والشيخ أحمد شقار أديب وكاتب ومعلم، له
موهبة شعرية خصبة، نشأ مصلحا وشب في كنف جمعية العلماء، علم في مدارسها
وزامل رجالها، فاكتسب خبرة وكفاءة علمية، له ثقافة ثرية واطلاع واسع، يملك
مكتبة عامرة، فما يكاد يسمع بكتاب ينزل إلى السوق حتى يبادر إلى اقتنائه
ومطالعته.
مولده ونشأته وتعلمه:
ولد في سنة 1927 في قرية (أورير) من دوار
الجعافرة ولاية البرج، تعلم القرآن الكريم على والده الشيخ محمد أمقران
وعدة مشايخ أشهرهم: الشيخ أحمد الهلالي، والشيخ الأحسن بن طالب، وعليهم حفظ
القرآن رسما وقراءة وتجويدا وهو لم يبلغ بعد اثنتي عشر عاما، وبدافع من
والده الأديب وترغيب منه حفظ معظم المتون والمصنفات كالألفية، والمرشد
المعين، والسلم للشيخ عبد الرحمن الأخضري، كما حفظ ديوان ابن الفارض الشاعر
الصوفي، وديوان ابن الطيب المتنبي.
بدأ تعلمه للمبادئ الأولية في العلوم على
والده، ثم على الشيخ عبد الحميد بن حالة أحد تلامذة الإمام عبد الحميد بن
باديس، فدرس عنهما النحو والصرف والفقه والعقائد والبلاغة، وقد استغل وجوده
عند الأستاذ ابن حالة فتمكن من الإطلاع على مكتبته الزاخرة بشتى الكتب
والفنون ومنها مجموعة (الشهاب) ومجموعة (البصائر).
والأستاذ الذي له الفضل في توجيهه وإثراء ملكاته هو الشيخ محمد وعمر جلواح شقيق الشاعر العاطفي أستاذ مبارك جلواع العباسي.
ولما تمكن من المبادئ الأولية واشتدت رغبته
في طلب العلم هاجر إلى تونس والتحق بجامع الزيتونة في سنة 1946، فتابع
الدراسة فيه بدون قيد بما يسمح له في اختيار الدروس والفنون التي يرغب
فيها، ويقضي معظم أوقاته في مكتبة العطارين للمطالعة والبحث، فالأساتذة
الذين أثروا فيه واستطاع أن يذلل بواسطتهم صعوبات الفهم، وكانوا معه
بتوجيههم وإنارة السبل أمامه هم: الشيخ الطاهر الغمراسي، والشيخ بوشربية،
والشيخ الفاضل بن عاشور، كما لازم شاعر الخضراء محمد الشاذلي خزندار آخذا
عنه فن الشعر.
وعاد إلى الجزائر في أواخر سنة 1948 بعد
سنتين قضاهما في الزيتونة جادا ومجتهدا، ففضل أن يدخل ميدان العمل معلما من
أن يعود إلى الزيتونة متعلما.
نشاطه وعمله:
- أسس أول مدرسة في قرية (إواشانا) بالجعافرة في سنة 1948 وأشرف على التعليم فيها ثم تركها لمن واصل التعليم فيها بعده.
- أسس مدرسة أخرى في قرية (ويزران) من بني عباس في سنة 1949.
- عينته جمعية العلماء في (مدرسة العجيبة) من ولاية البويرة سنة 1950 فمكث فيها سنة.
- نقل إلى (مدرسة ذراع الميزان) التي
أحياها، وكانت شبه معطلة، وساعده على فتحها واستئناف نشاطها وازدهارها
المصلحون: الشيخ سالم بن عبد الله، والسيدان: يحي بن القاضي، وسالم آيت
بلقاسم، غير أنه لم تطل إقامته فيها.
- نقل إلى مدرسة الشيخ الفضيل الورتلاني
بالبويرة في 1954، وكانت هذه المدرسة ذات قسم واحد، وفي عهده توسعت لتشمل
عدة أقسام، فقضى فيها سنة ثم تحول بعدها إلى الجزائر سنة 1955.
- في العاصمة صادف تأسيس (مدرسة الإرشاد)
في القصبة 2 نهج نفيسة فتولى التدريس فيها، فما انتشر خبر تأسيس هذه
المدرسة حتى هرع التلاميذ والتلميذات والشباب تأخذ كل فئة منهم وقتها
المناسب لها.
ومعلوم أن الثورة التحريرية قد اشتد
سُعارها فلا منجاة من أهوالها، ومعظم شباب المدرسة من الفدائيين ومن
المسؤولين مما جعل عمر المدرسة قصيرا فعجل الاستعمار بإغلاقها وتعطيل
نشاطها.
- ففي 3 فبراير 1957 ألقي القبض على
مترجمنا ومر على ثلاثة مراكز التعذيب البدني، ومنها نقل إلى محتشد الفرز
بابن مسوس، حيث وجه إلى معتقلات عين وسارة، سيدي الشحمي، بوخامية، بطيوة،
اركول، وأخيرا الدويرة.
وأطلق سراحه في 25 أغسطس 1960 وأثناء هذه
الفترة 57-60 أطلق سراحه لمدة لم تتجاوز عشرين يوما، ثم أعيد اعتقاله بتهمة
أخرى جديدة، وحوكم وصدر عليه الحكم بعدم توفر حُجج الإدانة، ورغم ذلك فقد
أعيد إلى المعتقل.
كان نشاطه في المعتقل كبقية نشاط معلمينا
وأدبائنا وعلمائنا ومفكرينا، فقد استفادوا من تجربة طويلة وأفادوا، وكان
علاوة عن أعماله التثقيفية قد أعد ديوان شعر مشتمل على عشرات القصائد وعديد
من القطع وأناشيد، لكن قد سُلب منه إلى الأبد.
واستقلت البلاد:
- عُين أول مرة في (متوسطة عمرة) في الحامة عند مفتتح السنة الدراسية 1962-1963.
- نقل إلى (متوسطة أحمد عبطوط) بالزنانية الأبيار.
- ولما أدمج المعلمون الأحرار في إطار
الوظيف العمومي عين أستاذا في ثانوية المقراني في ابن عكنون في سنة 1964
فلم يغادر منصبه فيها إلى حين أحيل على التقاعد في سنة 1983.
- أما نشاطه بعد التقاعد، فنشاطه خاص موزع بين الإذاعة والصحافة والتأليف.
مؤلفاته المخطوطة:
- أعد ديوانا للمرة الثانية، كما أوضح لي فهو ينوي تقديمه للطبع.
- "بين الإفراط والتفريط" وهو عبارة عن مجموعة أحاديث مذاعة.
- "شخصيات ومواقف" في 180 حلقة.
- "أباطيل ومغالطات في حلزونية رشيد بوجدرة".
- "رواية التجربة القاسية".
"رد فعل امرأة"، وهي عبارة عن مجموعة من القصص.-
- مجموعة من التمثيليات الإذاعية منها:
- "لا تتخذ المرأة عدوا".
- "بين الماضي والحاضر"، وهذه كتبت في معتقل بوخامية (بوسوي) ومثلت فيه وأعيد تمثيلها في الإذاعة الوطنية.
- "الشاعر الخالد أبو القاسم الشابي".
سلسلة أدبية تعرض حياة بعد الشعراء وصفحات من آثارهم:
محمد إقبال، أبو الفضل الوليد، معروف الرصافي، بدر شاكر، السياب (الشاعر المظلوم).
بالإضافة ما نشره في
الجرائد والمجلات، البصائر الجزائرية، الرسالة المصرية، والشعب، والمساء،
والثقافة، والمعرفة، والقبس، والعصر، والرسالة لوزارة الشؤون الدينية، وما
يزال يواصل النشر في الجرائد والمجلات الجزائرية.
نماذج من شعره:
- "صرخة عربي":
هي قصيدة أثارت كوامن غضب الشاعر على تعنت إسرائيل ربيبة أمريكا عن
تصرفاتها الحمقاء ومكائدها وغدرها، فجاءت قصيدته في أربعة مقاطع، اخترت
منها المقطع الأول:
دمدمي يا ريح إن شئت وإن شئت ازفري
وأقضي شئت رُدن الرعب وشئت انشري
واصلي في ركبك الشوك وللهول أبذري
واخلعي أفئدة هيضت ولما تُجبري
حطميها فهي بنت الضعف بنت الخور
وانثري أجزاءها بين ثنايا الأبحر
فأنا يطربني عزف لريح صرصر
إنه إشراقة البشرى ببعث منذر
بت من ينشد في الإعصار نيل الوطر
أترى أخشى رياحا بعد ريح القدر؟
دمدمي إن شئت وإن شئت ازأزي.
"الليل في بيت شاعر":هو عنوان قطعة شعرية رائعة 16 مقطعا، نشرت في مجلة (هنا الجزائر) للإذاعة في عددها 87 ذو القعدة 1379هـ وهذه قطع منها:
جثم الليل فغاضت بهجة الأنس الحنون
ومضى يختال كالجبار في ثوب السكون
ناقما ينشد أنضاء شقاء وشجنون
يتقاضهم ديون
***
فرأى طيفا كئيبا غاب في أعماق فكره
بين أسفار وأوراق وأقلام وحبره
دوته شعلة ضوء خافت في ركن حفره
هي للشاعر حجره
***
فدنا نحو فراش حائل السَّحنة أغبر
رسم البؤس على صفحته رسما مكبر
زانه طفل كحلم في سماء الشعر أزهر
ساحر النظرة أحور
***
ورأى أما على وجنتيها روعة حسن
حاول الحزن لها طمسا وما الحزن بمغن
حضنته في حنان وانتباه وتأن
لتقيه كل غبن
إلى أن يقول:
والتي تحتضن الطفل أليست سر مبهم
منحت حسنا بديعا لم تسخره لدرهم
وهي في مستنقع الفقر تقاسي وتألم
دونما أن تتكلم
***
إلى أن يقول:
إنا لا أبغيك مثر بين أكوامك حائر
لا ولا أبغيك زيرا لكريمات الحرائر
لا ولا أبغيك بين الناس للخمر معاقر
إنما أهواك شاعر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق