مقدّمــــــة
:
تعاقب على تلمسان في العهد الإسلامي
أمراء وملوك منهم أمراء قبيلة بني يفرن مؤسسو مدينة تلمسان قبل الفتح ، وأمراء
مغراوة ، ثمّ ملوك الأدارسة فالفاطميين ثمّ المرابطين فالموحّدين ، وبعد انحلال
دولة الموحّدين المركزية ، تنازع حكمها ملوك بني زيان من جهة ، وملوك مرين وبني
حفص من جهة أخرى ،قبل أن تستقر الأوضاع لبني زيان الذين حكموا تلمسان لمدّة ثلاثة قرون ، ولم تمنع
الصراعات التي شهدها عهدهم من الاهتمام بشؤون العلم والفكر والعمران . ومن خلال
بحثنا هذا نسلّط الضوء على جانب من هذا الاهتمام ، والمتمثّل في المدارس التي
أنشأت بتلمسان خلال القرن الثامن الهجري ، الرابع عشر الميلادي.
وقد اتّبعنا في عرضنا لعناصر البحث خطة
ابتدأناها بالفصل الأوّل ؛ والذي خصّصناه لموقع مدينة تلمسان وأسمائها ومعاني هذه
الأسماء ، لنتعرّض إلى التطورات السياسية بتلمسان منذ الفتح ، وكذا الأوضاع
العلمية بها . أمّا الفصل الثاني فقد خصّصناه لذكر المدارس التي شيّدت بتلمسان من
طرف السلاطين الزيانيين والمرينيين ، وافتتحناه بتعريف للمدرسة ووظيفتها . في حين
تعرّضنا في الفصل الثالث إلى أسباب بناء هذه المدارس ، والمرافق التي كانت توجد
بهذه المدارس ، وكيفية تسيير وتمويل هذه المدارس ، ثمّ انتقلنا إلى ذكر مكانة
مدارس تلمسان والطريقة المتّبعة في التدريس بها ، لنختتم هذا الفصل بدور هذه
المدارس في النهضة العلمية بتلمسان .
1 ـ موقع مدينة تلمسان :
تقع مدينة تلمسان على ارتفاع 830 م عن سطح البحر، وهي واقعة
في سفح مرتفعات جبلية ، وفي شمال المدينة يمتد سهل الحناية الشاسع المتّصل من
ناحية الغرب بسهل مغنية ، ويحدّها من الشمال الغربي مرتفع ترارة وجبال فلاوسن ،
وفي الشمال الشرقي مرتفعات السبعة شيوخ وتاسلة ، ويجري على منحدرات جبال تلمسان
عدّة أنهار؛ كنهرالتافنة ، ونهرالمفروش ، ونهرالشولي ، ونهرأسر، ونهرالصفصيف .[1]
وذكر أبي عبد الله الشريف الإدريسي :
"...وتلمسان مدينة أزلية لها صورحصين متقن الوثاقة ، وهي مدينتان في واحدة
يفصل بينهما سور ولها نهر، يأتيها من جبلها المسمّى بالصخرتين ، وعلى هذا الجبل
حصن بناه المصمودي قبل أخذه تلمسان ، ولم تزل المصامدة قاطنين به إلى أن فتحوا
تلمسان ،...وما جاورها من المزارع كلّها مسقي ، وغلاتها ومزارعها كثيرة ، وفواكها
جمّة وخيراتها شاملة ولحومها شحيمة سمينة ، وبالجملة إنها حسنة لرخص أسعارها ونفاق
أشغالها ومراح تجارتها ، ولم يكن في بلاد المغرب بعد مدينة أغمات وفاس أكثر من
أهلها أموالا ولا أرفه منهم حالاً ".[2]
أمّا حسن الوزان (ت 957هـ/1550م) فقال أنّ
: " مملكة تلمسان يحدّها واد زا ونهر ملوية غربا، والواد الكبير صحراء
نوميديا جنوبًا ، ولهذه المملكة ميناءان مشهوران : ميناء وهران ، وميناء المرسى
الكبير، وكان يختلف إليهما كثيرًا عدد وافر من تجارة جنوة والبندقية ، وتلمسان
مدينة كبيرة ".[3]
وذكر
ياقوت الحموي أنّ : " تلمسان مدينتان متجاورتان مسوّرتان بينهما رمية حجر
إحداهما قديمة والأخرى
حديثة
".[4] وأضاف
الإدريسي بأنّ : " مدينة تلمسان قفل بلاد المغرب ، وهي على رصيف للداخل
والخارج منه لا بدّ منها والإجتياز بها على كلّ حالة ، والطريق من تلمسان إلى تنس
سبع مراحل ، ومن فاس إلى تلمسان تسع مراحل ، ومن تلمسان إلى تاهرت أربع مراحل
".[5]
"ومن فاس إلى تلمسان تسع مراحل والطريق بينهما هو أن تخرج من فاس إلى نهر سبو
". [6]
وقال يحي بن خلدون ما خلاصته :" لها خمسة أبواب ، قبلة باب الجياد وشرقا باب
العقبة وشمالا باب الحلوى وباب القرمدين وغربا باب كشوط ، وهي مؤلفة من مدينتين
ضمّهما ألآن سور واحد ، أحدهما أقادير والآخر تاقرارت ، وهي الآن أكبر وأشهر من
الأولى".[7]
وموقع تلمسان المميّز جعلها تفتح أبوابها
لتجارة أوربا وتجارة المغرب والمشرق ، كما تمتاز بخاصية إستراتيجية ؛ بحيث تقع في
مكان تقاطع الطريقين التجاريين الهامّين في بلاد المغرب وهما : الطريق الرابط بين
الشرق والغرب ، المار بوادي شلف إلى تلمسان ومنها إلى فاس فسجلماسة ، والطريق الذي
يصل الشمال بالجنوب ، مرورًا بمدينة فجيج وتوات إلى بلاد السودان.[8]
2 ـ أسماء المدينة ومعانيها :
اتّخذت مدينة تلمسان أسماء متعدّدة منذ
نشأتها ، وعبر مراحل تاريخها القديم والوسيط ؛ لأنّ تلمسان تعتبر من أقدم مدن
المغرب الأوسط ، فقد عرفت الإستقرار البشري منذ آلاف السنين .[9]
ففيما يتعلّق بمعنى كلمة تلمسان فقد اختلف
حوله المؤرخون ، فذكر التلمساني (ت 805هـ) أنّ : " اسم تلمسان بربري ، هو
تحريف صيغة جمع هو تلمسان أو تلمسين بكسر التاء وسكون اللام ، وكسرالميم ، ومفرده
تلماس ؛ ومعناه جيب ماء أو ينبوع ، فيكون معنى اسم تلمسان مدينة الينابيع".[10]
في حين
يذهب مؤرّخون آخرون إلى أنّها مركّبة من لفظين هما "تلم" ومعناها تجمع ،
و"سين" ومعناها إثنان ؛ أي تجمع بين التلّ والصحراء ، وذكر ذلك يحي بن
خلدون عندما قال : " دار ملكهم فيه وسط بين الصحراء والتل ، وتسمّى بلغة
البربر تلمسان ".[11]
ويستند يحي بن خلدون في تفسيره هذا على شيخه العلاّمة أبي عبد الله الآبلي(ت
757هـ/1356م) الذي كان متضلّعًا في لغة زناتة وحافظا للسانهم ، وينطقها البعض
بـ"تلشان" وهي لفظة مركبة من "تل" ومعناها لها
و"شان" أي لها شأن ، ومنهم من ينطقها بتنمسان بالنون عوض اللام .[12]
وقال عنها لسان الدين بن الخطيب : " تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف
،ووضعت في موضع شريف ".[13]
وعند
البربر أنفسهم كلمة تلمست وجمعها تلمسين ، وكلمة تلمست وجمعها تلمسان ومعناها واحد
؛ هو أرض تنعم بالمياه والأعشاب والأشجار.[14]
وأطلق على تلمسان أيضا اسم تاقرارت ؛ وهي
كلمة بربرية مؤنّثة معناها معسكر، والمرابطون هم الذين أنشأوا مدينة تلمسان
الحديثة أثناء حصارهم لمدينة تلمسان القديمة "أجادير" [15] ،
كما أطلق علها اسم المنصورة أو تلمسان الجديدة بعد ميل منها من طرف المرينيين .[16]
والظاهر أنّ مدينة أجادير هي التي احتلها الرومان وبنوا على أنقاضها "
بوماريا "[17] ؛ أي أنها تكون أقدم في
النشأة والتأسيس .[18]
في حين يذهب يحي بن خلدون أنه وبعد اختفاء بومارية ظهرت مكانها أجادير ؛ التي
يصفها ابن خلدون بـ " قاعدة بلاد المغرب الأوسط وأم بلاد زناتة "، ولا
يبيّن كيف ومتى اختفت تسمية أجادير ، وظهرت تسمية تلمسان في قوله وهو يتحدث عن
أجادير: "...إختطها بنو يفرن بما كانت في مواطنهم ...ولم نقف لها على خبر
أقدم من خبر ابن الرقيق بأنّ أبا المهاجر دينار الذي ولى إفريقية بين ولايتي عقبة
بن نافع الأولى والثانية ، توغل في ديار المغرب ، ووصل إلى تلمسان وبه سمّيت عيون
أبي المهاجر...".[19]
3ـ التطوّرات
السياسية لتلمسان :
أخذت تلمسان تلعب دورها في تاريخ بلاد المغرب
الإسلامي منذ قيام ميسرة المطغري سنة 122هـ/739م ، فوجّه الوالي الأموي عبيد الله
بن الحبحاب قائده أبا خالد حبيب بن أبي عبدة ، من جزيرة صقلية على رأس جيش لإخضاع
ذلك الثائر الصفري بطنجة ، لكنه عندما وصل إلى تلمسان بلغه أنّ معركة الأشراف
انتهت ، فمكث بها إلى أن التحق به الوالي الجديد كلثوم بن عياض القشيري وابن أخيه بلج ، ثمّ انطلقوا منها لخوض معركة
وادي سبو ضدّ الخوارج الصفرية .[20]
وعندما استقر إدريس الأكبر بالمغرب الأقصى
اتّجه إلى إقليم تلمسان ، واستمال إليه الأمير محمد بن خزر بن صولات الزناتي ،
الذي حمل مغراوة وبني يفرن على طاعة إدريس ، ومكّنه من السيطرة على أقادير، فأقام
بها أشهرًا واختط مسجدا ومنبرًا .[21]
وكان ذلك في شهر صفر سنة أربع وسبعين ومائة (790م) ثمّ عاد بعد ذلك إلى عاصمته
وليلي .[22]
وقد سيطر
بنو محمّد بن سليمان على تلمسان وأعمالها من بداية القرن الثالث الهجري ( التاسع
الميلادي ) إلى بداية القرن الرابع(الحادي عشر) حيث بدأوا يضعفون ، وأخذ الزناتيون
يسترجعون أمصارهم شيئا فشيئا بقيادة محمّد بن خزر؛ الذي كان يشكّل أكبر قوّة
بالمنطقة بدليل أنه تصدّى وحده للفاطميين ،عند استيلائهم على مدينة تاهرت .[23]
إلاّ أنّ أوضاع المغرب لم تستقر ، وخاصة في
المغرب الأوسط ؛ بسبب صراع مراكز القوى التي تداولت الحكم على المنطقة ابتداء
بمحمّد بن الخزرالمغراوي ، وموسى بن العافية المكناسي ، ثمّ جاءت فترة الإجتياح
الفاطمي للمدينة ، وحلّ محلهم بنو زيري من بعدهم ، إلا أنّ المدينة لم تستقر في
يدّ هؤلاء الأخيرين بظهور الزعيم المغراوي زيري بن عطية ، وأبناءه من بعده في
المغربين الأوسط والأقصى .[24]
وقد مدّت الدولة المرابطية سلطتها إلى
أقادير وإقليمها ، وعيّن الأمير يوسف بن تاشفين على أقادير محمّد بن تينعمر
المسوفي ، ثمّ أخاه تاشفين من بعده ، وبقيت تلمسان تحت حكم المرابطين حتى قامت
دولة الموحّدين على أنقاضها ، وقام عبد المؤمن بن علي بغزو مدينة تلمسان
عام540هـ/1145م، وقضى على الأمير المرابطي بها تاشفين بن علي .[25]
وشهدت تلمسان خلال عهد الموحّدين تطوّرا
هائلا في الحضارة والعمران ، وبرز فيها من الزناتيين بنو عبد الواد ، وبنو توجين ،
وبنو راشد .[26] ولم تبق تلمسان ولاية
موحّدية ، فقد استولى عليها يغمراسن بن زيان ؛ الذي تولى رئاسة القبيلة سنة 633هـ
، فجعل من تلمسان قاعدة إمارة التي أخذ يوسّع رقعتها على حساب الحامية الموحّدية
الضعيفة .[27] وذكر ابن
الأحمر:"...وعندما تفككت الدولة الموحّدية قام من بين بني عبد الواد رئيس
نشيط قادر هو يغمراسن بن زيان ، فأعلن نفسه أميرًا على تلمسان ، وحصّنها ، وطال
عمره فحكم نحو خمسين سنة (1236ـ1282هـ) ثبّت خلالها قواعد هذه الإمارة الزناتية
...وجعل تلمسان ...
قاعدة
المغرب الأوسط كلّه ".[28]
وكانت هذه الدولة الجديدة في بداية عهدها
يطلق عليها " دولة بني عبد الواد " ، ثمّ لمّا تولّى أمرها السلطان أبو
حمّو موسى الأخير عام 1359م ، وأحياها بعد اندثارها وأطلق عليها اسم الدولة
الزيانية .
واستمر
بنو زيان تابعين للحفصيين إلى أن غزا السلطان المريني يوسف بن يعقوب تلمسان عام
1299م ،
وفرض عليها
حصارا ، وأسّس مدينة المنصورة كمعسكر للجيش ، فاستعان عندئذ عثمان بن يغمراسن
بأمير بجاية الحفصي ، و التقوا بالقوات المرينية في جبل الزاب وأوقعوا بها هزيمة
كبيرة في معركة "مرسى الرؤوس" ؛ لكثرة ما تساقط خلالها من رؤوس العباد .[29]
وذكر يحي بن خلدون أنّ عدد من مات من أهل تلمسان في هذا العصر الطويل مائة وعشرين
أف إنسان.[30]
بعد وفاة يغمراسن بن زيان تولى مكانه أبو
زيان بن أبي سعيد عثمان بن يغمراسن (1304ـ 1308م)
ليخلفه
أخوه أبو حمو موسى ( 1308م ـ 1318م) فبذل جهده في إصلاح ما وهى من أمر تلمسان ؛
فأصلح أسوارها ومدّ سلطانه غربًا حتى وادي ملوية ، ثمّ ثار عليه ابنه أبو تاشفين
فقتله وتولى مكانه سنة1318هـ ، وكان شابًا طائشًا لايحسن التدبير ، ليحاصر السلطان
أبو الحسن المريني تلمسان مدّة سنتين ، سقطت بعدها
تلمسان
في يده سنة 1337هـ ، وظلّت تلمسان تحت سلطان بني مرين خمسًا وعشرين سنة ، ولم ينته
إحتلالهم لها إلا سة 1359م.[31]
على يد أبي حمو موسى الثاني الذي سار نحو تمسان ولقتحها في يوم 07فيفري 1359م ،
بعد وفاة السلطان المريني أبي عنان( ) .
فأعاد أبو حمّو تجديد دولة أجداده وآبائه للمرّة الثالثة ، على أنقاض السلطة
المرينية الراحلة ، وأطلق عليها اسم الدولة الزيانية ، بعد أن كانت تسمّى بإمارة
بني عبد الواد . لكن بنو مرين عاودوا زحفهم على تلمسان عام 1370م بزعامة السلطان
أبي فارس عبد العزيز ، ثمّ قيام المنتصر المريني باحتلال تلمسان والمناطق الشرقية
لها عام 1393م ، فأزال الدولة الزيانية
للمرّة
الثالثة .[32]
وكان أبو
حمّو موسى الثاني آخر الكبار من بني عبد الواد ، وعمّرت إمارة بني زيان بعد ذلك
عُمرًا طويلا ،
ولكنه
كان مضطربًا توالى فيه الأمراء واحدًا بعد واحد دون مجد أو فخر، بل خضعت تلمسان في
وقت من الأوقات لسلطان الإسبان عندما تجرّدوا لاحتلال المغرب أيام فيليب الثاني
خاصّة .[33]
ولم يستنقذها للإسلام إلاّ تدخّل العثمانيين وإدخالهم إيّاها في إيّالة الجزائر
سنة 1554 م
، وانتهى بذلك تاريخ بني زيان ،[34]
بعد أن عمّرت ثلاثة قرون وثمانية عشر عامًا .
4ـ الأوضاع العلمية والفكرية بتلمسان :
إنّ أهم الأحداث الفكرية التي عرفتها
تلمسان عبر تاريخها ، كان أوّلها تسرّب مذهب الصفرية الخارجي،[35]
في منتصف القرن الثاني من الهجرة ، وتزعّم هذه الحركة أبو قرة الزناتي إلى أن قضى
عليها والي إفريقية ابن الأشعث ، في عهد الخليفة العبّاسي أبو جعفر المنصور، وبعد استيلاء
الأدارسة على تلمسان أواخر القرن الثاني الهجري ، كان المذهب السائد هو المذهب
المالكي . وبظهور الدولة العبيدية ،انتشر المذهب الشيعي بتلمسان ، بعد استيلاء
بلقين بن زيري بن مناد عليها حوالي سنة 361هـ .[36]
وشهدت تلمسان حربًا طاحنة في الميدان
الفكري بين الفقهاء المالكيين ودولة الموحّدين ـ بعد استيلائهم عليها أوائل القرن
السادس ـ دامت ما يزيد على القرنين ، بين السلفيين والمتصوّفة ، وكانت بدايتها
أوائل القرن الثامن الهجري ، وكان يتزعم السلفية إمام تلمسان في عصره الحافظ محمّد
بن مرزوق الحفيد ، ويرأس أنصار المتصوفين قاضي قضاة تلمسان قاسم العقباني .[37]
كما ظهرت
أزمة أخرى هزّت الأوساط العلمية بتلمسان وقسّمتهم إلى فريقين ، هي قضية يهود توات[38] ؛
والمتمثلة في نقمة محمّد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني (ت 909هـ/1503م) على
اليهود القاطنين بالناحية بسبب مخالفتهم للأوضاع التي حدّدها لهم فقهاء الإسلام ،
وهو ما سمّاه المغيلي: " تعدّيًا وطغيانًا على الأحكام الشرعية ".[39]
وعارضه في ذلك معاصره أبو محمد عبد الله العصنوني ، فانقسم العلماء المعاصرون
بتلمسان وفاس إلى قسمين : قسم أيّد المغيلي ، والقسم الآخر أيّد العصنوني ، ومن
المؤيّدين للمغيلي ابن عبد الجليل التنسي .[40]
وفي عهد المرابطين بدأت الحركة الفنية تعرف
نشاطا هامًّا ، وذلك عندما أسّس يوسف بن تاشفين مدينة تاجرارت سنة 474هـ بإزاء
المدينة القديمة أجادير، فأصبحت تلمسان من أهم مدن المغرب الأوسط ، ونشط العمران ،
وسيّد وجهاء لمتونة وأمراؤهم المباني الجميلة الضخمة . وفي أيام الموحّدين أصبحت
تلمسان مقرّ ولاة المغرب الأوسط ، وعني هؤلاء بتحصينها فأقاموا أسوارها ، وشيّدوا
المنازل الضخمة والقصور.[41]
وفي أيام بني زيان إزدهرت تلمسان وأصبحت
أزهر مدن المغرب بعد القيروان وتونس وفاس ومراكش ، واتّسعت رقعتها حتى أصبحت تضاهي
فاس من حيث السعة ووفرة المباني وكثرة المساجد وتعدّد الأسواق .[42]
وفي عصرهم عاد المذهب المالكي يمثّل مكانته الرفيعة من جديد في المغرب الأوسط بعد
أن فقدها في عهد الموحّدين ، وصاحبه توطّن الثقافة العربية في مختلف المجالات
بانتشار اللغة العربية ، وكان كلّ السلاطين يبدون إهتماما بالعلوم الإسلامية ، كما
أنهم اهتموا ببناء خزانات الكتب التي توضع بها المخطوطات ، ونشطت حركة نقل العلوم
، وراجت تجارة الكتب .[43]
ويحدّثنا البكري أنّ : " تلمسان كانت
دائمًا بلد علم وعلماء ومركز سنّة وجماعة ، وكان بنو زيان من رعاة العلوم ، فاستقدموا أهل العلم والأدب وخاصة الشعراء ،
وأحاطوا أنفسهم بالفقهاء على مثال ما كان يفعله جيرانهم ومنافسوهم بنو مرين وبنو
وطاس ، وكذلك كثر في تلمسان أهل التصوّف والصلحاء والعبّاد.[44]
فكان
يغمراسن بن زيان شديد العناية بالثقافة يقرّب العلماء ويشجّع الأدباء ، فكان يحلو
له أحيانًا أن يدخل المسجد الجامع لسماع الدروس التي كان الشيوخ يلقونها على
الطلبة ، كما كان أبو حمو يسعى في أن تكون تلمسان كعبة قصّاد العلم مثل العواصم
العربية ، وبلاطه كان يزخر بالعلماء والأدباء على غرار بلاط فاس وبلاط تونس . وكان
أبو تاشفين ينافس الحفصيين والمرينيين في تقريب العلماء والأدباء من مجلسه ، وممّا
يدلّ على مدى تقريب أبو حمو موسى للعلم اهتمامه بجمع الكتب ، ويبدو حرصه على ذلك
في محاولته جلب عبد الرحمان بن خلدون إلى بلاطه ، فلم يحصل عليه ولكنه حصل على أخيه
يحي بن خلدون ؛ الذي أرّخ للدولة التي خدمها حتى هلك [45]،
سنة780 هـ .
كما أنّ
إهتمام بني زيان بالعلم يتجلّى من خلال بنائهم للمدارس ومراكز العلم ، وهو ما
سيكون حديثنا في الفصل الثاني من بحثنا هذا.
الفصل
الثانـــي :
شهدت تلمسان في العصر الإسلامي الوسيط حياة
فكرية رائدة وحركة واسعة للعلوم والمعارف الإسلامية ، امتدت إشعاعاتها إلى المدن
والعواصم الإسلامية الكبرى في المغرب والمشرق ؛ من ذلك بناء المدارس العلمية التي
كانت محجّا للعلماء والأدباء وطلبة العلم على السواء.
1ـ المدرسة
مصطلحًا ووظيفة :
يذهب المقريزي (ت 845هـ) من حيث تعريف
المدرسة ـ نقلا عن ابن جنّي وابن سيّدة ـ أنّها مشتقة من الفعل "درس
الكتاب" يدرسه درسًا ودراسة ، إذا كرّره للتمكن منه ، ودارست ودرّست ،
والمدرس وهو الموضع الذي يدرس فيه ، والمدرسة منشأة من مستحدثات الإسلام فلم تكن
معروفة قبله ، كما لم تكن معروفة في الفترة الإسلامية المبكّرة ، وتربط المصادر
ظهورها مع اختلاف بينها في ذلك ، بالربع الثالث من القرن الخامس
الهجري(العاشرالميلادي) .[46]
فيذكر المقريزي : " المدارس ممّا حدث في الإسلام ...وإنّما حدث عملها في
المائة الرابعة من سني الهجرة ، وأوّل من حفظ عنه أنّه بنى مدرسة في الإسلام أهل
نيسابور
التي
بنيت بها المدرسة البيهقية[47]
" [48].
وأوّل من عمّم بناء المدارس في المدن الوزيرالسلجوقي نظام الملك
(ت
485هـ).[49]
والمدرسة تعني في المصطلح الوظيفي ؛ مؤسسة
لتدريس العلوم الإنسانية ودراسة علوم الشريعة بصفة خاصة ، وقد ناقش الأستاذ أحمد
فكري مجمل الأراء المتداولة بين الباحثين حول وظيفة المدرسة ، وخلص إلى أنّ
المدرسة اتّخذت وظيفتها الرئيسة من كونها أعدّت لتضمّ بيوتًا لسكن طبقة متميّزة من
الفقهاء والطلبة ، وأنّه لا مجال ـ من
وجهة نظره ـ للأخذ بفكرة أنّ إنشاء المدارس كان لمناهضة الشيعة ونشر السنة ، وإذا
كان هذا صحيحًا ـ حسبه ـ فإنّ مناهضة المذهب الشيعي كان واحدا من تلك الوظائف.[50]
وتبنى المدارس عادةً خارج المسجد ، والمعنى
الإصطلاحي لهذه المؤسسة التعليمية يختلف عن مدلول الأماكن التعليمية والدينية
السابقة للمدارس ، كالمساجد والكتّاب والرباط ، وهو مفهوم رسّخته تقاليد نظام
المدرسة الشرقية ؛ التي ظهرت في منتصف القرن الخامس الهجري (الحادي عشرميلادي) في
خراسان ، وقد تأخّر ظهورها في بلاد المغرب إلى النصف الأوّل من القرن السابع
الهجري (الثالث عشرالميلادي).[51]
حيث تكاد
معظم الآراء تتّفق على أنّ وصول المدارس إلى المغرب الإسلامي كان بعد سقوط الدولـة
الموحّدية
، وأولى المدارس المنشأة في إفريقية هي التي أنشأها أبا زكرياء الحفصي (624ـ647هـ/
1227ـ 1249م) وعرفت باسم المدرسة الشمّاعية ، خصّصها لتدريس مذهب التوحيد أو
تعاليم إمام الموحّدين المهدي بن تومرت ـ وهو المذهب الرسمي للدولة ـ وكان ذلك سنة
633هـ/1235م. وقد توالى بعد ذلك بناء المدارس في إفريقية منذ النصف الثاني من
القرن السابع الهجري(الثالث عشرالميلادي)، وتواصل تشييدها طيلة القرن 08هـ/14م ،
حتى فاق عددها في نهايته عشر مدارس .[52]
ولم تظهر المدارس في تلمسان إلاّ في مطلع القرن الثامن الهجري(الرابع عشر
الميلادي)، وكانت وظيفتها هي استقبال الطلبة لمزاولة تعليمهم.[53]
2ـ مدارس
تلمسـان :
في عهد بني زيان أسّست مدارس تلمسان الخمس
، فكانت معاهد عليا للتعليم على غرار المدارس النظامية التي أنشأت في المشرق ، وما
تمّ تشييده بعدها في سائر أنحاء العالم الإسلامي .[54]
قال عنها ابن الأحمر بقوله : "...ونكفي أن نذكر المدارس الخمس الكبرى التي
أنشأت فيها (تلمسان) في أيام تلك الأسرة الطويلة العمر". [55]
وذكرها حسن الوزان بقوله : "... وتوجد بتلمسان مساجد...وخمس مدارس حسنة ،
جيّدة البناء مزدانة بالفسيفساء...شيّد بعضها ملوك تلمسان وبعضها ملوك فاس ".[56]
2ـ1ـ مدرسة
إبنا الإمام :
أمر ببناء هذه المدرسة السلطان أبو حمو موسى
الأوّل (707ـ 718هـ/1308ـ 1318م) ، وعيّن على رأس هيئة التدريس بها ابني الإمام[57]،
أبو زيد عبد الرحمان (ت 743هـ/1342م) وأخوه أبو موسى عيسى ( ت 749هـ/1348م) [58]،
وكلّفهم بإدارة التعليم والتدريس بها ، فحملت المدرسة إسميهما [59] ،
وكانت أوّل مدرسة علمية بتلمسان.[60]
وابنا الإمام ارتحلا إلى تونس آخر المائة السابعة ، فأخذ العلم بها عن تلاميذ ابن
زيتون ، وتفقّها على أصحاب أبي عبد الله بن شعيب الدكالي ، وانتقلا إلى المغرب بحظ
وافر من العلم ، وأقاما بالجزائر يبثّان العلم بها.[61]ثمّ
ذكر يحي بن خلدون أنهما " نزلا تلمسان في أيام السلطان المرحوم أبي حمو بن
السلطان أبي سعيد ، فأكرم مثواهما وابتنى لهما المدرسة المساة بهما داخل باب كشوطة
، فرأسا النّاس ، وجالسا الملوك ، على هدي العلماء وسمة الرؤساء ، وتركا بتلمسان
خلفًا كثيرًا ينتحلون العلم كبيرًا وصغيرًا ، بلغ كثير منهم مقام التدريس والعلم
والفتيا في النوازل نجابة درس ".[62]
كما يذكر التلمساني أنّ:" أبا حمو إغتبط بهما واختطّ لهما ـ هذه ـ المدرسة
وأقاما عنده على هدي أهل العلم وسننهم ، ثمّ مع إبنه أبي تاشفين ، إلى أن ملك أبو
الحسن المريني تلمسان سنة سبع وثلاثين ".[63]
كما اختط ّ لهما أبو حمو ـ إلى جانب المدرسة ـ مسجدًا ومنزلين ، وكلّ هذا كان سنة
710هـ / 1310م .[64]
أمّا بالنسبة لعمارة هذه المدرسة ، فإنّ
المصادر سكتت عن وصفها ، ولم يبق من هذه المدرسة إلاّ المسجد الصغير بمنارته ؛
والذي أسّس بجانبها ولا يزال قائمًا إلى اليوم ؛ يعرف عند أهل تلمسان باسم
"جامع سيدي أولاد ليمام" ويقع في الناحية الغربية من المدينة في اتجاه
باب كشوط ؛ المعروف اليوم بباب سيدي بوجمعة .[65]
2ـ المدرسة
التاشفينية :
كانت المدرسة التي بناها أبو حمو لابني
الإمام صارت لا تكفي لتضاخم عدد الطلبة وتهافتهم على العلم والأدب ، فلم ير ابن
تاشفين بن حمو(718ـ737هـ/1318ـ1336) بُدًّا من أن يشيّد مدرسة أخرى .[66]
فبنى المدرسة التاشفينية نسبة له ، وكانت تسمّى في حياته باسمه ، ثمّ دعيت
بالمدرسة الجديدة بعد وفاته ، ربما تمييزًا لها عن مدرسة أولاد الإمام التي
تسبقها.[67]
وبناها بجانب الجامع الأعظم ، تكريمًا للفقيه أبي موسى عمران المشذالي ،[68]
وسخّر لبنائها فنانين ومهندسين في الزخرفة والتزيين والبناء ، فجاءت هذه المدرسة
نموذجًا فريدًا للزخارف التي احتوتها قصور ومدارس تلمسان في ذلك العهد ؛ تدل على
ولع هذا السلطان بالعمران والتفنن فيه ، فجعلها قصرًا من قصور الملوك تضمّ عدّة
بنايات ورواقات .[69]
وذكر
التنسي أنّ عبد الرحمان بن تاشفين كان : " مولعًا بتجبير الدور وتشييد القصور
، مستظهرًا على ذلك بآلاف عديدة من فعلة الأسارى ، بين نجّارين ، وبنائين ،
وزلّيجين ، وزواقين ، فخلّد آثارًا لم تكن لمن قبله ولا لمن بعده ، وحسّن ذلك كلّه
ببنائه المدرسة الجليلة العديمة النظر ؛ التي بناها بإزاء الجامع الأعظم ، ما ترك
شيئًا ممّا احتضنت به قصوره المشيّدة إلاّ وشيّد مثله بها ".[70]
إحتفل السلطان أبو تاشفين بتدشين هذه
المدرسة باحتفال كبير، حضرته مشيخة تلمسان وأدباؤها ؛ وأهمهم أبو موسى عمران
المشذالي الزواوي ، وقد وصف أحد أدباء الأندلس ما رآه مكتوبًا على دائرة مجرى
الماء بهذه المدرسة.[71]
فقال المقري : "رأيت مكتوبًا بأعلى دائرة مجرى الماء بمدرسة تلمسان التي
بناها أمير المسلمين أبو تاشفين الزياني ، وهي من بدائع الدنيا ، وهذه الأبيات :
انظر
بعينك مهجتي وسنائي وبديع إتقاني وحسن
بنائــي
وبديع
شكلي واعتبر فيما ترى من نشأـي بل من
تدفّق مائي
جسم لطيف
ذائب سيلانـــه صاف كذوب الفضّة
البيضاء.[72]
وعيّن ابن تاشفين بهذه المدرسة مدرّسين ،
مثل أبي موسى المشدالي ، ودرّ عليهم وعلى من انتال عليهم من الطلبة ، وذلك لينشر
العلم والأدب في عاصمته التي كان يريد أن تضاهي تونس وفاس وغرناطة.[73]
3 ـ مدرسة العبّاد (أبي مدين):
تقع مدينة العباد شرق مدينة تلمسان ولا تبعد
عنها بأكثر من كيلومترين ، وقد فتح في اتجاهه بسور تلمسان باب سمّي باب العباد أو
باب سيدي أبي مدين فيما بعد ، وكان المكان ملتقى للمتصوّفة المنقطعين للعبادة ،
يحتوي على مدافن ومرابط ، فكان من توفي من العلماء والصلحاء يجد له مدفنًا فيه ،
وكان في مقدّمتهم في ذلك أبي مدين شعيب[74]
الذي توفي سنة 594هـ/1198م ، في عهد الخليفة الموحّدي الناصر.[75]
وذكرها
حسن الوزان بقوله:" العبّاد ، يطلق عليها اليوم اسم دفينها الشيخ أبي مدين ،
مدينة صغيرة شبه ربض ، تقع في الجبل على بُعد نحو ميل جنوب تلمسان ، وهي كثيرة
الإزدهار وافرة السكان والصنّاع ومعظمهم من الصبّاغين ، وبها دفن ولي كبير ذو صيت
شهير، يوجد ضريحه في مسجد ".[76]
وشيّدت مدرسة العبّاد في أيام إستيلاء
المرينيين على المغرب الأوسط ، وشيّدها السلطان أبو الحسن المريني ، عندما استولى
على مدينة تلمسان والمغرب الأوسط ، وبناها بقرية العباد سنة747هـ/1447م،
فوق ربوة
مطلّة على تلمسان إلى جانب روضة أبي مدين الغوث.[77]
وقد بناها بعد ثماني من إتمام الجامع.[78]
الذي بناه حول ضريح أبي مدين ، وأشرف على بنائه عمّ ابن مرزوق الجدّ
سنة739هـ/1339م.[79] وأشار إلى ذلك ابن مرزوق
بقوله : "...وبالعباد ظاهر تلمسان ، وحذاء الجامع ...أنشأ مدرسة بالجزائر
مدارس مختلفة الأوضاع بحسب إختلاف البلدان..." ، كما سمّيت المدرسة بالمدرسة
الخلدونية ؛ أطلق عليها هذا الاسم في وقت متأخر ربّما بسبب ما أنجبته من فطاحل
العلماء ، كعبد الرحمان بن خلدون الذي درس بين جدرانها.[80]
وتبعد المدرسة عن الجامع بنحو سبعة أمتار،
وهي مبنية فوق ربوة صغيرة يصعد إليها بخمس عشر درجة.[81]
وذكرها حسن الوزان بقوله : " ...وهناك أيضا(أي العباد) مدرسة جميلة
جدّا...أسّسها بعض ملوك فاس من بني مرين ، حسبما يقرأ ذلك في الرخامتين المنقوش
عليهما أسماؤهم".[82]
وقد
ذُكرت المدرسة من حيث التأسيس والمؤسس والأحباس الموقوفة عليها في اللوحة الرخامية
المثبّتة في مجسّم الدعامة الأولى يسار بلاطة المحراب العمودية في جامع "سيدي
بومدين" المجاور لها ، وذلك في العبارات التالية: " الحمد لله ربّ
العلمين والعاقبة للمتّقين ، أمر ببناء هذا الجامع المبارك والمدرسة المتّصلة
بغربيه مولانا السلطان الأعدل أمير المسلمين المجاهد في سبيل ربّ العالمين أبو
الحسن ". وتاريخ تأسيسها يوجد ضمن مجموعة أبيات شعرية عددها تسعة ، نقشت في
شريط تحت القبة في بيت الصلاة بالمدرسة نفسها وهو السابع من شهر ربيع الثاني عام
749هـ/1374م.[83] ونُقشت هذه الأبيات على
الخشب بخطوط أندلسية ، وهي من البحر الوافر، وهي :
بناني كي يقيم لدي دينــا الإسلام أمير المسلميـن
أبو الحسن الذي فيه المزايا تفوق النظم بالدّم الثمينـا
إمام لا يعبّر عنه وصـف بما أجرى به الأعمال دينا
سليل أبي سعد ذي المعالي أقرّ إلي الأمام بها عيونـا
وقد سمّاه خالـقـه علّيـا فأعلاه وأعطاه يقينـــا
أبانا بالمصلحات منه دينا وإيمانا يكون له مُعينــا
لشهر ربيع الثاني لسبـع خلون من السنين وأربعينا
إلى سبع مئين فدام سعـد محوّله مقاصده فنــونـا
وكان له الإله على إتصال على مرضاته دأبًا معينـا[84]
ووصف
غوستاف لوبون هذه المدرسة بقوله :"...وتمّ إنشاء المدرسة التابعة لهذا
المسجد(مسجد أبي مدين) في سنة 747هـ ، وتعد هذه المدرسة من أهم المباني من نوعها
في إفريقية ، وكانت تدرّس فيها العلوم والتاريخ أيام ارتقاء العرب .[85]
واشتهرت هذه المدرسة بفنّها المعماري ،
وزخرفتها المميّزة والمتضمنة لأقواس منكسرة مبنية
بالآجر المطلي بالأخضر، لها فناء فسيح به صهريج للماء ، ويوجد بالقرب منه
صحن دائري من الرخام ، مخصّص للشرب وللوضوء ، شُيّد أمام قاعة كبيرة للمحاضرات
وإلقاء الدروس ، تتسع لحلقة كبيرة من الطلآب والمدرّسين ، تقدّم فيها دروس عالية
ومعمّقة.[86] وهي عبارة عن بيت كبير
مربّع الشكل مسقّف بقبّة كبيرة من الخشب ، وفتحت فيها ستّ نوافذ عالية لدخول الضوء
، ولهذه القاعة محراب مفتوح في جدار القبلة وزخرفة جسيمة بديعة .[87]
والتخطيط المعماري للمدرسة يقوم في جوهره
على صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة أروقة معقودة تشرف عليه ، وتفتح عليه حجرات
إقامة الطلبة ، ويتصدّره بالجهة الجنوبية الشرقية بيت الصلاة من قاعة واحدة هي
قاعة التدريس ، يقابلها في الجهة الشمالية الشرقية كتلة الداخل.[88]
وتتألف المدرسة من طابقين ؛ الطابق السفلي
يتألف من عشر غرف ، والطابق العلوي يحتوي على ثماني حجرات ، تتّسع كلّ غرفة
لطالبين ، وهذا يدل على أنّ الغرف هذه كانت مخصّصة لنوم الطلبة الغرباء والفقراء ،
وهو ما يعرف بالنظام الداخلي . وتوجد غرف أخرى عند مدخل المدرسة على يمين قاعة
المحاضرات وعلى شمالها ، وتحتوي أيضا المدرسة على مرافق المياه ، مثل المراحيض
والحمامات بالطابق السفلي.[89]
وظلّت هذه المدرسة قائنة شامخة ، تزاول
وظيفتها نحو خمسة قرون من الزمن ، إلى عهد الإحتلال الفرنسي للجزائر؛ حيث قامت
الإدارة الفرنسية بتهديم هذا المعلم المعماري الإسلامي الرائع ، بحجة توسيع شبكة
الطرق داخل المدينة ، وشيّدت ساحة عمومية إلى جانبها سنة1876م.[90]
4 ـ مدرسة سيدي الحلوي :
يعزى بناء هذه المدرسة إلى السلطان المريني
أبي عنان () وقت إستيلائه على تلمسان والمغرب الأوسط سنة 754هـ/1454م ، بجانب ضريح
الوالي الصالح أبي عبد الله الشوذي الإشبيلي ؛ الملقّب بالحلوي (المتوفى في أوائل
القرن 07هـ/13م) الذي يقع شمال المدينة ، حيث يوجد المسجد . ولكن مدرسة الحلوي لم
تكن شهرة كبيرة مقارنة بالمدارس الأخرى التي عاصرتها بتلمسان.[91]
5ـ المدرسة
اليعقوبية :
أسّسها السلطان أبو حمو موسى الثاني
(760ـ791هـ/1358ـ1388م) تخليدًا لوالده أبي يعقوب ـ حاكم إقليم الجزائرـ الذي
أدركته الوفاة سنة 763هـ/1362م ، وكان أبوحمو الثاني قد أمر بدفن أبيه برياض يقع
بالقرب من باب إيلان ، ونقل رفاة عمّيه أبا سعيد وأبا ثابت من مدفنهما القديم
بالعباد إلى جوار ضريح والده ، ثمّ شرع في بناء مدرسة بإزاء أضرحتهم . وأوكل
للعالم الشيخ الشريف الحسيني أبي عبد الله (ت 771هـ/1370م) بالتدريس فيها.[92]
فيذكر ابن مريم أنه: "...إستدعى الشريف من فاس ...فانطلق إلى تلمسان
...وتلقّاه أبو حمو براحلته وأصهر له إبنته فزوجها إيّاه وبنى له مدرسة وأقام
الشريف يدرّس العلم بها إلى وفاته..." [93]
كما ذكر التنسي بناء هذه المدرسة بقوله : "...وله(الشريف الحسني) بنى مدرسته
الكريمة حين توفي والده بتلمسان ودفن بباب إيلان ، ثمّ نُقل إلى جوار أخويه
السلطانين أبي سعيد وأبي ثابت ، فلما كملت المدرسة نقلوا ثلاثتهم إليها ، واحتفل بها وأكثر عليها من
الأوقاف ، ورتّب فيها الجرايات وقدّم للتدريس فيها الشريف أبا عبد الله
المذكور...". [94]
إستغرق بناء المدرسة أكثر من سنة ونصف ،
حيث انتهى من إنجازها سنة 765هـ/1364م ، ووصفها صاحب زهر البستان وصفًا دقيقا يدلّ
على أهميّتها وعمرانها وسعة فنائها وزخرفتها فقال: " وأنشأ مدرسة القرآن
والعلوم ، وأنفق فيها من الحلال المعلوم ، فأقيمت مدرسة مليحة البناء ، واسعة
الفناء
بنيت
بضروب من الصناعات ووضعت في أبدع الموضوعات ، سمكها بالصبغة مرقوم ، وبساط أرضها
بالزليج مرسوم ، غرس بأزائها بستانا يكتنفها ، وضع فيها صهريجا مستطيلا وعلى ظرفيه
من الرخام...فيا لها من بنية ما أبهجها ".[95]
ومن سوء الحظ فقد اندثرت هذه المدرسة ، كما لم يبق أثر لغيرها من المدارس ما عدا
مدرسة العباد.[96]
وإلى جانب هذه المدارس نجد مدارس أخرى ،
منها المدرسة التي بناها أو أعاد بناءها السلطان أبو العبّاس أحمد العاقل
(834ـ866هـ /1430ـ1462) فذكر التنسي: " ثمّ بويع الملك العاقل الماجد الكامل
...أبو العباس أحمد أمير المسلمين ...وكانت له عناية عظيمة بالولي الزاهد...أبو
علي حسن بن مخلوف...
وبنى
بزاويته المدرسة الجديدة ".[97]
لكن محقق الكتاب محمد بوعياد قال بأنه رمّمها ولم يبنيها ، وقال :" فعل
بنى هنا
إستعمل في غير مكانه ، ونظن أنه كان من الأفضل إستعمال كلمة رمّم ، وتوصلنا إلى
هذا الإستنتاج
من كلام
المؤلف ، فقد قال : " إنّ السلطان قد وجد قسما من أوقاف هذه المدرسة قد
دثر...كما أعاد الحياة إلى الأوقاف والوظائف على ما زادت عليه قبل ".[98]
ومهما
يكن في الأمر فإنّ ذلك يعتبر دليلا على وجود مدارس أخرى بتلمسان لم تذكرها المصادر
التاريخية.
الفصل
الثالث :
1ـ أسباب
بناء مدارس تلمسان :
إنّ سيادة مذهب واحد في المغرب والأندلس
جعل هذه المدارس بمنأى عن الإختلافات المذهبية والفكرية المثيرة للجدل ، إذا ما
استثنينا الإختلافات في وجهات النظر المتعلّقة بسبل إصلاح المجتمع ومواحهة
الإنحرافات فيه ، وبذلك اختصت مدارس المغرب منذ قيامها بنشر العلوم الدينية
والشرعية على المذهب المالكي.[99]
ولقد تظافرت جملة من الأسباب إستطاعت أن
تقف في وجه الحالة السياسية المتردّية ، فملوك الدولة الزيانية رغم تنافسهم على
السلطة ، وانشغالهم بالحروب ومواجهة الفتن الداخلية ، فإنهم لم يعدموا من شرف
تشجيع العلماء على التدريس والإنتاج والتأليف ، ومن مظاهر إهتمامهم بالعلم تنشيط
الحركة العلمية بإنشائهم لمؤسسات علمية وتربوية أدّت إلى تفعيل الحركة العلمية
والثقافية في ذلك العصر، وجعلوا تلمسان عاصمة علمية ممتازة ضاهوا بها عواصم العلم
المشهورة إذ ذاك كمصر وغرناطة وتونس وفاس وبجاية.[100]
فهذا عبد الرحمان أبو تاشفين ذكره التنسي
بقوله : "...فقد كان له بالعلم وأهله إحتفال ، وكانوا منه بمحل تهمّم واهتبال
، ووفد عليه بتلمسان الفقيه العالم أبو موسى عمران المشذالي ، أعرف أهل عصره بمذهب
مالك ، فأكرم نزله ، وأدام المبرّة به والحفاية بجانبه ، ولاّه التدريس بمدرسته
الجديدة ".[101]
وكان أبو
تاشفين ينافس الحفصيين والمرينيين في تقريب العلماء والأدباء من مجلسه ، فكان
الأخوان إبنا الإمام في كفالة أبيه أبي حمو الأول ، ولمّا توفي قرّبهما إليه
فلازماه مدّة سنتين ثمّ غادراه وقصدا المشرق سنة 720هـ /1320م.[102]
كما قال
التنسي عن أبي حمو: " وأمّا إعتنناؤه بالعلم وأهله فأمر يقصر اللسان عن
الإجابة به ، وفي دولته كان الإمام العالم المتفنّن البحر الحبر أبو عبد الله
الشريف ، فكان له محبّا ومعظّما وبه حفيا ومكرّما...
وله بنى
مدرسته الكريمة..."[103].
وأجمل لنا ابن الأحمر إهتمام بنو زيان
بالعلم بقوله: "وكان بنو زيان من رعاة العلوم ، فاستقدموا أهل العلم والأدب
وخاصة الشعراء ، وأحاطوا أنفسهم بالفقهاء على مثال ما كان يفعله جيرانهم ومنافسوهم
بنو مرين وبنو وطاس".[104]
ومن جهته كان أبو الحسن المريني يستكثر من
أهل العلم في دولته ويجري لهم الأرزاق ، ويعمّر بهم مجلسه ومدارسه.[105]
وذكر ابن مرزوق أنّ أبا الحسن أنشأ في كلّ بلدة من بلاد المغرب الأقصى والأوسط
مدرسة ، ولخّص تلك الأعمال في قائمة طويلة ذكر فيها : "...مدرسة تازا ، ومدرسة
كلّ من مكناسة وسلا ".[106]
وإذا كان العلماء سيكونون إحدى حسنات هذه
المدارس ، فإنّ منهم هو من كان التربة الخصبة لظهور هذه الحركة العلمية بتلمسان ،
التي تغذت بالثقافة الإسلامية منذ عصر الفتوح ، فنما في أهلها التشبث
بالإسلام
وتعاليمه واحترام العلماء وتبجيلهم ، فظهر فيهم كثير من رجال العلم والصلاح ؛ من
أشهرهم أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي(ت 402هـ) ، وأبو الحسن علي بن أبي
قنون(ت557هـ) ، وأبوعلي بن الأشيري(ت569هـ) ، وأبو عبد الله بن عبد الرحمان
التجيبي(ت610هـ) ، وأبو عبد الله بن عبد الحق اليعفري التلمساني(ت625هـ) .[107]
كما يعود سبب إزدهار الفكر والثقافة بتلمسان
، إلى عدّة عوامل أهمها : موقعها بين الشرق والغرب الأندلسي ، والشمال التلي وجنوب
الصحراء ، وثانيها : أنّها كانت منبت ومحطّ أنظار العلماء وطلاب العلم ، كما كانت
محطّة عبور لقوافل الحجّاج .[108]
2ـ مرافق
المدارس وتسيير شؤونها :
لم تختلف مدارس تلمسان عن غيرها من مدارس
تلك الفترة ، من حيث المرافق التي توجد بها ، فقد اشتملت على ما يحتاجه مرتادوها
من قاعات للدرس ، وحجرات للسكن ، ومكتبات للإطّلاع على كتب العلماء ، كما اشتملت
على مختلف المرافق الإجتماعية .
فإلى جانب المصلى الذي يتصدّر الصحن في
الجهة الجنوبية ، وكان بمثابة مصلى وقاعة درس في آن واحد ، إشتملت مدرسة العبّاد
على إثنى عشر حجرة لإقامة الطلاب ، ست حجرات في لبرواق الشرقي وست في الرواق
الغربي ، ويعلوها نفس العدد في الطبق العلوي .[109]
وكان هذا الجناح الخاص الملحق بالمدارس لإيواء الطلبة الغرباء والعابري السبيل
منهم . كما ألحقت بالمدارس مكتبات (خزانات) تتضمن كتبا مُحبسة لفائدة الأساتذة
والطلبة .[110] ومن أمثلة ذلك أنّ أبا
حمو موسى أسّس خزانة وسّع فيها على الطلبة والراغبين في العلم.[111]
كما نجد بمدرسة العبّاد كوّة مقوّسة يضع
عليها الطالب المصباح الذي يستضيء به وكتبه وكراريسه والمحابر وغير ذلك ، وعى يمين
الداخل يوجد المرحاض المشتمل على فناء صغير وستة بيوت للخلاء بها أحواض صغيرة
للماء الذي يأتيها بواسطة ساقية من حوض كبير.[112]
وبنيت الميضأة خارج المدرسة
واستخدامها
يختص بالطلبة المقيمين بها فقط ، وبذلك أفتى الشيخ أبو الحسن القبسي على ماأورده
الونشريسي في فتاويه ونوازله أنه : "...في هذا المعنى أنه لاينبغي الدخول إلى
المدارس لقضاء الحاجة بها والوضوء والشرب من مائها من لم يكن من أهلها ، ولا أعدّت
الميضأة والشرب إلاّ لأهلها ".[113]
لكنها كانت لا تمنع من ضيوف المدارس أو قاصدي الشيوخ ، فقد ذكر الشيخ عبد الحميد
العصنوني : "...فجئت إلى تلمسان فقدمت على الشيخ سيدي الحسن وسلّمت
عليه...فجئت إلى مدرسة منشار الجلد ، فقلت لا يمكن أن أذهب إلى الشيخ في هذا الوقت
لكن أدخل أتبرّد في هذه المدرسة إلى وقت صلاة الظهر وألقى الشيخ سيدي محمد بن
مرزوق إن شاء الله ".[114]
وكانت المدارس تعتمد في تمويلها على الأحباس
بالدرجة الأولى ، حيث تحبس من أجلها عقّارات عمرانية وأرضية للإنفاق عليها وعلى
الطلبة المنتمين إليها ، والأساتذة الذين يدرّسون بها ، والطاقم الإداري،
وعمال
النظافة والصيانة والترميم .[115]
من ذلك ما ذكره التنسي على أبي حمو: "...بنى مدرسته(اليعقوبية)....
واحتفل
بها ، وأكثر عليها من الأوقاف ، ورتّب فيها الجرايات...فلمّا انقضى المجلس أشهد
بتلك الأوقاف ، وكسا طلبتها ، وأطعم النّاس " [116].كما
ذكر أنّ أبا العباس كان قد: " أوقف عليها(مدرسته) أوقافًا جليلة ، ووجد كثيرا
من ربع الأحباس قد دثر ، والوظائف التي بها انقطعت فأحي رسمها ، وجرّ ما دثر،
وأجرى الوظائف على أزيد ممّا كانت عليه قبل ".[117]
كما أنّ الإعانات التي تأتي من المحسنين التجّار والعلماء وميسوري الحال ومن
السلاطين والأمراء ، كانت تعدّ مصدرًا ثانيًا لتمويل هذه المدارس .[118]
لكن حسن الوزان ذكر لنا الحالة السيّئة
التي كان يعيشها الطلبة ، فبعد أن ذكر بأنّ المجتمع في تلمسان ينقسم إلى الصناع
والتجّار والطلبة والجنود ، قال : " ...والطلبة أفقر النّاس لأنّهم يعيشون
عيشة بئيسة في مدارسهم ، لكن عندما يرتقون إلى درجة فقهاء يعيّن كلّ واحد منهم
أستاذًا أو عدلا أو إماما...ويلبس الطلبة ثيابًا مناسبة لوضعيتهم ، فالجبلي يلبس
لباس أهل الجبل ، والأعرابي لباس الأعراب ، أمّا الأساتذة والقضاة والأئمة وغيرهم
من الموظّفين فلباسهم أحسن ".[119]
3 ـ مكانة
مدارس تلمسان وطريقة التعليم بها :
كانت مدارس تلمسان التي أسّست على عهد بني
زيان معاهد عليا للتكوين والتعليم على غرار المدارس النظامية التي أنشئت في المشرق
، وما تمّ تشييده بعدها في سائر أنحاء العالم الإسلامي. وكان أولو الأمر يولون هذه
المدارس عناية خاصّة ، ويعهدون بالتدريس فيها لأشهر العلماء.[120]
فعهد أبو تاشفين إلى الفقيه العالم
أبو موسى
عمران المشذالي ـ أعرف أهل عصره بمذهب مالك ـ بالتدريس في مدرسته.[121]
وكان الأخوان إبنا الإمام في كفالة أبيه
أبي حمّو الأوّل ، ولمّا توفي قرّبهما إليه فلازماه مدّة سنتين.[122]
وذكر
التنسي أنه : " لمّا ورد الفقيه العالم أبو العبّاس أحمد بن عمران البجائي
على تلمسان تاجرًا دخل المدرسة القديمة ، فحضر مجلس أبي زيد بن الإمام ، فألفاهم
يتكلمون في قول ابن الحاجب في الأصول.[123]
كما أوكل
السلطان أبو حمو موسى الثاني للعالم الشيخ الشريف الحسني أبي عبد الله (ت
771هـ/1370م)
التدريس
بمدرسته (اليعقوبية) .[124]
وكانت تلمسان قبلة لطلبة العلم والعلماء
على حدّ سواء ، فقد ذكر الشريف التلمساني أنّ : " إبراهيم بن محمد المصمودي
التلمساني (أحد شيوخ ابن مرزوق الحفيد) قرأ كثيرًا على الشيخ الإمام أبي عبد الله
الشريف التلمساني ، ثمّ انتقل بعد وفاته لسكنى المدرسة التاشفينية فقرأ بها على
الشيخ العلآّمة...سعيد العقباني".[125]
أمّا إذا تكلمنا عن مراحل التعليم ومناهجه
، فلقد كان التعليم منتشرًا في شتى مدن الدولة الزيانية ومعظم قراها ، وكان ينحصر
في مرحلة أولى في تعلّم القراءة والكتابة ، وحفظ القرآن ، وذلك في الكتاتيب
والمدارس . ثمّ في مرحلة ثانية كان الطلبة يقبلون على دراسة النحو واللغة والأدب
والفقه ، ثمّ كان الذين يريدون مواصلة دراستهم والتخصّص في العلوم ينتقلون إلى المرحلة
الأخيرة ، فيدرسون العلوم الدينية من قراءات وتفسير وحديث وفقه وتوحيد ، والعلوم
العقلية والإجتماعية والأدب وغيرها ، بمزيد من التعمّق والتفصيل .[126]
والتعليم في جميعها بمراحله الثلاثة مجّانًا ، وذلك علاوة على ما كان يقوم به
علماء الدين بالمسجد من دراسة علوم الشريعة واللّغة ، وللطلبة نظم وتراتيب خاصّة
تجمعهم على حسب إختلاف إتّجاهاتهم العلمية ، وتنوع مقاصدهم في الطلب ، وإلى تلمسان
تشدّ الرحال في طلب علوم الحكمة والفلسفيات من نوع العلم الطبيعي والرياضيات
والطبّ والموسيقى.[127]
وقد ذكر حسن الوزان بأنه كان بتلمسان كثير
من الطلبة والأساتذة في مختلف المواد ، سواء في الشريعة أو العلوم الطبيعية ،
وكانت المدارس الخمس تتكفل بمعايشهم بكيفية منتظمة .[128]
ومن الدروس التي كانت تدرّس في المدارس ، نذكر ما نقله ابن مريم في ترجمة الشيخ
أحمد بن عبد الرحمان ؛ الشهير بابن زاغو المغراوي التلمساني(ت845هـ) ، والذي قال
عنه أحد تلاميذه : "...ولازمته مع الجماعة في المدرسة اليعقوبية للتفسير
والحديث والفقه والأصول شتاء ، والعربية والبيان والحساب والفرائض والهندسة صيفًا
،
وفي
الخميس والجمعة التصوّف وتصحيح تآليفه ".[129]
ويظهر القول السابق أنّه كان هناك برنامج أسبوعي وسنوي لإلقاء الدروس في شتى
العلوم .
كما كانت
تُعقد المناظرات بين العلماء وطلبة العلم ، فذكر التنسي عن أبي زيان بن أبي
حمو(796ـ801هـ/1394ـ1399م) أنه : "...لم تخل حضرته من مناظرة ، ولا عمّرت
بمذاكرة ومحاضرة ".[130]
وكانت طريقة التعليم الجاري بها العمل
آنذاك ، هي طريقة الإلقاء والشرح ، يقوم أحد الطلبة النجباء بقراءة نص من كتاب
مشهور في المادة المدروسة ، ويتولى الأستاذ أو الشيخ شرحه فقرة بعد فقرة ، والطلبة
يقيّدون ما يسترعي انتباههم . وامتازت طريقة التعليم بتلمسان باعتمادها بالدرجة
الأولى على البحث والتفكير وعدم الإكتفاء بالحفظ ، فكان لذلك أثر محمود في تشحيذ
الأذهان وتكوين أجيال صالحة من كبار العلماء.[131]
4ـ دور
المدارس في النهضة العلمية بتلمسان :
أحدثت المدارس العلمية التي أنشئت بتلمسان
خلال القرن الثامن الهجري(الرابع عشر الميلادي) نهضة علمية بالغة الأهمية ، حيث
غدت تلمسان مدينة إستقطبت عددًا كبيرًا من العلماء وطلبة العلم ، فأدى ذلك إلى
ظهور
الكثير من العلماء في مختلف العلوم والفنون ، والذين كانت لهم إسهامات في تطوير
الحياة العلمية والفكرية في هذه الفترة ، ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال لا
الحصر:
أحمد بن
مرزوق(ت741هـ) ، محمّد بن مرزوق الجدّ(ت781هـ) ، محمّد بن مرزوق الحفيد(ت842هـ)،
محمّد بن
مرزوق الكفيف(ت 901هـ) ، أحمد بن مرزوق حفيد الحفيد(ت690هـ) ، ابن خلف التلمساني
(ت690هـ) ، أبو الحسن التنسي(ت706هـ) ، محمّد السلاوي(ت737هـ) ، أبو زيد عبد
الرحمان بن الإمام(ت 743هـ) ، وأخوه أبو موسى عيسى بن الإمام(ت794هـ) ، أبو موسى
عمران بن موسى المشدالي(ت745هـ) ، أبوعبد الله محمّد التميمي(ت745هـ) ، أبو عبد
الله محمّد المقرّي(ت759هـ) ، ابن
الخميس
التلمساني(ت708هـ) ، ابن هدية القرشي(ت735هـ) ، أبو زكرياء يحي بن خلدون(ت810هـ) ،
ابن
النجار(ت749هـ) ، أبو عبد الله بن إبراهيم الآبلي الأصل التلمساني المولد والنشأة
؛ والذي تتلمذ عليه شيوخ وعلماء أجلاّء على رأسهم عبد الرحمان بن خلدون ،وأخوه يحي
، والمقرّي الكبير، وأبو عبد الله الشريف ، ابن مرزوق الجدّ ، سعيد العُقباني ،
وابن الصبّاغ ،...(ت757هـ) ، أبو عبد الله الشريف (ت771هـ) ، إبراهيم
المصمودي(ت805هـ) ، سعيد العّقباني(ت871هـ) ، ابن عبد الجليل التنسي (ت899هـ) ،
محمّد بن عبد الكريم المغيلي(ت909هـ) وغيرهم... ، وقد ترجم ابن مريم في البستان
لاثنين وثمانين ومائة عالم وولي ، ولدوا بتلمسان أو عاشوا بها .[132]
كما ساهمت هذه المدارس في تنمية الحركة
الفكرية والتربوية بتلمسان من خلال المجالس المختلفة للعلوم ، والتي كانت تدرّس
فيها أمهات الكتب والدواوين ، وزادت من حبّ وتعلّق السلاطين الزيانيين بالعلم،
فذكر التنسي عن أبي زيان بن أبي حمّو أنّه : "...نسخ بيدّه الكريمة نُسخًا من
القرآن حبسها كلّها بخزانته التي بمقدم الجامع الأعظم من تلمسان ...وصنّف كتبا نحا
فيها منحى التصوّف سمّاه " كتاب الإشارة في حكم العقل بين النفس المطمئنة
والنفس الأمّارة ".[133]
وكان هؤلاء السلاطين يحضرون مجالس العلم ؛
من ذلك ما ذكره التنسي أيضًا عن أبي حمّو: "... وطوّل الله مدّته حتى ختم
السيّد أبو عبد الله الشريف تفسير القرآن العزيز فيها(المدرسة) فاحتفل أيضا لحضور
ذلك الختم وأطعم فيه النّاس ، وكان موسمًا عظيمًا ".[134]
ومن نتائج هذه النهضة العلمية أيضًا أن صار
السلاطين الزيانيون يسندون المناصب إلى العلماء ، من ذلك إتخاذ أبو زيان بن أبي
حمّو للشيخ أبو عبد الله محمّد بن منصور بن علي بن هدية كاتبا في ديوان الرسائل
ومستشارًا في أمور تلمسان وولّي قضاءها .[135]
كما استخدم أبو حمّو موسى ، يحي بن خلدون حاجبًا وكاتبًا وزيرًا ، وهو الذي أرّخ
للدولة التي خدمها حتى هلك سنة 737هـ .[136]
خاتـــمة
:
من خلال استعراضنا لمدارس تلمسان التي أنشأت
في القرن الثامن الهجري(الرابع عشر الميلادي)
تتأكّد
لنا وظيفة المدرسة كفضاء للعلم والثقافة ومركزًا للنهوض بالحياة الفكرية في أيّ
مجتمع ، كما أنّ تنافس السلاطين الزيانيين على بناء هذه المدارس ، يقدّم مثالا
رائعًا لحكّام تلك الفترة ، والذين لم يخل عصرهم من
إضطرابات وأخطاء وظلم للرعيّة ، لكن كانت هذه
المنجزات من حسناتهم التي بقيت تلحقهم . ومن جهة أخرى أمكننا القول أنه متى توفّرت
الظروف المناسبة لطلب العلم وحظي طالبوه ومعطوه بشيء من الإهتمام فإنّ ذلك حتمًا
سيعطي أكله ؛ من بروز العديد من العلماء ، و زيادة حركة التأليف ونشر الكتب ،
وإقبال أهل ذلك المجتمع على طلب العلم وتشجيعه واحترام وتوقير حامليه ، وهو ما
توفّرت جوانب منه في تلمسان .
كما
ساعدت وحدة المذهب وتكفّل الدولة بهذه المدارس على تجنّب الصراعات ، كالتي شهدتها
مدارس المشرق ، أين تحوّلت كثير منها من طلب العلم إلى المشادّات الكلامية
والتعصّب المذهبي وصل إلى حدّ التقاتل وسفك الدماء.
قائمة المصادر والمراجع :
1ـ قائمة المصادر :
ـ ابن الأحمر: تاريخ الدولة
الزيانية بتلمسان ، تقديم وتحقيق وتعليق : هاني سلامة ، مكتبة الثقافة الدينية ،
مصر ، 2000.
ـ ابن خلدون يحي : بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد ،
تحقيق وتقديم : عبد الحميد حاجيات ، المكتبة الوطنية الجزائرية ،1400هـ،1980،ج1.
ـ الإدريسي أبو عبد الله الشريف : القارة الإفريقية وجزيرة الأندلس ،
مقتبس من كتاب نزهة المشتاق ، تحقيق وتقديم وتعليق: إسماعيل العربي ، ديوان
المطبوعات الجامعية ، 1983.
ـ التلمساني ابن مريم الشريف : البستان في ذكر الأولياء والعلماء
بتلمسان ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر،1986.
ـ التنبكتي أحمد بابا : نيل الإبتهاج بتطريز الديباج ، تحقيق : علي
عمر ، ط1، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، 1423هـ/2004م .
ـ التنسي محمّد بن عبد الله : تاريخ بني زيان ملوك تلمسان ، مقتطف من
: نظم الدروالعقيان في بيان شرف بني زيان ، تحقيق وتعليق: محمود بوعياد ، المؤسسة
الوطنية للكتاب ، 1405هـ ، 1985م .
ـ المقريزي:المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار، دار التحرير للطبع
والنشر،1968،ج03
ـ الوزان حسن بن محمد : وصف إفريقيا ، تر: محمّد حجّي ، محمّد
الأخضر، ط2، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، ج2.
2ـ قائمة المراجع :
ـ أبو حلتم نبيل: الفرق الإسلامية بين الاعتدال والتطرف ، ط1، دار
أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن ،
1996.
ـ البستاني بطرس : دائرة المعارف ، دار المعرفة ، لبنان ، (د.ت) ،
ج6.
ـ الجيلالي عبد الرحمان : تاريخ الجزائر العام ، ط6 ، دار الثقافة ،
بيروت ، لبنان ، 1403هـ ،1983م ، ج2.
ـ الشاوش محمد بن رمضان:
باقة السوسان في التعريف بحاضرة تلمسان عاصمة دولة بني زيان ، ديوان المطبوعات
الجامعية ، الجزائر،1995.
ـ الطمار محمد بن عمرو : تلمسان عبر العصور ، المؤسسة الوطنية للكتاب
، الجزائر ، 1984.
ـ الغنيمي عبد الفتاح مقلّد : موسوعة المغرب العربي ، ط1، مكتبة
مدبولي ، القاهرة ،1414هـ ، 1994م ، المجلد الثالث .
ـ الميلي مبارك بن محمد : تاريخ الجزائر في القديم والحديث ، تقديم :
محمّد الميلي ، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر، 1396هـ ، 1976.
ـ حاجيات عبد الحميد : أبو حمو موسى الزياني ، حياته وأثاره، الشركة
الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر ، 1982.
ـ فيلالي عبد العزيز: تلمسان في العهد الزياني ، موفم للنشروالتوزيع،
الجزائر، 2002،ج1.
ـ لوبون غوستاف : حضارة العرب ، تر: عادل زعيتر ، مطبعة عيسى البابي
وشركاؤه ، (دون مكان الطبع) ، 1969.
3ـ قائمة المقالات :
ـ بن عميرة لطيفة:" تلمسان من نشأتها إلى قيام
دولة بني عبد الواد" ، مجلة الدراسات التاريخية ، معهد التاريخ ، جامعة
الجزائر ، العدد6،1413هـ ،1992، (75،63).
ـ بوعزيز يحي: " المراحل والأدوار التاريخية لدولة بني عبد
الواد الزيانية "، مجلة الأصالة ، وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية
، العدد26، جويلية 1975، (29،3)
ـ بوعبدلي المهدي : "
أهم الأحداث الفكرية بتلمسان عبر التاريخ" ، مجلة الأصالة ، وزارة
التلعيم الأصلي والشؤون الدينية ، العدد26،
جويلية 1975، (135،124)
ـ بوعياد محمود : " البستان في ذكر الأولياء والعلماء
بتلمسان وقيمته التوثيقية "، مجلة الأصالة ، وزارة التعليم الأصلي
والشؤون الدينية ، العدد26، جويلية 1975،(269،260).
ـ حاجيات عبد الحميد: " الحياة الفكرية بتلمسان في عهد بني
زيان " ، مجلة الأصالة ، وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية ،
العدد26، جويلية 1975،(156،136)
ـ لعرج عبد العزيز : " المدارس الإسلامية ، دواعي نشأتها
وظروف تطوّرها وانتشارها" ، مجلة الدراسات الإنسانية ، العدد01، 1421هـ ،
2001م ، (124،112).
ـ لعرج عبد العزيز: "مدرسة العباد: نموذج للمدارس الإسلامية
بالمغرب" ، مجلة الدراسات الإنسانية ، جامعة الجزائر،العدد02، 1423هـ
،2002م ، (157،129).
[1]ـ ابن مريم الشريف التلمساني : البستان في ذكرالأولياء والعلماء
بتلمسان ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر،1986، ص 9،8.
[2] ـ
أبو عبد الله الشريف الإدريسي : القارة الإفريقية وجزيرة الأندلس ، مقتبس من كتاب
نزهة المشتاق ، تحقيق وتقديم وتعليق: إسماعيل العربي ، ديوان المطبوعات الجامعية ،
1983، ص 150،149.
[3] ـ
حسن بن محمد الوزان : وصف إفريقيا ، تر: محمّد حجّي ، محمّد الأخضر، ط2، دار الغرب
الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، ج2، ص ص 7ـ9.
[5] ـ
الشريف الإدريسي : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ، ط1، عالم الكتب ، بيروت ،
1989، ج1، ص ص250ـ255.
[7] ـ
مبارك بن محمد الميلي : تاريخ الجزائر في القديم والحديث ، تقديم : محمّد الميلي ،
الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، الجزائر، 1396هـ،1976، ص820
[8] ـ
عبد العزيز فيلالي : تلمسان في العهد الزياني ، موفم للنشر والتوزيع ، الجزائر ،
2002،ج1،ص 88،87.
[11] ـ
يحي بن خلدون : بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد ، تحقيق وتقديم : عبد
الحميد حاجيات ، المكتبة الوطنية الجزائرية ،1400هـ،1980،ج1،ص 85.
[15] ـ
أجادير : إختطها بنو يفرن الزناتيون ، وكانت هي والمناطق المجاورة منطقة التوطن
لقبيلة زناتة الكبيرة ذات الفروع المتعددة ، ونظرا لأهميتها وجمال موقعها نسح
السكان حولها أساطير كثيرة . انظر: يحي بوعزيز: " المراحل والأدوار
التاريخية لدولة بني عبد الواد الزيانية "، مجلة الأصالة ، وزارة التعليم
الأصلي والشؤون الدينية ، العدد26، جويلية 1975، ص 4.
[17] ـ
بومارية: معناها البساتين ، تقع في مفترق طرق عسكرية ، يمر أحدهما عبر ألبالاي (Albulae) عين تيموشنت
اليوم ، ويربطها بمينائي بورتوس دوفيني (Portus Divini
مرسى الكبير ويصلها بسيكا Siga
مدينة موريطانيا القيصرية على البحر المتوسط ، واختارها الرومان بسبب موقعها
الإستراتيجي .
انظر:
لطيفة بن عميرة :" تلمسان من نشأتها إلى قيام دولة بني عبد الواد"
، مجلة الدراسات التاريخية ، معهد التاريخ ، جامعة الجزائر ، العدد6،1413هـ،1992،
ص65،64.
[20] ـ يحي بوعزيز : المقال السابق ، ص 66،65.
[28] ـ
ابن الأحمر: تاريخ الدولة الزيانية بتلمسان ، تقديم وتحقيق وتعليق : هاني سلامة ،
مكتبة الثقافة الدينية ، مصر ، 2000، ص 13.
[33] ـ
إبتداء من 1503أصبح الخطر الإسباني على الجزائر حقيقة واقعة ، فاحتلوا المرسى
الكبير سنة 1505م ، وتدخلوا في مشاكل عرش تنس عام1506م
واحتلوا وهران عام1509، ثم
بجاية عام 1510م ، ومستغانم 1511، ودلّس وعنابة سنة1531م ، وأصبحت تلمسان بين فكّي
كماشة يحيط بها الخطر الإسباني من كلّ جهة
، وربط العديد من الأمراء الزيانيين علاقات بالإسبان ضدّ منافسيهم . انظر: يحي بوعزيز : المقال السابق ، ص ص 24ـ28.
[35]ـ أتباع زيد بن الأصفر ، من عقائدهم تكفير القعدة ، ولم يسقطوا ولم
يحكموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم وتخليدهم في النار، وقالوا بالتقية دون
العمل،
انظــر: نبيل أبو حلتم : الفرق الإسلامية
بين الإعتدال والتطرف ، ط1، دار أسامة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن ، 1996،ص 26.
[36] ـ
المهدي بوعبدلي : " أهم الأحداث الفكرية بتلمسان عبر التاريخ" ،
مجلة الأصالة ، وزارة التلعيم الأصلي والشؤون الدينية ، العدد26،
جويلية1975، ص126
[38] ـ
توات: ناحية على ضفاف وادي الساورة في وسط صحراء الجزائر، تضمّ عدّة واحات أو
قصور، وأهمها في القديم تمنطيط ، وأهمها اليوم أدرار.
[39] ـ
محمّد بن عبد الله التنسي : تاريخ بني زيان ملوك تلمسان ، مقتطف من : نظم
الدروالعقيان في بيان شرف بني زيان ، تحقيق وتعليق: محمود بوعياد ، المؤسسة
الوطنية للكتاب ، 1405هـ ، 1985م ، ص 30،29.
[41] ـ
عبد الحميد حاجيات : أبو حمو موسى الزياني ، حياته وأثاره، الشركة الوطنية للنشر
والتوزيع ، الجزائر ، 1982،ص 57.
[43] ـ
عبد الفتاح مقلّد الغنيمي : موسوعة المغرب العربي ، ط1، مكتبة مدبولي ، القاهرة
،1414هـ ، 1994م ، المجلد الثالث ، ص 178،177.
[46] ـ
عبد العزيز لعرج : " المدارس الإسلامية ، دواعي نشأتها وظروف تطوّرها
وانتشارها" ، مجلة الدراسات الإنسانية ، العدد01، 1421هـ ، 2001،
ص 113.
[48] ـ
المقريزي : المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار، دار التحرير للطبع والنشر،1968،
ج03 ، ص 314،313.
[54] ـ عبد الحميد حاجيات : " الحياة الفكرية
بتلمسان في عهد بني زيان " ، مجلة الأصالة ، وزارة التعليم الأصلي
والشؤون الدينية ، العدد26،
جويلية 1975، ص 128.
[57] ـ
أبوهما هو الشيخ محمد بن عمر بن فتوح التلمساني ، أدخل المختصر لفاس ، بعد مغادرته
تلمسان ، وكان يقرىء ألفية ابن مالك
بمدرسة أبي عنان ، ثمّ عرضت عليه رئاسة درس الفقه بمدرسة العطّارين فلم
يقبلها . انظر : الشريف التلمساني :
المصدر السابق ، ص 224.
[58] ـ
الفقيهان أبو زيد عبد الرحمان وأبو عيسى ابنا الإمام محمد بن عبد الله ، من أهل
برشك ـ من عمل تلمسان ـ ، نزلا تلمسان في أيام السلطان أبي حمو الأول ، قال
تلميذهم المقري :" كانا رحلا في شبابهما من بلدهما تلمسان إلى تونس فأخذا بها
عن ابن جماعة ، وابن العطار، والبطرني وتلك الطبقة... وكانا يذهبان إلى الإجتهاد
". انظر: أحمد بابا التنبكتي : نيل
الإبتهاج بتطريز الديباج ، تحقيق : علي عمر ، ط1، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة
، 1423هـ/2004م،
ص ص 266ـ270.
[68] ـ
من أكبر فقهاء عصره أصله من "زواوة بجاية" قال يحي بن خلدون (في البغية
ج1،ص72): توفي في حدود خمس وأربعين وسبعمائة ، وقال عنه : " لم يكن في
معاصريه أحد مثله علما بمذهب مالك ، وحفظا لأقوال أصحابه ، وعرفانًا بنوازل
الأحكام ، وصوابًا في الفتيا".
انظر: التنسي : المصدرالسابق ،
ص141.
[74] ـ
أبو مدين شعيب لن الحسن الغوث ، وُلد بإشبيلية ، وعاشفي فاس ، ثمّ انتقل إلى بجاية
، فتلمسان ، حيث توفي عام 594هـ / 1198م.
انظر : حسن الوزان : المصدر السابق ، ص 24.
[75] ـ
عبد العزيز لعرج : "مدرسة العباد: نموذج للمدارس الإسلامية بالمغرب"
، مجلة الدراسات الإنسانية ، جامعة الجزائر،العدد02، 1423هـ ،2002م ، ص131 .
[81] ـ
محمد بن رمضان الشاوش: باقة السوسان في التعريف بحاضرة تلمسان عاصمة دولة بني زيان
، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر،1995،
ص 304.
[85] ـ
غوستاف لوبون : حضارة العرب ، تر: عادل زعيتر ، مطبعة عيسى البابي وشركاؤه ،(دون
مكان الطبع) ، 1969، ص 260.
[106]ـ عبد العزيز لعرج : " المدارس الإسلامية " ، ص 122.
[127] ـ
عبد الرحمان الجيلالي : تاريخ الجزائر العام ، ط6 ، دار الثقافة ، بيروت ، لبنان ،
1403هـ ،1983م ، ج2 ، ص 249.
[132] ـ
محمود بوعياد : " البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان وقيمته
التوثيقية "، مجلة الأصالة ، وزارة التعليم الأصلي ةالشؤون الدينية ،
العدد26،
جويلية 1975، ص 261.
0 التعليقات:
إرسال تعليق