ما الذي تغير في الأحياء الشعبية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية؟ سؤال جدير بالطرح في الوقت الذي تباشر فيه السلطات عملية ترحيل
واسعة، تمس أساسا سكان القصدير، وتستثني من قضوا نحبهم في بيوت شيدها الاستعمار وتكاد تسقط على رؤوسهم.
عدا بعض الأجزاء من "الجزائر القديمة" كشارعي ديدوش مراد، "ميشلي" سابقا، والعربي بن مهيدي "ديزلي" سابقا، التي ما تزال فيها العمارات تقاوم الزمان وبلغت أسعارها في سوق العقار مستويات مذهلة لوقوعها بقلب العاصمة، تعرف باقي الأحياء الشعبية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، وضعا يزداد سوءا فواقع سكانها لم يتغير منذ 1962، بل زاد تدهورا بفعل قدم البنايات التي تهدد الكثير منها بالانهيار.
ديار الشمس الاستثناء
ما يزال الآلاف من الجزائريين يقطنون في عمارات موروثة عن الاستعمار، كان يسكنها مستوطنون وانتقلت ملكيتها بعد استقلال البلاد إلى جزائريين، غير أنه بعد مرور عشرات السنين، صارت هذه المساكن لا توفر شروط العيش الكريم، وقد تم هدمها وترحيل سكانها، عدا عمارات ديار الشمس، التي شيدت إبان الاستعمار لإيواء العمال الذين أوتي بهم في مختلف المشاريع أثناء الاستعمار، وصارت بعدها تأوي عائلات جزائرية برمتها، انتفضت على مراحل لتستفيد من الترحيل منذ فترة قصيرة.
أما البقية فما يزالون يقبعون في مساكن العهد الفرنسي، وفي هذا الإطار يصعب تحديد حجم الحظيرة العقارية الموروثة من أيام التواجد الفرنسي، حيث يجب أن تضاف إليها المساكن الفردية المترامية عبر مختلف شوارع العاصمة وباقي المدن الجزائرية.
ففي العاصمة، كل الأحياء الشعبية تم تشييد أغلب بناياتها أيام التواجد الفرنسي، مثل أحياء حسين داي، محمد بلوزداد بلكور سابقا، باب الوادي، الحراش، القبة. ففي حي بروسات مثلا أين توجد أربع عمارات تأوي كل واحدة منها أكثر من 3 عائلات، تم تشييدها سنوات الأربعينيات من القرن الماضي، نفس الشيء ببلكور.
بلكور وباب الوادي الأكثر تضررا
وإن كان وضع هذه العمارات في بعض الأحياء مقبولا نوعا ما، يبقى الأمر مخالفا في أخرى، فمثلا شارع محمد بلوزداد أو بلكور يعج بعمارات تهدد بالانهيار، فمنذ سنة تقريبا أو أقل انهارت عمارة وأدى الحادث إلى وفاة امرأة، ويقول أحد السكان "الوضع خطير جدا، فأغلب العمارات التي تشاهدونها مهترئة ويعود تاريخ تشييد بعضها لأكثر من مائة سنة ورغم هذا فلم يستفد السكان من الترحيل طيلة هذه الفترة، أي منذ الاستقلال، رغم الأخطار".
نفس الشيء بحي باب الوادي، أين تعرف العديد من العمارات "الاستعمارية" وضعا خطيرا، والدليل تضرر الكثير منها أثناء الزلزال الأخير الذي ضرب العاصمة، ونفس الشيء بالبلدية المجاورة، بولوغين.
السنين ليست المسؤول الوحيد عن هذا الوضع، بل أيضا انعدام الصيانة على مستوى هذه العمارات، فيقول أحد ممن تحدثنا إليهم "المسؤولية متقاسمة، فالصيانة أمر مهم بالنسبة لأية بناية، واضرب لكم مثلا بسيطا، نجد أن بعض العمارات مثلا في شارع ديدوش مراد، ما تزال فيها المصاعد القديمة تشتغل، في حين أنه في أحياء شعبية مثل حسين داي أو باب الوادي، فإنها تحولت إلى مساكن".
فتحويل سطوح الكثير من هذه العمارات وأقبيتها وحجر المصاعد إلى مساكن، ساهم بنسبة كبيرة في تدهور وضعها وتحولها لقنابل موقوتة.
وفي سياق آخر، وإن كان حي القصبة العتيق ليس موروثا من الحقبة الفرنسية، بل العثمانية، يمكن التساؤل والتحسر أنه بعد كل هذه السنين ما يزال يقطن فيها مئات العائلات الجزائرية، في الوقت الذي كان يمكن تحويله لحي سياحي وثقافي بامتياز، غير أن تفكير السلطات منذ الاستقلال لم يتجه نحو هذا الاتجاه على الإطلاق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق