليم.
2-أو أنها جزء من سلسلة التطور التكنولوجي.
إذا نظرنا أليها على أنها وسيلة لنشر المعلومات والترفيه والتعليم، فنحن نهتم أكثر بمضمونها وطريقة استخدامها، والهدف من ذلك الاستخدام. وإذا نظرنا إليها كجزء من العملية التكنولوجية التي بدأت تغير وجه المجتمع كله، شأنها في ذلك شأن التطورات الفنية الأخرى، فنحن حينئذ نهتم بتأثيرها، بصرف النظر عن مضمونها.
يقول مارشال ماكلوهان أن (مضمون ) وسائل الأعلام لا يمكن النظر إليه مستقلاً عن تكنولوجية الوسائل الإعلامية نفسها.فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية الموضوعات، والجمهور الذي توجه له رسالتها، يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل، ولكن طبيعة وسائل الإعلام التي يتصل بها الإنسان تشكل المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون الاتصال، فحينما ينظر ماكلوهان إلى التاريخ يأخذ موقفا نستطيع أن نسميه (بالحتمية التكنولوجية) Technoligical Determinism فبينما كان كارل ماركس يؤمن بالحتمية الاقتصادية، وبأن التنظيم الاقتصادي للمجتمع يشكل جانباً أساسياً من جوانب حياته، وبينما كان فرويد يؤمن بان الجنس يلعب دوراً أساسياً في حياة الفرد والمجتمع، يؤمن ماكلوهان بأن الاختراعات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر تأثيراً أساسياً على المجتمعات.
-------------
(1) ولد مارشال ماكلوهان في 21 يوليو 1911 في مدينة أد مونتن بالبرنا، كندا، والدته كانت ممثلة ووالده تاجر عقارات.دخل ماكلوهان جامعة مانيتوبا وكان ينوى دراسة الهندسة ولكنه درس الأدب الإنجليزي وحصل على الماجستير في سنة 1934 وبعد أن حصل على الدكتوراه في سنة 1943 من جامعة كامبردج، درّس في عدة جامعات أمريكية ولكن منذ سنة 1947 عمل أستاذا للآداب في جامعة تورنتو.وقد نشر ماكلوهان مئات من المقالات في المجلات وأصدر أربعة كتب مهمة هي :
The Mechanical Bride. : Folklore of Industrial Man, (1951); The Gutenberg Galaxy : The Making of Typographic Man (1962) ; Under Standing Media : The Extensions of Man (1964) ; The Medium is The Message : An Inventory of Effects (1967)
وقد نال كتابه (عالم جوتنبرج) جائزة الحاكم العام في سنة 1962 وهي تعادل جائزة بولتزر في أمريكا.

ولهذا نجد ماكلوهان شديد الإعجاب بعمل المؤرخين أمثال الدكتور وايت White Jr صاحب كتاب (التكنولوجيا الوسيطة والتغير الاجتماعي)، الذي ظهر سنة 1962 وفيه يذكر المؤلف أن الاختراعات الثلاثة التي خلقت العصور الوسيطة هي الحلقة التي يضع فيها راكب الحصان قدمه Stirrup وحدوة الحصان Nailed Horseshoe، والسرج Horse Collar.. فبواسطة الحلقة التي يضع فيها راكب الحصان قدمه استطاع الجندي أن يلبس درعاً يركب به الحصان الحربي ؛ وبواسطة الحدوة والأربطة التي تربط الحصان بالعربة Harness توافرت وسيلة أكثر فاعلية لحرث الأرض، مما جعل النظام الإقطاعي الزراعي يظهر، وهذا النظام هو الذي دفع التكاليف التي تطلبها درع الجندي.
وقد تابع ماكلوهان هذه الفكرة بشكل أكثر تعمقاً ليعرف أهميتها التكنولوجية، مما جعله يطور فكرة محددة عن الصلة بين وجود الاتصال الحديث في المجتمع والتغيرات الاجتماعية التي تحدث في ذلك المجتمع، ويقول ماكلوهان أن التحول الأساسي في الاتصال التكنولوجي يجعل التحولات الكبرى تبدأ، ليس فقط في التنظيم الاجتماعي، ولكن أيضا في الحساسيات الإنسانية.والنظام الاجتماعي في رأيه يحدده المضمون الذي تحمله هذه الوسائل.وبدون فهم الأسلوب الذي تعمل بمقتضاه وسائل الأعلام لا نستطيع أن نفهم التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تطرأ على المجتمعات.فاختراع اللغة المنطوقة هو الذي ميّز بين الإنسان والحيوان، ومكّن البشر من إقامة المجتمعات والنظم الاجتماعية وجعل التطور الاجتماعي ممكنا، وبدون اختراع الكتابة ما كان التحضر ممكناً، بالرغم من أن اختراع الكتابة ليس الشرط المسبق الوحيد للحضارة، فالإنسان يجب أن يأكل قبل أن يستطيع الكتابة إلا أنه بفضل الكتابة، تم خلق شكل جديد للحياة الاجتماعية وأصبح الإنسان على وعي بالوقت، وأصبح التنظيم الاجتماعي يمتد إلى الخلف، (أي إلى الماضي)، وإلى الأمام، (أي إلى المستقبل)، بطريقة لا يمكن أن توجد في مجتمع شفهي صرف. فالحروف الهجائية هي تكنولوجيا يستوعبها الطفل الصغير بشكل لا شعوري تماما،(بالاستيعاب التدريجي)، والكلمات ومعانيها تُعد الطفل لكي يفكر ويعمل بطرق معينة بشكل آلي، فالحروف الهجائية وتكنولوجية المطبوع طورت وشجعت عملية التجزئة وعملية التخصص والابتعاد بين البشر، بينما عملت تكنولوجية الكهرباء على تقوية وتشجيع الاشتراك والتوحيد.
ويقول ماكلوهان أن وسائل الأعلام التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد طبيعة المجتمع، وكيف يعالج مشاكله، وأي وسيلة جديدة أو امتداد للإنسان، تشكل ظروفاً جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل الظروف، وتؤثر على الطريقة التي يفكرون ويعملون وفقاً لها أي أن (الوسيلة امتداد للإنسان، فالملابس والمساكن امتداد لجهازنا العصبي المركزي، وكاميرا التليفزيون تمد أعيننا والميكروفون يمد آذاننا، والآلات الحاسبة توفر بعض أوجه النشاط التي كانت في الماضي تحدث في عقل الإنسان فقط، فهي مساوية لامتداد الوعي).وسائل الأعلام الجديدة – كامتداد لحواسنا – كما توفر زمنا وإمكانيات تشكل أيضا تهديدا في الوقت نفسه، لأنه في الوقت الذي تمتد فيه يد الإنسان، وما يمكن أن يصل إليه بحواسه في وجوده، تستطيع تلك الوسائل أيضا أن تجعل يد المجتمع تصل إليه لكي تستغله وتسيطر عليه، ولكي نمنع احتمال التهديد يؤكد ماكلوهان أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الأعلام لأنه ((بمعرفة كيف تشكل التكنولوجيا البيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماما على نفوذها أو قدرتها الحتمية)).
وفي الواقع، بدلا من الحديث عن الحتمية التكنولوجية، قد يكون من الأدق أن نقول أن المتلقي يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيان مستقل، قادر على التغلب على هذه الحتمية التي تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم، وأنه لا يجب اعتبار التغير التكنولوجي حتمياً أو لا مفر منه، ذلك لأننا إذا فهمنا عناصر التغير يمكننا أن نسيطر عليه ونستخدمه في أي وقت نريده بدلاً من الوقوف في وجهه.
ويعرض ماكلوهان أربع مراحل تعكس في رأيه تطور التاريخ الإنساني:
1-المرحلة الشفوية كلية، مرحلة ما قبل التعلم، أي المرحلة القبلية.
Totally Oral , Preliterate, Tribalism
2- مرحلة كتابة النسخ Codification by Script
التي ظهرت بعد هومر في اليونان القديمة واستمرت ألفي عام
3-عصر الطباعة: من سنة 1500 إلى سنة 1900 تقريبا
4-عصر وسائل الأعلام الإلكترونية: من سنة 1900 تقريبا،حتى الوقت الحالي.
وطبيعة وسائل الإعلام المستخدمة في كل مرحلة تساعد على تشكيل المجتمع أكثر مما يساعد مضمون تلك الوسائل على هذا التشكيل.هذا الأسلوب في دراسة التطور الإنساني، ليس أسلوبا جديدا أو مبتكرا تماما.فيشير ماكلوهان إلى أنه مدين لمؤلفات عديدة برأيه هذا، ومن بين المؤلفات التي ساعدت ماكلوهان على تطوير نظريته المبتكرة:
E.H. Gombrich , Art and IIIusion (1960)
H.A. Annis , The Bias of Communication (1951)
Siegfried Giedion , Mechaniztion Takes Command (1948)
H.J. Chaytor , From Scipt to Print (1945) ; ard Lewis Mumford.
Techniques and Civilization (1934)
وباختصار يدعي ماكلوهان أن التغير الأساسي في التطور الحضاري منذ أن تعلم الإنسان أن يتصل، كأن من الاتصال (الشفهي ) إلى الاتصال (السطري) ثم إلى الاتصال (الشفهي ) مرة أخرى.ولكن بينما استغرق التغير من الشفهي إلى السطري قروناً، تم الرجوع أو التحول مرة أخرى إلى الشفهي في حياة الفرد الواحد.
الاتصال الشفهي:
وفقا لما يقول ماكلوهان، فإن الناس يتكيفون مع الظروف المحيطة عن طريق توازن الحواس الخمس(السمع والبصر واللمس والشم والتذوق) مع بعضها البعض، وكل اختراع تكنولوجي جديد يعمل على تغيير التوازن بين الحواس، فقبل اختراع جوتنبرج للحروف المتحركة في القرن الخامس عشر كان التوازن القلبي القديم يسيطر على حواس الناس، حيث كانت حاسة السمع هي المسيطرة.
فالإنسان في عصر ما قبل التعلم كان يعيش في عالم به أشياء كثيرة في الوقت نفسه، في عالم الأذن حيث يفرض الواقع نفسه على الفرد من جميع النواحي، ولم يكن لهذا الزمن حدود ولا اتجاه ولا أفق، وعاش الإنسان في ظلام عقله في عالم العاطفة معتمداً على الإلهام البدائي أو الخوف، وكان الزمن والمسافة يتم إدراكهما سمعيا، وكان الشعر الذي يغنى من أكبر أدوات التحضر، وكان الاتصال الشفهي هو الرابطة مع الماضي، وكانت المعاني ذات المستويات المتعددة هي الطابع العام، وهي معاني كانت قريبة جداً من الواقع، فالكلمات لا تشير إلى أشياء، بل هي أشياء، وكلمة الإنسان ملزمة، وذاكرة الإنسان قوية جداً (بالمستويات الحديثة) والصور الذهنية التي تصاحب أفكاره سمعية، فهو يستخدم كل حواسه، ولكن في حدود الصوت، ونظراً لأن الناس في ظل هذا النظام كانوا يحصلون على معلوماتهم أساساً عن طريق الاستماع إليها من أناس آخرين، فقد أقترب الناس من بعضهم البعض، في شكل قبلي، وقد فرض عليهم أسلوب حصولهم على المعلومات أن يؤمنوا بما يقوله الآخرون لهم بشكل عام، لأن تلك هي المعلومات الوحيدة المتوافرة لهم، ((فالاستماع كان يعني الإيمان )).
وقد أثر أسلوب الاتصال على الناس وجعلهم عاطفيين أكثر، وذلك لأن الكلمة المنطوقة عاطفية أكثر من الكلمة المكتوبة، فهي تحمل عاطفة بالإضافة إلى المعنى، وكانت طريقة تنغيم الكلمات تنقل الغضب أو الموافقة أو الرعب أو السرور أو التهكم، الخ. وكان رد فعل الرجل القبلي - الذي يعتمد على حاسة الاستماع - على المعلومات يتسم بقدر أكبر من العاطفة، فكان من السهل مضايقته بالإشاعات، كما أن عواطفه كانت تكمن دائماً قريبة من السطح، لكن ريشة الكتابة وضعت نهاية للكلام وساعدت في تطوير الهندسة وبناء المدن، وجعلت الطرق البرية والجيوش والبيروقراطية من الأمور الممكنة، وكانت الكتابة هي الأداة أو الوسيلة الأساسية التي جعلت دورة الحضارة تبدأ، فكانت خطوة إلى الأمام من الظلام إلى نور العقل.فاليد التي قامت بملء صفحات جلد الماعز بالكتابة هي نفسها التي قامت ببناء المدن. وتعلم الإنسان رسم ما يقوله (الحديث) ولغة العيون كما تعلم كيف يلون الفكر ويجعل له بناء أو كيان.فالحروف الهجائية جعلت عالم الأذن السحري يستسلم لعالم العين المحايد.
الاتصال السطري (المطبوع ) :
باختصار، يمكننا أن نقول أن مجتمعات ما قبل التعلم كانت تحتفظ بالمضمون الثقافي في ذاكرة أجيال متعاقبة، ولكن تغيّر أسلوب تخزين المعرفة حينما أصبحت المعلومات تختزن عن طريق الحروف الهجائية، وبهذا حلّت العين محل الأذن كوسيلة الحس الأساسية، التي يكتسب بفضلها الفرد معلوماته، وسهّل الكلام البشري الذي (تجمّد زمنياً) الآن بفضل الحروف الهجائية،إقامة إدارات بيروقراطية قوية،واتجاهات قبلية.
ولمدة تزيد عن ثلاثة آلاف سنة تشكل التاريخ الغربي بظهور الحروف الهجائية الصوتية، وهي وسيلة تعتمد على العين فقط لفهمها، والحروف الهجائية تقوم على بناء الأجزاء أو القطع المجزأة، ليس لها في حد ذاتها معنى دلالي، والتي يجب أن توضع مع بعضها في أسطر، وفي ترتيب معين ليصبح لها معنى، وقد روجت وشجعت استخدام تلك الحروف عادة إدراك كل الظروف المحيطة على أساس المساحة والزمن، على أساس توحيد مستمر (م.س.ت.م.ر) و مرتبط (م.ر.ت.ب.ط).فالسطر مجال مستمر.
يقول ماكلوهان أن تطور الصحافة المطبوعة في القرن الخامس عشر بفضل اختراع جوتنبرج للحروف المتحركة، كان أكثر الابتكارات التكنولوجية تأثيراً على الإنسان، فالمطبوع جعل الإنسان يتخلص من القبيلة، فمن خلال الحروف الهجائية تمكن من ضغط الواقع وتقديمه من خلال مرشح الحروف الهجائية، وأصبح الواقع يأتي إلينا قطرة قطرة في الوقت الواحد، فالواقع يأتي مجزئاً، ويأتي بتسلسل فهو مجزأ على طول خط مستقيم، وهو تحليلي، وهو مختصر ويقتصر على حاسة واحدة، وعلى وجهة نظر موحدة، ويمكن تكرارها.
كما يقول ماكلوهان:العين لا تستطيع أن تختار ما تراه، ولا تستطيع أن ترجو الأذن أن تتوقف عن الاستماع، فأجسامنا أينما وجدت تشعر، سواء بإرادتنا أو الرغم منا، وكأن على الفرد لكي يشرح رد فعله البسيط على طلوع الفجر مثلاً، الذي قد يستغرق خمس ثوان، أن يضعه في كلمات وفي جملة بعد جملة، لكي يستطيع أن يقول لشخص آخر ما الذي يعنيه طلوع الفجر بالنسبة له، وقد أكمل اختراع جوتنبرج ثورة الحروف الهجائية، فأسرعت الكتب بعملية فك الشيفرة التي نسميها قراءة، وتعددت النسخ المتطابقة، وساعد المطبوع على نشر الفردية لأنه شجع – كوسيلة أو أداة شخصية للتعليم – المبادرة والاعتماد على الذات، ولكن عزل المطبوع البشر فأصبحوا يدرسون وحدهم، ويكتبون وحدهم، وأصبحت لهم وجهات نظر شخصية، عبّروا بها عن أنفسهم للجمهور الجديد الذي خلقه المطبوع، وأصبح التعليم الموحد ممكناً.
وبفضل الصحافة المطبوعة حدث تغير جذري، فبدأ الأفراد يعتمدون في الحصول على معلوماتهم أساساً على الرؤية، أي على الكلمة المطبوعة، لذلك أصبحت حاسة الأبصار هي الحاسة المسيطرة، بدلا من الاعتماد على الاستماع، أي على الكلمة المنطوقة. وحوّل المطبوع الأصوات إلى رموز مجردة، إلى حروف، وأصبح المطبوع يعتبر تقدماً منتظماً للتجريد، وللرموز البصرية، وساعد المطبوع على تطوير عادة عمل فئات، أي وضع كل شيء بنظام في فئات (المهن) و(الأسعار) و(المكاتب ) و(التخصصات )).وأدى المطبوع في النهاية إلى خلق الاقتصاد الحديث، والبيروقراطية، والجيش الحديث والقومية نفسها.
ويقول ماكلوهان في كتابة (عالم جوتنبرج The Gutenberg Galaxy) الذي صدر في سنة 1962 أن اختراع الطباعة بالحروف المتحركة ساعد على تشكيل ثقافة أوروبا الغربية، في الفترة ما بين سنة 1500 وسنة 1900م، فقد شجع الإنتاج الجماهيري للمواد المطبوعة على انتشار القومية، لأنه سمح بانتشار المعلومات بشكل أكبر وأسرع عما تسمح به الوسائل المكتوبة باليد، كذلك أثرت الأشكال السطرية Linear Forms للمطبوع على الموسيقى وجعلتها تتخلى عن التكوين القائم على التكرار، وقد ساعد المطبوع أيضاً على إعادة تشكيل حساسية الرجل الغربي، فينما اعتبر الرجل الغربي الخبرة كقطاعات فردية، وكمجوعة من المكونات المنفصلة، كان الإنسان في عصر النهضة ينظر إلى الحياة - كما ينظر إلى المطبوع - كشيء مستمر.
كذلك جعل المطبوع انتشار البروتستانتية ممكناً، لأن الكتاب المطبوع بتمكينه الناس من التفكير وحدهم، شجع الكشف الفردي.
وفي النهاية، يقول ماكلوهان أن ((جميع الأشكال الميكانيكية برزت من الحروف المتحركة، فالحروف نموذج لكل الآلات ))،هذه الثورة التي حدثت بفضل المطبوع فصلت (القلب عن العقل) و (العلم عن الفنون ) مما أدى إلى سيطرة التكنولوجيا والمنطق السطري.
العودة إلى الاتصال الشفهي :
يسمي ماكلوهان المرحلة التي نعشيها حاليا عصر (الدوائر الإلكترونية) ، كما تتمثل بشكل خاص في التليفزيون والكومبيوتر، فالإلكترونيات، بتوسيعها وتقليدها لعمل العقل البشري، وضعت نهاية لأسلوب تجريد الواقع، وأعادت القبلية للفرد مرة أخرى، مما أحدث نتائج ثقافية واسعة النطاق.
يقول ماكلوهان أن الأنماط الكهربائية للاتصال، مثل التلغراف والراديو والتليفزيون والسينما والتليفون والعقول الإلكترونية، تشكل هي الأخرى الحضارة في القرن العشرين وما بعده، وبينما شاهد إنسان عصر النهضة الطباعة، وهي شيء واحد، في الوقت الواحد، في تسلسل متوال، مثل سطر من الحروف، فإن الإنسان الحديث يجرب قوى كثيرة للاتصال، في نفس الوقت، وأصبحت عادة قراءة الكتاب، تختلف عن الطريقة التي ننظر بها إلى الجريدة، ففي حالة الجريدة لا نبدأ بقصة واحدة نقرؤها كلها ثم نبدأ قصة أخرى، ولكن تنتقل أعيننا في الصفحات لتستوعب مجموعة غير مستمرة من العناوين والعناوين الفرعية، والفقرات التي تقدم الموضوعات، والصور، الإعلانات.ويقول ماكلوهان" أن الناس لا يقرؤون الجريدة فعلا، بل يدخلونها كل صباح مثلما يأخذون حماما ساخناً"، والمساهمة أو الاشتراك كلمة أساسية في هذه الحالة، لأنه يجعل الجريدة من المطبوعات التي تستخدم كوسيلة (شفهية) وليست سطرية، فالصفحة الأولى في الجريدة تعرضك في نفس الوقت للأخبار عن كل الموضوعات في كل أنحاء العالم، والقصص في الجريدة الحديثة مطبوعة، ولكن قد تم استقاءها بواسطة التلغراف، والقارئ، كما يقول ماكلوهان، لا يعرف سوى القليل جداً عن الجريدة بذكاء أو بحاسة نقدية، فهذا ليس الهدف من وجودها، فالجريدة موجودة للإحساس بالاشتراك، بالمساهمة في شيء، يستخدمها الفرد بشكل كلي يقفز فيها كأنها حمام سباحة، ويقول ماكلوهان أنه حينما يزيد اشتراك الفرد في شيء.يقل فهمة له، ولكنه يعني ((الفهم )) وفقا لوجهة النظر السطرية القديمة، أن يكون الإنسان مبتعدا أو منطقياً.
وفقا لماكلوهان فإن العالم الذي كنا نعيش فيه قبل عصر الكهرباء كان عالماً مجرداً ومتخصصاً ومجزأً جداً، فبينما عملت الحروف الهجائية وتكنولوجيا المطبوع على تشجيع وتطوير عملية التجزئة والتخصص والابتعاد، نجد أن تكنولوجية الكهرباء تقوي وتشيع التوحيد والاشتراك، حتى فكرة الوظائف، هي نتيجة لتكنولوجية المطبوع، وتحيزاته، فلم تكن هناك (وظائف) في العصور القديمة والعصور الوسطى، بل كانت هناك فقط أدوار.الوظائف جاءت مع المطبوع والتنظيم البشري المتخصص جداً، فهي نمط حديث إلى حد ما للعمل، ظهر في القرن الخامس عشر، واستمر حتى اليوم، ويرجع السبب في وجود الوظائف إلى أنه كأن هناك تقدم مطرد لتجزئة مراحل العمل التي تقوم على (الميكنة ) و (التخصص). وسائل الأعلام الإلكترونية بدأت تغييراً كبيراً في توزيع الإدراك الحسي،أو كما يسميها ماكلوهان (نسب استخدام الحواس) Sensory Ratios اللوحة أو المكتبة نشاهدها من خلال حاسة واحدة وهي الرؤية.أما السينما والتلفزيون فتجذبنا ليس بواسطة المشاهدة، لكن أيضاً بالاستماع. وتعدل وسائل الأعلام الظروف المحيطة بنا لأنها تجعل نسب استخدام حواسنا تتغير في عملية الإدراك، امتداد أي حاسة يعدل الطريقة التي نفكر ونعمل بمقتضاها، كما يعدل امتداد تلك الحواس الطريقة التي ندرك بها العالم. حينما تتغير تلك النسب يتغير الإنسان، وسائل الأعلام الجديدة تحيط بنا وتتطلب منا مساهمة، ويرى ماكلوهان أن استخدام الحواس بهذا الوجود الجديد الذي يعتمد على استغلال الفرد لحواس كثيرة يرجع بنا إلى تأكيد الرجل البدائي على اللمس التي يعتبرها أداة الحس الأولى ( لأنها تتكون من تلاقي الحواس ).
ومن الناحية السياسية، يرى ماكلوهان أن سائل الإعلام الجديدة تحول العالم إلى (قرية عالمية Global Village ) تتصل في إطارها جميع أنحاء العالم ببعضها مباشرة، كذلك تقوّي تلك الوسائل الجديدة العودة (للقبلية) في الحياة الإنسانية، فعالمنا أصبح عالماً من نوع جديد، توقف فيه الزمن واختفت فيه (المساحة) لهذا بدأنا مرة أخرى في بناء شعور بدائي ومشاعر قبلية، كانت قد فصلتنا عنها قرون قليلة من التعليم.علينا الآن أن ننقل تأكيد انتباهنا من الفعل إلى رد الفعل، ويجب أن نعرف الآن مسبقا نتائج أي سياسة أو أي عمل، حيث أن النتائج تحدث أو يتم تجربتها بدون تأخير، وبسبب سرعة الكهرباء لم نعد نستطيع أن ننتظر ونرى، ولم تعد الوسائل البصرية المجردة في عالم الاتصال الكهربائي السريع صالحة لفهم العالم، فهي بطيئة جداً مما يقلل من فاعليتها، ولسوء الحظ نواجه هذا الظرف الجديد بعقلية قديمة، فالمعروف أن الكهرباء تجعل الأفراد يشتركون في المعلومات بسرعة كبيرة جداً، فقد أجبرنا عالمنا من خلال الوسائل الكهربائية على أن نبتعد عن عادة تصنيف المعلومات، وجعلنا نعتمد أكثر على أدراك النمط أو الشكل الكلي. لم يعد في الإمكان أن نبني شيئا في تسلسل، لأن الاتصال الفوري يجعل كل العوامل الموجودة في الظروف المحيطة تتفاعل، كما يجعل التجربة تتواجد في حالة تفاعل نشط.
وبينما عمل المطبوع على (تفجير) أو تحطيم أو تقسيم المجتمع إلى فئات، تعمل وسائل الأعلام الإلكترونية على إرجاع الناس مرة أخرى للوحدة القبلية، وتجعلهم يقتربون مرة أخرى من بعضهم البعض، فقد عادت حاسة الاستماع مرة أخرى إلى السيطرة، وأصبح الناس يحصلون على معلوماتهم أساساً بالاستماع إليها.
وهناك اختلاف كبير بالطبع، فالرجل الذي لا يستطيع أن يقرأ سيحصل على كل المعلومات عما حدث في الماضي، وما يحدث من الأمور التي لا يستطيع أن يراها،عن طريق السمع، سيجعل هذا عالمه أكثر انتشاراً وأكثر تنوعاً وتغيراً من الرجل المتعلم الذي يستخدم عيونه أكثر، في عملية القراءة، لأنه عن طريق الأذن لا يستطيع التركيز، ولكن يمكن للعين أن تركز في عملية القراءة، التي يمكن أن نعرفها بأنها استخدام العينين لتعلم الأشياء التي لا نستطيع أن نراها.
والاختلاف بين المجتمعات المتعلمة ومجتمعات ما قبل التعلم هائلة فالإنتاج على نطاق واسع لم يبدأ بالثورة الصناعية، ولكن بأول صفحة مطبوعة سحبها جوتنبرج من المطبعة، فقد أصبح في الإمكان للمرة الأولى، إنتاج المواد الإعلامية على نطاق واسع بحيث لا يستطيع الإنسان أن يفرق واحدة عن الأخرى وكان لكل الوحدات المنتجة، أي الطبعات، نفس القيمة،ك ن ذلك إنجازاً كبيراً بعد سنوات طويلة كان يتم فيها عمل شيء واحد، في الوقت الواحد، وكانت كل سلعة تختلف بعض الشيء عن السلعة الأخرى.
لكن الأهم من ذلك هو الظرف المحيط الذي فرضته وسيلة الأعلام المطبوعة: كلمة بعد أخرى، وجملة بعد أخرى، وفقرة بعد أخرى، وشيء واحد في الوقت الواحد، في خط منطقي متصل.وقد كأن تأثير هذا التفكير السطري عميقاً، وأثر على كل جانب من جوانب المجتمع المتعلم.
من ناحية أخرى، فإن المجتمع الذي يعتمد على حاسة الاستماع Ear-Oriented أكثر، لن يعمل أو يستجيب بهذا الأسلوب (شيء واحد في الوقت الواحد) ولكنه سيميل إلى استقبال خبرات كثيرة، في نفس الوقت، والتعبير عنها، وربما يفسر هذا مقدرة المراهقين على الاستماع إلى الراديو المرتفع الصوت والمذاكرة في نفس الوقت، .وربما يفسر هذا السر في اختلاف المراهقين حاليا عن المراهقين قبل ذلك، فهذا الجيل هو الجيل الأول أو الثاني لعصر الإلكترونيات، ويختلف أفراده عمن سبقوهم، لأن الوسيلة التي تسيطر على الظروف المحيطة بهم ليست المطبوع، أي الشيء الواحد في الوقت الواحد، وشيء بعد آخر، كما كان الوضع لمدة خمسمائة عام مضت، فبفضل التليفزيون الذي يقدم كل شيء مرة واحدة ويغطي كل شيء، أصبح الإنسان ينظر إلى الأمور بنظرة شمولية،أو كلية، ولهذا أصبح الطفل في المجتمع الحديث الذي يتدرب على معرفة الظروف المحيطة به.


اقرأ المزيد

أرسل أسئلتك في رسالة الآن هنا

http://abdenour-hadji.blogspot.com/

قناتي على اليوتوب

أعلن معنا... إعلانات الآن هنا ...


Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More